عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 22 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: دراسة تفصيلية في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس المقدمة العامة

كُتب : [ 05-30-2020 - 07:23 AM ]


ذبيحة الصليب في ضوء ذبائح العهد القديم
أولاً تمهيـــــــــــــــــــــ ـــــد

سنقوم في هذا الجزء بتوضيح عمل ذبيحة المسيح المُتميزة والمتفوقة بما لا يُقاس:
فينبغي لنا أن نعلم أنهُ لم يكن ممكناً بأي حال من الأحوال أن يوفي العهد القديم أو يُغطي ويوضح عمل ذبيحة المسيح يسوع بنوعٍ واحد من الذبائح، أو في طقس واحد من الطقوس المتعددة التي نراها فيه، وعلى الأخص في سفر اللاويين الذي اختص بهذه التفاصيل بكل دقة.
فذبيحة الصليب، ذبيحة فائقة مُميزة وفريدة جداً من نوعها وفي إمكانيتها، لأنها متسعة جداً، لأن الذبيح هو ابن الله القدوس الحي، فكيف ممكن أن يُحد في ذبيحة أو طقس مهما ما بلغ من دقة الشرح وشدة التفاصيل بكل طولها وعرضها واتساعها!!!

عموماً نرى في سفر اللاويين الإصحاح الخامس أنواع مختلفة كثيرة من الذبائح والتقدمات، كل منها يُعلن عن جانب أو جوانب معينة من جوانب الصليب ويشرحها بكل دقة، ومع هذا يُمكننا أن نقول بأن هذه الأنواع جميعها بطقوسها الطويلة والدقيقة والمتباينة، قد عجزت تماماً عن كشف كل أسرار الصليب لنا، مع أنها وضعت ملامح قوية لنغوص فيها وندخل في سرها العظيم.
وقد قدَّم لنا العهد القديم – بترتيب مُحكم وتنظيم إلهي فائق – رموزاً وتشبيهات وأحداث كثيرة مُكثفة جداُ عَبّر الأجيال، لعلها تدخل بنا إلى أعماق جديدة لهذا السر العظيم والفائق لمداركنا جداً، وهو سرّ الصليب.
ويقول القديس إفرام السرياني: [السرّ الذي كان الخلاص مزمعاً به (أي يدل عليه)، وهو هرق دم الإله المتجسد الذي هو وحده إنسان بلا عيب، بلا خطية، سبق بذلك عليه وأُشار إليه برموز وأمثال، حتى إذا جاء الخلاص الحقيقي بالذبيحة التي تقدر على خلاص الخطاة، يعلم كل من يؤمن أن إليها كانت الإشارة والرموز] [1]
عموماً الذبائح والتقدمات المذكورة في سفر اللاويين فهي كالتالي:
1 – ذبيحة المحرقة [إصحاح 1]
2 – تقدمة القربان [إصحاح 2]
3 – ذبيحة السلامة [إصحاح 3]
4 – ذبيحة الخطية [إصحاح 4، إصحاح 5: 1 – 13]
5 – ذبيحة الإثم [إصحاح 5: 14 إلى إصحاح 6: 7]
ولابد من أن ننتبه لبعض الأشياء أو نضع بعض الملاحظات، قبل أن ندخل في شرح تفصيلي لأنواع الذبيحة ونربطها بصليب ربنا يسوع لنفهم ونستوعب سرّ عمل الله الخلاصي المتسع جداً، أي نستوعب سرّ خلاصنا وندخل إليه لنعيشه ونحياه كخبرة واقعية في حياتنا الشخصية واليومية، لأنه ينبغي أن ننتبه لهذا الموضوع جيداً جداً، لأن حينما شرعت في كتابته لم أقصد قط أن أكتب معلومات لمحبي المعرفة بالشيء أو للدارسين، ولكني كتبت الترتيب الإلهي لإظهار قصد الله المُعلن في كلمته التي تُعلِّمنا طريق الخلاص لنسير فيه، لكي نبدأ السير الفعلي – على المستوى العملي المُعاش – في طريق خلاصنا بمعرفته بدقة حسب التعليم الإلهي الحي، وحينما نعرفه ونفهم قصد الله نبدأ السير فيه ونعي ما صنع ربنا يسوع لنا فنستفيد من ذبيحته ولا تكون لنا معلومة وفكره، إنما قوة حياة نحياها ونتعايش فيها كمسيحيين حقيقيين، فنفرح بالخلاص الثمين العظيم الذي صنعه لنا ليكون لنا شركة معه في حياة أبدية لا تزول، لأن كيف لأي شخص أن يسير في طريق وهو لا يعرف كيفية الوصول إليه، أو أنه رأى الطريق من بعيد وأُعجب به ولم يدخله أو يضع قدمه على أوله ليبدأ أن يدخل فيه ويسير لنهايته!!!
========================
ثانياً بعض الملاحظات الهامة لفهم الشرح عن الذبائح
[أ] - الذبيحة كهبة
أولاً لا بُد أن ندرك أن الذبيحة هي هبة لا رجعة فيها، وذلك لأنها تُذبح كما قلنا سابقاً [وهذا يتضح لمن قرأ الموضوع بدقة منذ بدايته]، فهي تُقدم لله بكمال الوعي والإدراك، بحرية واختيار، بكمال الإرادة الحرة، بمعنى أن حينما تُقدم الذبيحة فمقدمها له الحرية أن يقدم أو لا يُقدم، إنما بفرح محبة الله يُقدم – بحرية إرادته واختياره – ذبيحة صحيحة، كاملة بلا عيب، كهبة مستحيل أن يفكر أن يردها أو يتراجع عن تقديمها، بل يقدمها مرة واحدة لتُذبح فلا تُرد، وهي فيها إجلال وشكر مع طاعة واضحة، طاعة واعية جداً لمشيئة الله، تعي وتعرف وتدرك مسرته.
وهذه الهبة حينما تُقدَّم بهذا المعنى، تُنشئ مسرة خاصة، لذلك كانت ذبيحة المحرقة حينما تقدَّم تُذبح وتحرق بالتمام، فيستنشقها Inhale الله للرضا والمسرة [2]

