مقالات

يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس

يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأسبالطبع هذه الآية حيرت كثيرين، وجعلت البعض يتساءل هل إرادة الابن تختلف عن إرادة الآب، وكثيرين حاولوا أن يثبتوا أن هناك فرق بين الآب والابن من جهة الجوهر والطبع، ولكن هنا يتكلم المسيح الرب لا بحسب طبيعته الإلهية لأنه من حيث الطبيعة الإلهية لا يُعاني شيئاً ولا يجزع من آلام الصليب في حد ذاتها أو يحاول أن يهرب من الصليب أو يعني من أي ضعف أو مشقة كإله، ولكنه يُعاني بالطبع بحسب الطبيعة الإنسانية التي يحملها في ذاته، لأنه هنا يتكلم كإله تجسد سيحمل خطايا البشرية ويقدم ذاته كذبيحة إثم وخطية ويحمل اللعنة، ومن جهة أخرى ليعلن طاعته للآب واتفاق إرادته مع إرادة الآب وذلك عوضاً عن البشرية التي عصت مشيئته وإرادته وخالفت الوصية، لأنه في الأساس قدم ذاته ذبيحة طاعة، وان لم يقل هذا [يا أبتاه إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ] فأنه لن يعلن طاعته للآب من جهة البشرية التي يحملها كإله متجسد، ومن جهة أخرى ليعلمنا كيف نُصلي وقت المحن والمشقات، ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم عن المسيح الرب وهذه الطلبة :

[ فقد صلى كإنسان، ليس حسب الطبيعة الإلهية، لكنه كان يُعاني بحسب الطبيعة الإنسانية. إذاً فقد صلى لكي يُعلمنا كيف نُصلي، وان نطلب دوماً الخلاص من المصاعب. ولكن إن لم يكن هذا ممكناً ( أن نتخلص من المصاعب ) بالنسبة لنا، فلنتحمل كل ما هو حسناً أمام الله. لهذا قال: [ لكن ليس كما أُريد أنا بل كما تُريد أنت ]، بالتأكيد ليس لأن إرادته شيء وإرادة الله (الآب) هي شيءٌ آخر، بل لكي يُعلِّم البشر أنهم حتى في الحالة التي يجاهدون فيها أو يرتعدون، أو التي يأتي فيها خطرٌ ما أو عندما لا يريدون أن يغادروا الحياة الحاضرة، فليفضلوا إرادة الله على إرادتهم. هذا بالضبط ما تعلَّمه القديس بولس وأظهر الاثنين بالأعمال. لأنه طلب أن تبتعد عنه التجارب قائلاً: [ من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يُفارقني ] (كورنثوس12: 8 – 10). ولأن هذا لم يكن حسناً أمام الله، يقول: [ لذلك أُسرّ بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات ].

لقد تعرض الرسول بولس لمخاطر كثيرة مرات عديدة، وصلى ألاَّ يتعرض لمخاطر. اسمع ما قال له المسيح آنذاك: [ تفكيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمُل ] (2كورنثوس12: 9). إذاً فبعد ما رأى أن هذه هي إرادة الله أخضع إرادته لهذه الإرادة بعد ذلك. إذ هذان الأمران قد عَلَّمَ بهما (الرب) بواسطة هذه الصلاة، أي ألاَّ نلقي أنفسنا بأنفسنا في الأخطار، بل ونُصلي ألا نُغامر بالدخول فيها، أما إذا أتت فلنتحملها بشجاعة وأن نُفَضِّل إرادة الله على إرادتنا] (القديس يوحنا ذهبي الفم شرح متى 26: 39)

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى