الطقس الكنسي

يوم الجمعة العظيمة من البصخة المقدسة، يوم المصالحة والخلاص ودينونة الخطية وإعلان براءة الإنسان

يوم الجمعة العظيمة من البصخة المقدسة
يوم المصالحة والخلاص ودينونة الخطية وإعلان براءة الإنسان

يوم الجمعة العظيمة من البصخة المقدسة، يوم المصالحة والخلاص ودينونة الخطية وإعلان براءة الإنسان

+ يكون في ذلك اليوم يقول السيد الرب: تغيب الشمس وقت الظهيرة، ويظلم النور على الأرض في النهار – عاموس8: 9

يا لهيبة هذا اليوم العظيم والرهيب، ويا لخجلي العظيم من شقائي وأفعالي المُرّة، لقد ذاق رب الخليقة كأس آلامي وأوجاعي التي حملها عني وبسببي، واجتاز الفرقة التي بيني وبين الآب القدوس إذ صرخ قائلاً بلسان حال بشريتي [إلهي إلهي لماذا تركتني]. فهذه هي صرختي التي لم استطع أن أنطقها لأني كنت ميت ولا استطيع الشعور ولا النطق، فأتى من نطقها بلسان حالي وجاز بي هذه الفرقة المرعبة…
فأنا هو الذي أخطأ وهو البار الذي صُلب لأجلي، فمن أجل آثامي جاء إلى الموت [إشعياء53: 8] ، فانا من أطعمته مرارة شقائي وهو أطعمني خبز الحياة، أنا من سقيته كأس خل ممزوجاً بمُرّ جهلي [مزمور68: 19] وهو سقاني كأس حبه بحلاوة بهاء مجده وعهد سلامه !!!
هذا هو يوم دينونة الخطية في الجسد [رومية8: 3]، يوم حمل الحبيب عاري الخاص، يوم الاستهزاء برب الخليقة كلها من عبيد بطالين، الذين يُعَبِّرون عن جهلي واستهزائي بالحبيب بخطاياي الكثيرة التي أمارسها غير مبالياً بما صنعه رب الخليقة كلها لأجلي، يوم موت الحبيب وطعنه بحربة قساوتي وقلبي الشرير، فسال منه ماء طهارتي ودم تقديسي !!!
هذا هو يوم سُلطان ساعة الظُلمة التي غطت الأرض كلها على مدى ثلاثة ساعات غير عادية، لأنها ساعة القضاء والدينونة على سلطان الخطية والموت، برب الحياة والمجد الذي جعلها تنقشع في النهاية ليُشرق نور عهداً جديداً [ ويحدُث في وقت المساء يكون نور ] (زكريا14: 6)، فأضاء نُور الصليب على الجالسين في الظلمة وظلال الموت. نوراً لن تطفئه ظلمة ولا خطية مرة أخرى لكل الذين ثبَّتوا أنظارهم على الصليب، كما حدث في برية سيناء حينما هاجمت الحيات المُحرقة بني إسرائيل فصنع موسى الحية النُحاسية على خشبة وكل من ثبت نظره فيها بالإيمان شُفي في الحال …

هذا هو يوم الدينونة والبراءة، يوم الحزن والفرح، فقد تمت دينونة الخطية في الجسد ومات المسيح الرب وأمات الخطية في الجسد وتم صلب الإنسان العتيق بكل أعماله: [عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلِبَ معه ليبطل جسد الخطية كي لا نعود نستعبد أيضاً للخطية ] (رومية 6: 6)، فقد صلبنا معه وفكنا من رِبَاطات الخطية [ مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا في فما أحياه الآن في الجسد فإنما أحياه في الإيمان إيمان ابن الله الذي أحبني وأسلم نفسه (للموت) لأجلي ] (غلاطية 2: 20)، لذلك فمن جهتي: [ فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم ] (غلاطية 6: 14)

يوم الجمعة العظيمة من البصخة المقدسة، يوم المصالحة والخلاص ودينونة الخطية وإعلان براءة الإنسانأورشلم في حياة الرب يسوع على الأرض