وحينما نبحث عما يَسُرَّ الله، نجد أن كل سروره في سماع صوته أي الطاعة، لذلك تُعتبر أول ذبيحة تُقدم لله هي المحرقة، التي تدل على الطاعة الكاملة لله (كما سوف نرى في شرح ذبيحة المحرقة بكل تفاصيلها وبكل دقة): [بذبيحة وتقدمة لم تسر أذني فتحت، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب، حينئذ قلت هانذا جئت بدرج الكتاب مكتوب عني أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت وشريعتك في وسط أحشائي][3]

ولننتبه للكلام هنا بكل حرص ودقة شديدة، فآدم سقط بالعصيان، حينما خالف وصية الله ولم يستمع لصوت الرب الذي نبهه لطريق الموت، وطلب منه أن يختار الحياة، فلم يسمع آدم وخالف الوصية، وهكذا ظل الإنسان يعصى الله ولا يتمم مشيئته ولا إرادته، وإلى اليوم – رغم أننا في العهد الجديد – لا زال الإنسان لا يسمع صوت الله ويطيع وصاياه أو حتى على الأقل يعلن احتياجه الروحي إليه، ويطلب مشيئته، ويرجع للرب ويتوب توبة حقيقية: [ألستم تعلمون أن الذي تقدمون ذواتكم له عبيدا للطاعة، أنتم عبيد للذي تطيعونه: إما للخطية للموت أو للطاعة للبر] [4]

ولأن الإنسان أصبح غير قادر أن يُرضي الله لأن أذنه لم تُفتح بعد – بسبب قساوة القلب نتيجة العصيان الدائم – فلم يتعرَّف على صوت الله ولا مشيئته، لذلك لم يعد بقادر أن يقدم طاعة؛ لذلك أتى رب المجد يسوع لابساً جسم بشريتنا ليُعطي لنا قوة الطاعة بتقديم ذاته ذبيحة محرقة، فتنسم أبوه الصالح عند المساء [وقت صلبه وموته] رائحة سرور ورضا: [لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة هكذا أيضاً بإطاعة الواحد سيجعل الكثيرون أبراراً] [5]

