عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 2 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: عودة الابن وقبلة المحبة الأبوية سرّ السقوط واليقظة ورحلة العودة (لوقا 15)

كُتب : [ 10-07-2018 - 10:56 AM ]


(1) تمهيــــــــــد
الإنجيل – في واقعه الاختباري – يخص حياتنا على نحو شخصي،
فكل ما فيه من مواقف وأمثال تكلم بها شخص ربنا يسوع هي لنا نحن (بالدرجة الأولى) الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، فكل من لا يدخل لسرّ الإنجيل ليصير محور حياته الخاصة والنبع الصافي الذي يرتوي منه، فأنه يظل فقيراً معوزاً معزولاً في عالمه الخاص مبتعداً بعيداً عن الله، يعاني من الجوع والعطش والعُري، يعوزه مجد الله الحي ليكسي عورته، فبدون الإنجيل – بشارة الحياة الجديدة في المسيح – ليس لنا رجاء، إذ نتعرى من النعمة ونموت في خطايانا يومياً، ويصير قبنا صلداً كقطعة حديد أعتلاها الصدأ، ولن تدخل حياة الله فينا، لأن كل إنسان لا يأكل ولا يشرب فأنه – طبيعياً وبالضرورة – يبدأ يدخل في حالة من الضعف والوهن فلا يقوى جسده على مقاومة أبسط الأمراض، إذ تدخل إليه بسهولة وتقتحم كل أعضاءه وتعمل فيه للموت، لذلك مكتوب: أيها العطاش جميعاً هلموا إلى المياه، والذي ليس له فضة، تعالوا اشتروا وكلوا، هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمراً ولبناً (إشعياء 55: 1)
فانتبهوا أرجوكم لإنجيل الخلاص وشفاء النفس،
لأن فيه كنز عظيم مخفي عن نظر العقل والفكر الإنساني الطبيعي التي تُحيط به الظلمة من كل جانب، فهو يحتاج استنارة بنور المسيح الذي يُعلي النفس ويُنير العينين، يمنح الشفاء والحياة والبركة، الرب يُعطي حكمة، من فمه المعرفة والفهم (سيراخ 34: 20؛ أمثال 2: 6)، لأن التفكير الدماغي الإنساني المنحصر في الفلسفة وشهوة المعرفة الإنسانية لإشباع الفكر، لا يستطيع من ذاته أن يرتقي لما هو أعلى منه، لأن العالم السماوي يحتاج عقل مملوء بالنور الإلهي ليستطيع أن ينفتح وينظر الله بلا عائق أو مانع، لأنه من المستحيل أن يُعاين أحد النور السماوي إلا بالنور السماوي ذاته، لذلك الرب بنفسه فتح ذهن التلاميذ ليفهموا الكتب[1]، ونفس ذات الانفتاح عينه، هو من يُعطيه بنفسه لكل من يسأل ويطلب ليرتقي ويرتفع للعلو الروحاني الذي لله الحي.
لذلك قبل أن نخوض في الشرح والتفسير للبنيان،
علينا أن نرفع قلبنا معاً لكي نطلب تلك الاستنارة بالروح القدس حتى نستطيع أن نتعلَّم، أي نتشكل ونتغير، لكي نحيا ونسلك وفق إنجيل شخص المسيح يسوع، الذي ليس لنا بدونه حياة حقيقية، لأننا أن لم نحصل على حياته فينا فلن تنفعنا معرفتنا مهما ما بلغنا من وعي وحصلنا على دراسات عميقه متخصصه، لأن شخص ربنا يسوع لم يأتي في ملء الزمان لكي يجعل الناس عُلماء، أو حاصلين على درجة الماجستير أو الدكتوراه في الإنجيل أو اللاهوت، ويدرسوا حياته الشخصية في الجسد ليحصلوا على شهادات فخرية ويصيروا مدرسين ويفتتحوا جامعات ومعاهد روحية ولاهوتية، أو يصيروا خُدام يقفون على منابر الوعظ ليصيروا أساتذة لهم كرامة المعلمين الذين ينالون مدحاً من الناس، بل أتى في ملء الزمان بتواضع ووداعة لا ليُخدم من أحد[2]، بل ليخدم خدمة الخلاص لكي يُخلِّص ما قد هلك[3]، ليُعطي حياة أبدية لمن يؤمن به[4] ويطلبه بكل قلبه[5].
وفي هذا الموضوع الذي يخص حياتنا بالدرجة الأولى،
أُريد أن نسير معاً، بخطوات هادئة ثابتة، بصورة عميقة واقعية – من جهة الخبرة – في رحلة الابن الذي ترك بيته بإرادته، وعن سبق إصرار سعى أن يخرج من بيت أبيه، فتغرَّب وصار نزيلاً في كورة بعيدة، ثم رَجع إلى مكانته الأولى بعد أن ذاق المُرّ بالمزلة وفقد كل ما كان لهُ، وأخيراً عاد إلى نفسه، أي أنه سار في الطريق الصحيح بعد تعليم قاسي، وعاد إلى بيت أبيه الذي هو بيته ومكانه الأصلي الطبيعي.
فهذا المثل مُميز جداً، لأنه لا يخص الغرباء عن الله،