بداية أحداث هذا اليوم المهيب العظيم، يوم براءة وشفاء لكل إنسان يؤمن
+ القبض على يسوع +

بعد ما أكل مُخلصنا – القدوس الصالح – الفصح مع تلاميذه بأورشليم، سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون، إلى عبر [ وادي قدرون ] وكان هذا الوادي عميقاً، ووادي قدرون هو نهر يجف صيفاً، فيترك قاعه جافاً كالوادي ويستطيع الكل أن يسير عليه، ويُسمى هذا الوادي بالوادي الأسود، وكان موقعه بين أورشليم وجبل الزيتون، وهو يمتد شرقي المدينة. وعندما يمتد هذا الوادي ليفصل بين سور المدينة من الجانب الغربي وبين جبل الزيتون يُسمى [ وادي يهوشافاط ]، ثم ينحدر هذا الوادي إلى مار سابا حيث يُسمى [ وادي الراهب ]. ومن ثم يمتد إلى بحر لوط، وهناك يُسمى [ وادي النار ]، وهو يُسمى أيضاً [ وادي الأرز ] وهو يُسمى الآن [ وادي ستَّي مريم ].
وفي هذا الوادي احترقت تماثيل معكة [ أنظر 1ملوك15: 13 ؛ 2أخبار أيام15: 16 ] ، وطُرحت فيه جميع أدوات العبادة الباطلة التي تَنجَّس بها هيكل الرب [ أنظر 2أيام29: 16 ؛ 2أيام30: 14 ؛ 2ملوك23: 4، 6، 12 ؛ 2صموئيل15: 13 ؛ 2ملوك23: 12 ؛ 2أيام15: 16 ]، ثم صار ذلك الوادي مكاناً للمقابر، وقد عبره داود عندما هرب من وجه أبشالوم [2صموئيل15: 23، 30]، وكذلك السيد الرب يسوع المسيح حينما ذهب إلى جسثيماني [يوحنا18: 1] وهو عالم أن يهوذا يعرف هذا المكان، لأن ساعته كانت قد جاءت ليُقدم ذاته ذبيحة عن حياة العالم كله.

وإذ وصل الجند [ وهم في اليونانية σπείρα ويقابلها في اللاتينية Menipulus وتعني الأورطة، وتعدادهم حوالي 200 جُندي ] ومعهم القائد [ وهو في اليونانية χιλίαρχος وهي تعني رئيس ألف، وهي رتبة كبيرة في الجيش الروماني ] ومعهم خدام اليهود [ من حراس الهيكل ] وبعضاً من الشيوخ ويصحبهم يهوذا الإسخريوطي، حاملين مشاعل ومصابيح وعُصي، وطبعاً لأنهم ذهبوا في الليل أخذوا معهم كم كبير من المشاعل والمصابيح كما هي العادة حينما يبحثون عن لص هارب لئلا يكون هرب في الظلام ويختفي فيه لكي لا يراه أحد: [ ثم قال يسوع لرؤساء الكهنة وقواد جُند الهيكل والشيوخ المُقبلين عليه: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي ] (لوقا 22: 52)
وحينما اقتربوا من البستان، خرج يسوع لاستقبالهم، أي على باب جسثيماني، مما يتضح أنه كان بستاناً مُحاطاً بسور وله باب، [ فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه وقال لهم: من تطلبون !!
أجابوه : يسوع الناصري
قال لهم يسوع: أنا هو
وكان يهوذا مسلمه أيضاً واقفا معهم.
فلما قال لهم إني أنا هو رجعوا إلى الوراء و سقطوا على الأرض ] (يوحنا 18: 4 – 6) وسألهم مرة ثانية وسلم لهم نفسه شارطاً أن يتركوا التلاميذ، وتركه التلاميذ وهربوا غير أن بطرس ويوحنا تبعا يسوع إلى دار رئيس الكهنة ….