ومن هنا نقدر أن نفهم كل كلام الرب يسوع الذي قاله – وتعثر فيه الكثيرين – في جثسيماني، وعن أنه ينبغي أن يتمم مشيئة الآب ويتمم عمله حسب التدبير، وأن يشرب الكأس بالتمام، وبخاصة الكلام الذي يظنه الناس أنه كان صراعاً مع الآب في قبول الكأس أو رفضها، مع أنه يكشف حال البشرية ويفضح قلبها العنيد في عدم طاعتها لله، ويُظهر طاعته الكاملة لمشيئة الآب وتتميم عمله بوضوح بالرغم من التكلفة، وذلك ليكون ظاهراً لنا، ويكون هذا هو لسان حالنا فيه، حينما نستفيد من ذبيحته وندخل في سرّ تجسده باتحادنا به كما وهب لنا فيه وأعطانا، فتُقبل تقدمة أنفسنا فيه وتظهر طاعتنا به لمشيئة الآب، فنصير فيه رائحة مسرة في ذبيحته الخاصة لأجلنا (كما سوف نرى بأكثر دقة ووضوح في شرح ذبيحة المحرقة)
========================
[ب] ترتيب الذبائح وارتباطها معاً
جاء ترتيب الذبائح والتقدمات عجيباً ودقيقاً جداً مبهراً في ترتيبه، فقد بدأ بذبيحة المحرقة، وانتهى بذبيحة الإثم، الأمر اللائق من جهة نظرة الآب للذبيحة، وليس من جهة نظرة الإنسان.

فالمؤمن الحقيقي في لقاءه مع المسيح المصلوب، يراه أولاً كذبيحة أثم وذبيحة خطية، إذ يرى فيه: أنه كلمة الله المتجسد الذي حمل أوجاعه الداخلية ودان الخطية في الجسد وأفرغها من سلطانها، ليطهره ويغسل ضميره ويخلقه – في نفسه – خليقة جديدة ليس للخطية سلطاناً عليها بالموت، ليقدر على أن يدخل (بالتقديس) في شركة مع الله المُحب الذي رُفض وطُرح من أمامه وأصبح خارج محضره بسبب خطاياه التي طعنته بأوجاع الموت ففصلته عن نبع الحب والحياة، وصار له شدة وضيق واحتمال كأس غضب قد امتلأ بسبب آثامه وتعديه على وصية المُحب الذي وهبه الحياة: [شدة وضيق على كل نفس إنسان يفعل الشر اليهودي أولاً ثم اليوناني] [6]

ومن خلال هذه النظرة – أي رؤية الصليب الذي فيه غُطيت كل آثامه وخطاياه – يتلمس في الصليب ذبيحة سلامة وشكر، وذلك عوض طبيعته الجاحدة التي صارت بسبب السقوط وحب الشهوة والانحصار في الذات تحت سلطان الموت محفوظة ليوم استعلان الدينونة.
كما يرى أيضاً (في الصليب) تقدمة قربان فيه ينعم بحياة الشركة في المسيح يسوع المصلوب، وأخيراً يدرك الصليب كذبيحة محرقة، إذ يكتشف فيه طاعة الابن الوحيد للآب حتى الموت، موت الصليب، فيقدم حياته في المسيح يسوع المصلوب ذبيحة في طاعة الإيمان، طاعة حب كاملة (غير مشروطة) بحياة كلها شكر لله الحي بابنه الوحيد في الروح القدس.

