عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 4 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:11 AM ]


ثانياً: أصل وطبيعة الذبيحة ونظرية تقدمها
========================
إن أصل نشأة تقديم الذبائح أمر تحوطه الأسرار وكثير من الغموض، وذلك لأنه يرجع إلى عصور ما قبل التدوين التاريخي وقد عُرفت عن طريق بعض الرسوم التي وُجِدت في كهوف الجبال وغيرها من الآثار التي تدل على حياة الإنسان البدائي. ويُسجل لنا سفر التكوين حقيقة تقديم الذبائح، ولكنه لا يذكر شيئاً عن كيفية بدايتها أو نشأتها على وجه التحديد وبالتفصيل. كما أننا نقرأ عنها في عصور الآباء، ثم نجد شريعة موسى تقرها وتُقننها بأمر إلهي منظم ومرتب.

وعموماً نجد أن تقديم الذبائح أمراً شائعاً عند كل الشعوب منذ أقدم العصور، وأنواع الذبائح التي عادةً تُقدَّم في جميع الحضارات القديمة، يا إما من الحيوانات أو البشر أو تقدمة من البقول أو العسل أو أي نوع من أنواع الطعام أو من الأشياء مثل حصاه أو عصا أو حربه... الخ.
وقد افترض علماء الثقافة وعلم الإنسان وعُلماء الاجتماع وأطباء علم النفس، ومؤرخو الديانات الكثير من النظريات المختلفة – بعيداً عن الكتاب المقدس – عن أصل وأهمية شيوع تقديم الذبائح بين كل الشعوب كظاهرة دينية والتي تتمثل معناها في الآتي:
[الهبة كشكر للإله – الوجبة أي كشركة مع الإله – التقديسالرضاالتكفير]

وتتلخص هذه النظريات والتحليلات في 6 نقاط كالتالي:
1- النظرية النفسية لتخفيض القلق من خلال تقديم ذبائح لأحد الآلهة.
2- النظرية السحرية والتي تقول بأن هلاك الذبيحة التي تم التضحية بها تتسبب في إطلاق قوة سحرية لصالح مقدم الذبيحة.
3- ويعتبر بعض العلماء أن تقديم الذبائح عموماً من ابتكار الإنسان [1] لتكوين علاقة مودة مع الإله أو لإكرامه أو لاسترضائه، أو لمشاركته الطعام للدخول في عهد معه.
4اعتقاد بعض العبادات بوجود روح الإله في حيوان ما، وإذ يأكل الإنسان (العابد لهذا الإله والمؤمن به) من الذبيحة فهو يأكل الإله ويكتسب في نفسه كل الصفات الجسمانية والعقلية والأدبية التي للإله الساكن في الذبيحة. وفي بعض الحالات كان العابد يشرب دم الذبيحة وبذلك – حسب اعتقاده الخاص – يمتص منها الحياة. كما كانوا في بعض الحالات ينهشون لحم الحيوان قبل أن يموت تماماً، أي وهو ما زال ينبض بالحياة، حتى يمتصوا روح الإله الذي يسكنه.
5- نظرية المنحة، وقد أطلقها تيلر Tyler سنة 1871 والتي يقول فيها إن الذبيحة منحة أو هبة مقدمة، فقد اختزل كافة القرابين والذبائح إلى الفكرة الآلية الخاصة بالتبادل أو الرشوة أو دفع الثمن بمعنى: [أُعطيك لكي تعطيني أيضاً مقابل ذلك].
وفلسفة هذه النظرية أتت من أن الذبيحة الحيوانية تعوزها السمة الأخلاقية، لذلك ليس لها – في الأساس – أي مغزى أخلاقي هام، ولم تكن تعبيراً عن العبادة الحقيقية بأي شكلٍ كان، بل كانت في جوهرها، عملية اقتصادية تجارية كتلك الموجودة بين البشر والمبنية على فكرة [خد وهات؛ اُعطيك فتُعطيني في المقابل، عطية أمام عطية متبادلة ومتساوية في القيمة]، فكل شيء له ثمن، وكل عطاء مُثمن بعطاء مقابل يساويه.
مع أن هذه النظرية لا تتفق – مثل سابقتها – مع ما جاء في تكوين الإصحاح الرابع، والذي يُعتبر أول ذكر لقربان الحبوب أو ثمار الأرض والذبيحة الحيوانية في تاريخ البشرية، طبقاً لما جاء في الكتاب المقدس. وعلى عكس هذه النظرية:
فيبدو أن قايين وهابيل قَدَما قربانهما إجلالاً واحتراماً لله كإله شخصي، وذلك لكي يكسبا رضاه، ومن الواضح أن الله في هذا الموقف لا يتأثر بالعطية أو مُعطيها على أساس رشوة أو شيء مقابل شيء، أو حتى مقابل رضاؤه كفعل مُقدَّم له من الخارج، فالله أظهر بوضوح شديد أنه ينظر أولاً للقلب والنية والضمير وليس للعطية في حد ذاتها مهما عظمت أو كبرت أو صغرت أو مهما ما كان سموها، فالله مهتم بالنواحي الأخلاقية الداخلية، وبالاستجابة لأقواله بالطاعة.