يا لعظم سلطانك أيها المسيح الرب، يهوه قوتي وخلاصي، فحينما نطقت باسمك العظيم [ أنا هو ] أعلنت سلطانك وإرادتك وحدك في تسليم ذاتك، فمن يحتمل قوة اسمك وإعلان ذاتك، فالكل سمع أنك أنت هو، فسقط الكل على وجهه، مُعرفاً إياهم أنه لن يمسكوك بإرادتهم ومشورتهم الضعيفة أمام عظمة مجدك أيها المسيح الرب الإله القدير، ولكنك سلمت لهم ذاتك بإرادتك وسلطانك وحدك لأجل خلاصي أنا الميت بالخطايا والذنوب، ومددت يدك المقدسة التي صنعت عجائب وسطهم لتفكني من رباطات خطيئتي وتخلع عني القيد الذي قيدت به نفسي ولم ينفك على مر الدهر إلا بتقييدك أيها البار القدوس وحدك ….

أنظروا يا إخوتي للبار القدوس الذي ارتضى أن يُقيد بقيد الخطية حاملاً جرم خليقته كلها لكي يفك المأسورين برباطات الخطية تحت حكم الموت العادل لأننا فعلنا كل شر، بل واخترعنا كل شر ونشرنا الفساد في الأرض كلها، فالقيد قيدي أنا وقيدك يا عزيزي قارئ هذه السطور، وهوذا الرب يقبل قيودنا بإرادته وسلطانه وحده ليحلنا من كل رباط
[ روح الرب علي لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية ] (لوقا 4: 18)، [ ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية ] (عبرانيين 2: 15) …

فنسبح اسم الرب يا إخوتي ونمجد اسمه لأنه صنع رحمه مع نفوسنا
وأعطى كل من يؤمن به العتق من العبودية بالحرية التي حررنا بها
فناموس روح الحياة في المسيح يسوع اعتقنا من ناموس الخطية والموت

+ مراحل محاكمة الرب يسوع، وهما ستة مراحل على جزأين

أولاً: مراحل المحاكمة الدينية بواسطة اليهود، وهما ثلاثة مراحل كالتالي
المرحلة الأولى: أمام حنان [ يوحنا18 : 12 – 14 ، 24 ]؛ وبعد الفحص أرسله إلى قيافا .
المرحلة الثانية: أمام قيافا [ متى26: 57 – 68 ] وحكم عليه انه مستوجب الموت لأنه جدف.
المرحلة الثالثة : أمام السنهدرين [ متى 27: 1 – 2 ] والحكم أنه مستوجب الموت ويُرسل إلى بيلاطس .

ثانياً : مراحل المحاكمة المدنية بواسطة الرومان وهما ثلاثة مراحل أيضاً كالتالي :
المرحلة الأولى: أمام بيلاطس [ يوحنا18: 28 – 38 ] والحكم بأنه غير مُذنب.
المرحلة الثانية: أمام هيرودس [ لوقا23: 6 – 12 ] والحكم بأنه غير مذنب.
المرحلة الثالثة: أمام بيلاطس مرة أخرى [ يوحنا18: 39 إلى يوحنا 19: 16 ] وحُكم عليه غير مذنب، ولكنه سلمه لليهود ليُصلب خضوعاً لرغبتهم وخوفاً من أن يشتكوه لقيصر، إذ أوقعوه بحيلة لا يستطع أن يهرب منها قط، وهو قولهم ليس لنا ملك إلا قيصر .