التائهين بدون وعي منهم أو إرادة، غير عالمين أين الطريق، لأنهم منذ البداية لم يحيوا كأبناء في بيت أبيهم، بل هما أساساً غرباء عنه، ولدوا في أرض بعيدة، لكنه مثل يخص الإنسان الذي تربى وسط أسرته ثم – بإرادته واختياره وحده – ارتد عنهم وفارقهم بإصرار وعِناد، برغبة جامحة تمسك بها بكل قوته.
لأننا لو ركزنا في هذا المثل العميق،
سنجد أن صفة الإنسان الذي يتكلم عنه هنا، أنه في الأساس كان يحيا طبيعياً في بيت أبيه كابن، لأنه لم يكن فيه عبداً أو نزيلاً يُقيم في فندق لفترة ما، ولا كان لقيطاً وجد في شوارع المدينة وتحنن عليه سيداً عظيماً واعتبره ابناً لهُ، بل كان – في الأساس – من أهل البيت فعلياً، وطبيعة حياته أنه ابناً شرعياً خاصاً لأبيه، وكل ما لأبيه هوَّ لهُ، لذلك كان يتمتع بكمال حياة البنوة المُميزة، يحيا في جو حرية الأبناء في بيت أبيهم وسط أسرتهم، لأن البنوة هي رتبته الخاصة، فهو مولود في هذا البيت، لذلك فأن معنى تركه البيت ليتغرب في مكان آخر = السقوط من رتبته الأولى، وتخليه عن مكانته الطبيعية المُميزة، وذلك باختياره الحُرّ ليكون في مكان آخر غريب عن طبيعة أصله الكريم وأخلاقه التي تربى عليها، فعاش في مكانة أُخرى صارت في عينيه رتبة عظيمة، إذ أراد أن يُحقق رغباته الشخصية ولذته المؤقتة، فقد صار سيداً لنفسه منفصلاً عن أبيه الصالح، حُراً في التصرف بأمواله، يستثمره كما شاء حسب رؤيته الخاصة لإسعاد نفسه ليكتمل فرحه الذي أدخله في حالة من التعاسة والمشقة ومرارة النفس.
ولو دققنا في هذا المثل بالروح ونظرنا إليه عميقاً،
سنجده يُظهر لنا محبة الله الكاملة في عمل المسيح الخلاصي الظاهر في غفران الخطايا، لأنه هنا يُظهر أنه يغفر لا الخطايا السهو فقط كما كان في العهد القديم ليؤدب البشرية لتستفيق ولا تحيا باستهانة واستهتار، بل أنه يغفر العمد أيضاً، وذلك لأن دم الكفارة هنا، ليس دم تيوس وعجول لا يقدر على رفع شكاية الضمير، بل هو دم حمل الله رافع خطية العالم، الذي يبحث عن الضال فيجده، وينتظر الابن الذي تركه ليعود إليه، لذلك علينا أن نُركز بقلب يقظ ونقرأ بتأني وتدقيق الآيات التالية ونتحسس موضعنا فيها:
+ هل مسرة أُسر بموت الشرير يقول السيد الرب إلا برجوعه عن طرقه فيحيا؛ فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي وفعل حقاً وعدلاً فحياة يحيا لا يموت. (حزقيال 18: 23، 21)
+ في الغد نظر يوحنا يسوع مُقبلاً إليه فقال: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم"؛ الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله؛ (فأن) سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية؛ أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم؛ وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً؛ (فالآن) في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح؛ الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي؛ عالمين انكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء، بل بدمٍ كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح. (يوحنا 1: 29؛ رومية 3: 25؛ 1يوحنا 1: 7، 9؛ 2يوحنا 2: 2؛ أفسس 2: 13؛ عبرانيين 9: 14؛ 1بطرس 1: 18، 19)
+ فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقاً كرسه لنا حديثا حياً بالحجاب أي جسده. وكاهن عظيم على بيت الله. لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماء نقي. لنتمسك بإقرار الرجاء راسخاً لأن الذي وعد هو أمين؛ أمين هو الله الذي به دعيتم إلى شركة ابنه يسوع المسيح ربنا. (عبرانيين 10: 19 – 23؛ 1كورنثوس 1: 9)
_______________________
[1] حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ (لوقا 24: 45)
[2] لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ (مرقس 10: 45)
[3] لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ (لوقا 19: 10)
[4] الحق، الحق، أقول لكم: من يؤمن بي فله حياة ابدية (يوحنا 6: 47)
[5] وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ (إرميا 29: 13)

رد مع إقتباس