وهذا هو ترتيب الذبائح والتقدمات من خلال انتفاعنا كمؤمنين، فنراه أولاً من جهة ذبيحة الخطية والإثم، ثم ذبيحة سلامة وتقدمة قربان وذبيحة محرقة؛ أما الآب فيتطلع إلى الصليب – أن صح التعبير – أولاً: كمحرقة طاعة، يتنسم (breathe) فيه رائحة ابنه الحبيب كرائحة مسرة للراحة (שַׁבָּת - سبت)، إذ قد صار محرقة حب كامل في طاعة منقطعة النظير حتى الموت [وإذ وجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع ὑπήκοος [صفة تعني: مُطيع – خاضع باستمرار حتى الموت موت الصليب] [7]، وينتهي بالنظر إليه كحامل لخطايانا وآثامنا، ليعبر بنا إلى الآب ويرفع عنا كل شدة وضيق وإحساس الغضب من جزاء خطايانا التي صارت فاصل بيننا وبين الله: [بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع [8]& خطاياكم منعت الخير عنكم] [9]


بالطبع، ليس معنى الكلام أننا نُميز بين جانب أو آخر في نظر الله الآب للصليب، أو حتى للمؤمنين، أنها في واقعها الإلهي هي جوانب متكاملة غير منفصلة عن بعضها البعض بأي حال من الأحوال، لأن ربنا يسوع قدم ذاته ذبيحة واحدة غير منقسمة ولا منفصلة بأي شكل من الأشكال، ولكن كل ما نريد أن نوضحه هو أن الصليب يُعلن – في نظر الآب – بأكثر بهاء، لا في انتزاع آثامنا وخطايانا، بقدر ما نحمل في أنفسنا طبيعة المصلوب نفسه، فنصير فيه محرقة طاعة وحب، نصير لهيب نار لا ينقطع، بحملنا ما للابن من طاعة حتى الموت، بحب بلا نهاية أي بالتعبير الإنجيلي الصحيح أن [نلبس المسيح ونوجد فيه]، لذلك يقول الرسول: [فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً، الذي إذ كان في صورة الله (أي الصورة الظاهرة التي تكشف وتستعلن الله في كماله، أو كيان الله نفسه) لم يحسب خُلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه (أفرغ نفسه من مجده، تجرد من مجده البهي) آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس، وإذ وُجِدَ في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع (صار يطيع) حتى الموت، موت الصليب (كذبيحة محرقة للطاعة)] [10]

عموماً وباختصار شديد يُمكننا أن نقول بأن الله الآب يستنشق رائحة المسيح فينا خلال الصليب هكذا:
· 1 – محرقة الحب الكامل والطاعة له في ابنه الحبيب (ذبيحة محرقة)
· 2 – شركة الحياة معه في ابنه الوحيد μονογενής (تقدمة القربان)
· 3 – حياة السلام الداخلي والشكر الدائم ευχαριστία (ذبيحة السلامة)
· 4 – التمتع بالغسل المستمر من خطايانا العامة والخاصة (ذبيحة الخطية)
· 5 – الخلاص من كل إثم نرتكبه في المقدسات أو ما يخص الله (ذبيحة الإثم)
===================================

[1] (عن تفسير سفر الأحبار (اللاويين) منسوب إلى القديس إفرام السرياني في المخطوطين: الماروني 112 في مكتبة أكسفورد، والسرياني اليعقوبي 7/1 في مكتبة الشرفة)
[2] (طبعاً لا يفهم أحد الكلام خطأ فالله ليس مثل الإنسان له أعضاء وأنف يستنشق ويتنفس به، ولكن هذا تعبير خاص بحرق الذبيحة التي تصعد للعلو فيراها الله أمامه صالحة جداً ومرضية لأنها تُعبِّر عن الهبة الكاملة في طاعة المحبة لذلك فتعبير يشم أو يستنشق هو تعبير يدل على الرضا والمسرة)
[3] (مزمور 40: 6 – 8)
[4] (رومية 6: 16)
[5] (رومية 5: 19)
[6] (رومية 2: 9)
[7] (فيلبي 2: 8)
[8] (إشعياء 59: 2)
[9] (إرميا 5: 25)
[10] (فيلبي 2: 5 – 8)

رد مع إقتباس