+++ أحداث محاكمة الرب يسوع وقوانين المحاكمات اليهودية وبعض الملاحظات الهامة +++

قبل أن نتحدث عن محاكمة الرب بإيجاز، نذكر أولاً من واقع كُتب المشناه، القوانين اليهودية التي كان معمولاً بها في ذلك العهد لنعرف مدى بعد الحكم على السيد الرب عن القوانين اليهودية المعمول بها في ذلك الزمان لأنهم حكموا بالموت سابقاً بسبب حقدهم وكبرياء قلوبهم، وقد جاءت هذه القوانين تحت رأس عنوان هو [ السَّنهدرين ] وهي كالآتي :
[1] القضايا الخاصة والمُخالفات الرئيسية، يصير الحُكم فيها بواسطة مجمع من ثلاثة وعشرين عضواً (الفصل الأول مقطع 4)
[2] القضايا الخاصة بمحاكم ادِّعاء النُّبوَّة – أي النُّبوَّة الكاذبة – يصدُر الحكم فيها على وجه الخصوص بحضور المجمع الكبير السَّنهدرين أو واحد وسبعين عضواً (الفصل الأول مقطع 5)
[3] بخصوص الشُّهود، يلزم أن يُفحصوا بدقة وعلى انفراد في جميع الأحوال، على أن اتفاق اثنين منهم يُعتبر كافياً وصحيحاً (الفصل الثالث مقطع 6؛ الفصل الخامس مقطع 1 وما بعده)
[4] في القضايا الرئيسية يُختبر اليهود اختباراً خاصاً من جهة دوافعهم التي أتت بهم للشهادة ويُحذَّروا من جهة هلاك النفس، على ألاَّ تُقبل شهادة عن طريق السَّماع المنقول (الفصل الرابع مقطع 5)
[5] يجلس القضاء على شكل نصف دائرة، على أن يجلس الرئيس في الوسط حتى يواجه الكل بعضهم بعضاً وجهاً لوجه (الفصل الرابع مقطع 3)
[6] في القضايا الرئيسية يُرتب كل شيء حتى يُعطى للمتهم حق الاستفادة من جنوح القضية نحو الشك، وحينئذٍ تؤخذ أصوات المُبرَّئين أولاً (الفصل الرابع مقطع 1)
[7] في القضايا المدنية يُمكن أن تستمر المحاكمة ويُفرغ منها في الليل، على أن التقرير يُمكن أن يخرج في نفس يوم فحص القضية.
[8] في القضايا الرئيسية تصير المحاكمة فقط في النهار، بينما الحُكم بالبراءة يُمكن أن يُنطق به في يوم القضية نفسه. ولكن النُّطق بالاتهام والإدانة لا يُنطق به إلاَّ في اليوم الثاني للقضية. على أنَّ مثل هذه القضايا لا يجوز فحصها مساء السبت ولا في عيد (الفصل الرابع مقطع 1؛ الفصل الخامس مقطع 5)
[9] في حالة الاتهام يلزم أن يُمنح المتهم أربع أو خمس مرات حسب مقتضيات الحاجة ليأتي بحجج والتماسات جديدة (الفصل السادس مقطع 1)
[10] يتقدم المُدان مُنادٍ ويقول بصوتٍ عال: إن فلان الفلاني ابن فلان الفلاني، ذاهب للرجم بسبب كذا وكذا من السيئات، والشهود عليه هما فلان وفلان، وكل من يستطيع أن يُدلي ببيانات تُثبت براءته فليتقدم ويُعطي الأسباب (الفصل السادس مقطع 1)
[11] في ختام الاتهام والإدانة يُستحث المتهم أن “يعترف” حتى لا يهلك فيما بعد (الفصل السادس مقطع 2)
[12] في خطايا التجديف يُفحص الشهود فحصاً شديداً فيما يخُص اللُّغة التي استخدمها المتهم، فإذا ثبت صحة شهادة الشهود ثبوتاً قاطعاً، يقف القُضاة ويشقون ثوبهم (الفصل السابع مقطع 5) [ ويقول العلامة أدرزهايم اليهودي المتنصر: إن رئيس الكهنة إزاء التجديف يقف علناً ويشق ثوبه الخارجي وثوبه الداخلي شقاً لا يُمكن إصلاحه ]
[13] المُجدَّف يُرجم (الفصل السابع مقطع 4)
[14] بعد رجم المُجدَّف يُعلق على المشنقة (الفصل السادس المقطع 4)، وينزل عنها في المساء ليُدفن في مقبرة عامة تُعدُّ خصيصاً لهذا الغرض (الفصل السادس المقطع 5 )

يوم الجمعة العظيمة من البصخة المقدسة، يوم المصالحة والخلاص ودينونة الخطية وإعلان براءة الإنسان

