الروح يشهــــــــــــــــــــد
من مقالات قصيرة للقمص متى المسكين
نُشرت في مجلة مرقس مابين عامي 1967 – 1970
" احتملتهم سنين كثيرة وأشهدت عليهم بروحك عن يد أنبيائك " ( نح9: 3 )
يا لصبر الله ! ويا لاحتمال الله ! لخطايانا الكثيرة واعوجاج سيرتنا .
يتأنى علينا برأفات كثيرة سنين كثيرة ، ويُرسل لنا كل صباح من ينبهنا أو يتنبأ لنا ، ولا يدعنا ننام إلا وينخس ضمائرنا ، بكتاب أو بكلمة عابرة.
كل ذلك برفق دون أن يجرح أو يفضح ، ودون أن يهدد ويتوعد ، بل كمجرد شاهد نصوح ، لعلنا نجعل لاستهتارنا حداً ؛ ونقوم ؛ فنلوم أنفسنا ، ونوقظ إرادتنا .
ولكننا لا نعبأ بلطف الله ولا نقيم وزناً لنُصح الروح لنا ، بل نسوَّف ونسوَّف ، ونتمادى حتى يتبدد خوف الله من قلبنا ، فينقطع رجاء الله فينا ، وحينئذ لا يعود روح الله يعمل بعد كمنبه أو مذكَّر ، بل ويكف عن الملامة والتأنيب ، ويقف منحصراً فينا شاهداً علينا ، بلا انقطاع ، حتى ليكاد أنينه يصم آذان قلبنا ، ولكن الخطيئة تبلد الإحساس وتخدر الضمير ؛ فيمر الصباح وليس معكَّر ، ويمر المساء ولا شيء يؤذي ، وتمر الأسابيع تفُّر ، كعربات القطار ، وتعبر السنة برمَّتها ، والضمير يستمرئ الانحلال والتعدي ، ولا يكاد يشعر بالخطية ، والخطية بدون الروح القدس يصبح تعاطيها سهلاً كالماء ...
ولكن واحسرتاه !
كل ذلك والروح القدس منقلب على النفس داخلها ن يسجل عليها درجة اعوجاجها أولاً بأول ، ويزن ثقل انجذابها لشهوات التراب ، ويقيس مسافة تباعدها عن الله مصدر خلاصها وحياتها . فإذا بلغت إلى الدرجة الحرجة ، وانحطت إلى المستوى الذي لا قيام منه ، وجمحت إلى الحد الذي لا عودة بعده ، يبدأ قضاء الله ...
ولكن يا روح الله ، أنا لا أزال أطلب وجهك ،
لا أزال أرتجي رحمتك ،
فلا تطوِ صفحة الحب هكذا سريعاً ،
لأنه لا يزال عندي كلام لك ،
وعندي توبة وندامة ،
وعندي دموع ،
وعندي صلاة وصلاة ، وأصوام ...
تأنى قليلاً ، ولا تختم عليَّ أيام الرفق واللطف والوداد ...
أنا لست كفواً لغضبك ،
ولا أحتمل أشهادك وموازينك وقلمك ...
أصرخ إليك لا تتعجل ، كن لي ضماناً عند نفسك
وإن انحنيت بالإثم وعلى الإثم نفسي ، فاستقمها بين أصابعك ...
وإن انحدرت حتى الهاوية ،
فيدك ترفعني إلى العلو ، إلى السماء ،
لأني لا أطيق سقوطي .
وإن تباعدتُ عنك بإرادتي فأين أهرب من روحك ؟
أجذبني ، فأعود سريعاً ، لأن بُعدي لا يشفيه إلا قُربك !!!