لذلك نلاحظ أن الله استجاب لشخص ولم يستجيب للآخر [ولكن إلى قايين وقربانه لم ينظر فاغتاظ قايين جداً وسقط وجهه] [2]، ويشرحها القديس يوحنا الرسول: [ليس كما كان قايين من الشرير وذبح أخاه، ولماذا ذبحه لأن أعماله كانت شريرة وأعمال أخيه بارة] [3]، ومن هنا نفهم أن الله لا يرتشي أو ينظر لقربان مُقدَّم إليه حتى لو كان تنفيذاً للوصية المقدسة، إن لم يكن مُقدَّم من الداخل أولاً، بقلب طاهر لا يحمل شراً أو ضغينة لأحدٍ ما، لذلك الرب بنفسه قال كلاماً نجد فيه إشارة بليغة لموضوع قايين وهابيل: [فأن قدمت قربانك إلى المذبح وهناك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك. فاترك هناك قربانك قدام المذبح واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك] [4]
6 – أما علماء الكتاب المقدس فيقولون إن تقديم الذبائح أمر وضعه الله للإنسان منذ البداية (مع أن ذلك غير مؤكد ولا يوجد أمر أو وصية محددة قبل شريعة موسى تأكد عليه)، ويبنون ذلك على أساس ما جاء في الإصحاح الرابع من سفر التكوين حيث نقرأ: [أن قايين قدم من أثمار الأرض قرباناً للرب، وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها. فنظر الرب إلى هابيل وقربانه. ولكن إلى قايين لم ينظر] [5]، وفي رسالة العبرانيين يقول: [بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين] [6]، وبناء على ما قاله الرسول فأننا نتيقن أنه من المستحيل أن يرفض الله عطية مقدمة من إنسان يتقيه ومن الداخل قلبه صالح يحترمه ويتقيه ويحبه، وكما نجد في سفر اللاويين أن الله لا يقبل فقط الذبائح الدموية بل هناك عطايا أخرى تُقبل من الإنسان كما سوف نرى فيما بعد، مما يُثبت ان الله لم ينظر لنوع التقدمة ذاتها كما يقول البعض حسب تأمله مبتعداً عن شرح الرسول وتفسيره لهذا الموقف، وعدم التأكيد – حسب ما عرفنا الله – على أنه ينظر بأي روح قُدمت العطية، وما هو نية الإنسان في قلبه من الداخل، لذلك فالشرح بناء على نوع التقدمة كان خاطئاً جداً وبعيد تمام البُعد عن قصد الله، بسبب النظر للموضوع من الخارج حسب الشكل وما ذُكر فيما بعد في سفر اللاويين، لذلك هذا التفسير لا نستطيع أن نقبل به على ضوء هذه الآيات:
+ [لا تُحرِّف القضاء، ولا تنظر إلى الوجوه، ولا تأخذ رشوة، لأن الرشوة تعمي أعين الحكماء وتعوِّج كلام الصديقين] [7]؛ [فقال الرب لصموئيل لا تنظر إلى منظره وطول قامته لأني قد رفضته لأنه ليس كما ينظر الإنسان، لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فأنه ينظر إلى القلب] [8]
ويقول فابر Faber: [حيث أن الإيمان هو الذي جعل الذبيحة مقبولة أمام الله، فلا بُدَّ أن هذا الإيمان كان على أساس وصية محددة من الله، أمر بها من قبل [9]، فبدون هذه الوصية الإلهية المحددة لضمان فاعلية الذبيحة، لا يكون ثمة معنى لإيمان هابيل. وبعبارة أخرى: لكي يكون للإيمان أساس ثابت وتوجه صحيح، لا بُدَّ أن يكون هذا الأساس بإعلان من الله يُعبَّر عن إرادة الله بكل دقة ووضوح]؛ بل ويذهب "فيربرن" Fairburn في كتابه "رموز الكتاب" إلى أبعد من ذلك فيؤكد على أن الجلود التي ألبسها الله لآدم وحواء ليستر عريهما، كانت جلود ذبائح قُدمت عنهم، وبالطبع لا يوجد ما يؤكد أو ينفي ذلك، وخاصة أن الجلود عادةً تأتي من ذبح حيوانٍ ما وسلخه، لكن طبعاً لا يوجد آية واحدة تقول أن الله أخذ من الحيوانات وذبح وسلخ وقدم ذبيحة كفارة لنفسه، فالنص غامض وغير واضح [وصنع עָשָׂהالرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد ע֖וֹרوألبسهما[10]] وخاصةً أن كلمة (صنع עָשָׂה) العبرية تأتي في هذا النص بمعنى (accomplish) للتعبير عن إحضار أو عَمِل أو اتمام (انجاز) الشيء بنجاح، مما أضفى على النص غموضاً ويصعب شرحه جداً، لأن من الصعب وضع تفسير دقيق أو شرح وافي عن كيف أو بأية طريقة صنع الله الأقمصة الجلدية، هل بالخلق أم من ذبح وسلخ حيوان فعلاً كما يقول البعض، ولو أن الله لا يمسك بيده سكين ويذبح ويسلخ، بل الإنسان، لذلك الكلام يعتبر مبالغ فيه من البعض ويحمل إسقاطات بشرية على الله العظيم القدوس الحي المترفع عن جميع الأعمال البشرية.
=====================
[1](حسب اعتقاده وإحساسه النفسي بسبب ما يواجه من صعوبات في الحياة ورؤية أشياء لا يقدر على تحليلها فيلجأ لفكرة استرضاء الإله)
[2] (تكوين 4: 5)
[3] (1يو 3: 12)
[4](متى 5: 23 – 24)
[5](تكوين 4: 3و4)
[6](عبرانيين 11: 4)
[7](تثنيه 16: 19)
[8](1صموئيل 16: 7)
[9](وطبعاً هذا الكلام غير مؤكد، حيث أنه لم يظهر أي وصية أو أمر إلهي بذلك)
[10] (تكوين 3: 21)

رد مع إقتباس