+ إصدار الحكم على يسوع
كان القانون اليهودي – بحسب التلمود أيضاً – يحظر إصدار حُكم بالموت أثناء الليل. وهكذا عُقد السنهدرين بكامل هيئته في الصباح ليوافقوا على حُكم الليل وذلك لمجرد استيفاء الشكليات القانونية وكأنه حكم صادر في الصباح، ولكن ظلَّ القرار الذي أخذوه بالإجماع في الصباح مُخالفاً لنصّ القانون اليهودي، وهو أن حكماً بالموت لا يصدُر في يوم المحاكمة، إذ لا بُدَّ أن يؤجل إلى يومٍ آخر غير يوم المحاكمة ذاته والتي لا ينبغي أصلاً أن تتم أثناء الليل ولا يكون فيها أي ملامح لحكم مُسبق. وهكذا شهد القضاء اليهودي على نفسه في هذه المحاكمة بالفساد الظاهر …

+ ملاحظــــــــــات هامــــــــــة +

أولاً: بالنسبة لحنان Ananos وبالعبرية حنانيا. وحسب شهادة المؤرخ اليهودي يوسيفوس (آثار اليهود 18: 2 ر1) قد أقامه القُنصل الروماني Quirinius (كيرينيوس) سنة 6 ميلادية، وعزله القُنصل الروماني Valerius Gratus (فاليريوس) في سنة 15 ميلادية. وكان رئيس الكهنة يُعزل ومع ذلك كان يحتفظ باللقب وبكل الامتيازات التي يتمتع بها رئيس الكهنة، وبالرغم من أن عزل رئيس الكهنة كان لا يتفق مع الناموس [حسب التقليد اليهودي] (الحروب اليهودية يوسيفوس 2: 12 و6).

ثانياً: بالنسبة لقيافا وباليونانية Kaiaphas وهو رئيس السنهدرين الفعلي وهو المُعين من قِبَل الرومان كرئيس للكهنة عوضاً عن حنان.

ثالثاً: بالنسبة للسنهدرين، بحسب شهادة الكتاب اليهودي [ المشنا ] كان مقرّ السنهدرين الرئيسي في الرواق الجنوبي من الهيكل (مشنا 5: 4) ولكنه نُقِلَ إلى مكان السوق بعد خراب الهيكل الثاني وفي هذا المكان حوكم يسوع، ومن المعروف أن مجلس السنهدرين قد توقف عن إصدار قرارات رسمية بالإعدام أربعين سنة قبل هدم الهيكل بأورشليم، لذلك لا نعثر على قرار واضح أُجري عليه التصويت ولا كانت الإجراءات قانونية. كذلك لم يكن لمجلس السنهدرين سلطة قضائية للمحاكمة أو لإصدار القرارات بعد دخول الرومان أورشليم، لأنهم نزعوا هذه السلطة من اليهود وأفرغوا هذا المجلس من سلطته القضائية: [ لا يجوز لنا أن نقتل أحد ] (يوحنا18: 31)، وكل ما عملوه – بالنسبة للمسيح الرب – أنهم قد وصلوا إلى قرار موحَّد يستطيعون تقديمه لبيلاطُس ليحكم هو بمقتضاه. فالمسالة كانت مجرد اجتهاد وتدبير، وقد استخدموا كافة وسائط الغش وشهادة الزور وتلفيق التهم، واستخدام رفع الصوت بالصراخ العالي ثم الإرهاب والتهديد بالذهاب إلى قيصر، حتى نالوا ما أرادوا من حكم، وبالطبع كان من السهل على بيلاطس بسبب طبيعة رؤيته النافذة أن يكتشف العوامل النفسية وراء حركاتهم وصراخهم المفتعل ضد المسيح الرب [ لأنه عرف أن رؤساء الكهنة كانوا قد أسلموه حسداً ] ( مرقس15: 10)، كما اكتشف عدم وجود أدلة أو شهود حق لإقامة هذه القضية برمتها، فحوَّلها لهيرودس باعتباره كان والياً على الجليل .

رابعاً: بالنسبة لصياح الديك، ومن المعروف أنه حسب القانون اليهودي في المشنا، يُمنع وجود الطيور في أورشليم (مشنا 7: 7) ولذلك ذهب بعض العُلماء إلى أن الديك الذي صاح لم يكن ديكاً حقيقياً بل صوت النفير الذي يُعلن نهاية الفترة الثالثة من الليل والتي تبدأ من منتصف الليل حتى الثالثة صباحاً، وكان صوت النفير يُسمى [ صياح الديك ]. ولكن من المؤكد أن صياح الديك يُسمع في أورشليم من القُرى المجاورة. وقد سجل العالم الكاثوليكي Lagrange هذه الظاهرة وقال أن صوت الديكة يُسمع بكل وضوح في كل أنحاء فلسطين ابتداء من بعد منتصف الليل، حتى في الأماكن التي لا يوجد فيها ديكة بالمرة، وذلك نظراً لتقارب المسافات بين القُرى والمُدن.

خامساً: بالنسبة لدار الولاية والصباح الباكر [ ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية وكان الصباح الباكر ] ودار الولاية باليونانية Praetorium وهي ذات الكلمة في اللاتينية ومكانها هي قلعة أنطونيا Antonia على التل الشرقي شمال الهيكل. وقد عُثر في سنة 1870م على المكان الذي وُصِفَ بأنه رصيف الحجارة Lithostrostos وهو الرصيف الذي يتبع البيت، وهو مكان مستدير مرتفع يقع بين قلعة أنطونيا وبين الهيكل كما قلنا …
والصباح الباكر أو بداية اليوم وهي في الأصل تأتي Proi وتعني الفترة من 3 – 6 صباحاً وهو آخر فترات الليل الأربع حسب التقويم الروماني، إذ أنهم يقسمون الليل لأربعة هُزع، وهذا هو الهزيع الرابع .

سادساً: بالنسبة لبيلاطس البُنطي، Pilatos وقد أشار إليه المؤرخ اليهودي يوسيفوس (آثار اليهود 18: 2 و2) وقد حكم اليهودية من 26 – 36 ميلادية، والاسم الدقيق له هو بنتيوس بيلاط Pontius Pilate وقد عُثر على حجر في قيصرية فلسطين يحمل هذا النقش باللاتينية لقب بيلاطس الرسمي وهو Praefectus Iudaeoe أي قُنصُل اليهودية. وقد ذكر الفيلسوف اليهودي السكندري فيلون أن بيلاطس كان مُتغطرس وإنساناً لا يُمكن أن يُضبط، ويبغض العوائد اليهودية المتعصبة المتحيزة، وقد اشتبك كثيراً مع اليهود فأظهر طباعاً شرسة، وله نوبات من الغضب واتصف بأنه بلا أخلاق، ونسب إليه السرقة والقتل وأنه رجل في منتهى القسوة الشديدة، إذ أحياناً يحكم بالإعدام بدون مُحاكمة وبدون اتهام، واشتهر عموماً بأنه بلا إنسانية، وكثيراً ما عصاه اليهود، فسفك دماء الكثيرين منهم إخماداً لفتنتهم، فأبغضوه بغضة شديدة، وشكوه عدة مرات لقيصر، وبالرغم كراهيته الشديدة لليهود، إلا أنه كان يخشاهم لئلا يشتكوه لقيصر، وكان معروفاً أيضاً للمؤرخ الروماني الوثني تاسيتوس، ومن المعروف عن بيلاطس رغم قسوته أن له سرعة البديهة واستشفاف الأمور واكتشاف لما وراء الكلمات ودقته في فحص القضايا ومعرفة نية الواقف أمامه بسرعة بديهة وإدراك سريع، وعموماً وبحسب المؤرخ يوسابيوس القيصري (260 – 340م) قال على بيلاطس أنه قد انتحر، ولكن التقليد الشرقي يقول بأنه صار مسيحياً هو وزوجته كلوديا بروكيولا. ويقول قاموس أكسفورد للكنيسة المسيحية: إنه صار شهيداً وقديساً وتُعيد لهُ الكنيسة الإثيوبية في الخامس والعشرين من يونيو من كل عام.

سابعاً : بالنسبة لكرسي القضاء [ فلما سمع بيلاطس هذا القول أخرج يسوع وجلس على كُرسي القضاء في الموضع الذي يُقال له “الرصيف” أما في العبرانية فيُقال له “جباثا ” ] وكرسي القضاء Bematos أي المكان المُخصص الذي تُعلن منه الأحكام ويُمارس فيه القاضي سلطته، وأما كلمة جباثا Gabbatha (أنظر الملاحظة الخامسة) وفي العبرية والآرامية الكلمة مشتقة من ” جبا ” Gbah أي المكان المرتفع. وقد أشار يوسيفوس إلى هذه البقعة في كتابه (الحروب اليهودية 5: 1 و 2 و 51).

ثامناً: بالنسبة لاستعداد الفصح والساعة السادسة [ وكان استعداد الفصح أي نحو الساعة السادسة ] Paraskeve وهو يوم الجمعة قبل السبت، ولا زال يوم الجمعة في المصادر المسيحية القديمة يُسمى Paraskeve لأنه استعداد للسبت، والسبت لا يوجد فيه صوم إطلاقاً (ولو أتى في الصيام الكبير لا يوجد فيه صوم انقطاعي) والساعة السادسة هي حرفياً Ekte أي منتصف النهار (12 ظهراً) وهذا الوقت هو الساعة الرسمية التي كان يُذبح فيها خروف الفصح، وهي ذات الساعة التي خرج فيها يسوع من أورشليم حاملاً الصليب لكي يُذبح وهو ما يؤكد الجانب اللاهوتي الذي بدأ القديس يوحنا المعمدان بالإشارة إليه في (يوحنا1: 29) عن [ حمل الله الذي يرفع أو يحمل خطايا العالم كله ] وهكذا تمت نبوة يوحنا المعمدان. وكان اليهود في تلك الساعة يصلون الصلوات الخاصة بملكوت الله، وبالطبع ملكوت الله بدأ بشكل آخر في الجلجثة وفي نفس ذات الوقت الذي يصلي في اليهود لأجل استعلان ملكوت الله !!!

تاسعاً : بالنسبة للموضع الذي يقال له الجلجثة أو الجمجمة أو الجُلجلة، وقد كتب القديس يوحنا في الإنجيل الكلمة باليونانية Kraniou ثم كتب الاسم العبراني “الجُلجُلة” وبالآرامية “الجُلجُثة” والفرق فقط في طريقة النطق. والعلامة أوريجانوس أو أوريجينوس هو أول من أشار إلى التقليد اليهودي المسيحي بأن جمجمة آدم كانت مدفونة في هذا المكان (العلامة أوريجانوس في تفسير متى27: 33). وقد أكد هذا أيضاً القديس باسيليوس الكبير في شرحه لإشعياء (1: 14 – 30)، وقد حاولت بعض التفسيرات الحديثة أن تقول أن الصخرة كانت تُشبه الجُمجمة، ولكن لا يوجد ما يؤكد هذا التفسير جغرافياً. وعلى الرغم من أنه شائع في الكتابات العبرانية بل والعبرية أن يُسمى أعلا التلّ أو الجبل بـ “رأس” الجبل، إلاَّ أن استخدام كلمة “رأس” ليس مثل استخدام كلمة “جُمجمة”، وعلى أي حال فالقاعدة اللاهوتية والرئيسية في العهد الجديد لاسيما إنجيل يوحنا هو أن المسيح الرب هو “آدم الثاني” ولا يُمكن فهم الإشارة التاريخية وإشارة القديس يوحنا إلى مكان صلب المسيح الرب إلا على أساس أنهُ يُقدم لنا “الفادي” الذي هو آدم الثاني والأخير الذي منه النسل الجديد المولود من فوق حسب مسرة الله في المحبوب يسوع مخلصنا الصالح.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى