الموضوع: العطاء
عرض مشاركة واحدة
رقم المشاركة : ( 1 )
الصورة الرمزية اشرف وليم
اشرف وليم
ارثوذكسي ذهبي
اشرف وليم غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 104304
تاريخ التسجيل : Apr 2010
مكان الإقامة : الاسكندرية
عدد المشاركات : 7,428
عدد النقاط : 23
قوة التقييم : اشرف وليم is on a distinguished road
Heart العطاء

كُتب : [ 10-15-2012 - 07:41 PM ]


إن حياة الإنسان تقاس أو تقيّم، بمقدار ما يقدّمه من عطاء.
لذلك فكل يوم يمّر عليك، دون أن تعطى فيه شيئًا لغيرك، لا تحسب هذا اليوم من أيام حياتك...
ومن جهة العطاء، وضع سليمان الحكيم وصيتين ذهبيتين هما:
"لا تمنع الخير عن أهله، حين يكون في طاقة يدك أن تفعله"
"لا تقل لصاحبك اذهب وعُدْ غدًا فأعطيك، وموجود عندك"

الواجب اذن أن تعطى، ولا تؤجل العطاء إلى غدٍ.
العطاء
فإن أنعم الله عليك ببعض الخيرات، فلا تظن أنها كلها لك وحدك!
بل الله - فيما يعطيك - إنما يختبرك:
هل أنت بدورك سوف تعطى أيضًا؟
أم سوف تملكك الأنانية فتستأسر بكل شيء لذاتك دون غيرك!!
إن العطاء هو خروج من محبة الذات إلى محبة (الآخر).
والعطاء يحمل فضيلة البذل، وشيئًا من فضيلة التجرد، وبعدًا عن الجمع والتكويم.
العطاء
والذى يتصف بالعطاء، يدل على أن المال ليس هو الذي يملُكه، بل هو الذي يملُك المال وينفقه في خير الآخرين.
العطاء
والعطاء على درجات كثيرة:
أولها التدرب على العطاء، ثم النمو فيه.
+ تدرب أولًا على أن كل ما يصلك من خير، إعطِ منه للغير.
وثِق أن ما تعطيه منه، إنما يجعل البركة فيما تبقى، فيزداد...
وأيضًا ما تحصل عليه من محبة ودعاء ممن أعطيتهم يكون أكثر بمراحل من العطية ذاتها.
وتكسب بذلك أصدقاء يشفعون فيك أمام الله...
وهكذا يكون العطاء خيرًا للمُعطي، ولمن يتقبل العطية.
ومثال ذلك الأم التي تُعطي من لبنها لرضيعها:
يسعد هذا الابن برضاعته، وتستريح الأم أيضًا وتسعد.
وبنفس الوضع يسعد المُعطي حينما يرى فرح من يتقبل أيضًا عطاءه، فيفرح بفرحه.
إن الشجرة تنتعش حينما يرويها الفلاح.
كما ينتعش الفلاح بذلك ويفرح بانتعاش الشجرة...
العطاء
ويتقدم الإنسان في العطاء، فيصل إلى السخاء والكرم:
فيعطي بسخاء وليس بتقتير، ولا بحسابٍ دقيق!
ليس فقط ما يكفى بالكاد حاجة غيره، وإنما بالأكثر ما يفيض.
ويُعطي ليس فقط ما يطلبه الناس، وإنما ما يحتاجون إليه حتى دون أن يطلبوا.
كالأب الذي يعطى لإبنه ما يحتاجه، ولا ينتظر حتى يطلب...
وهكذا الله - تبارك اسمه - يعطينا دون أن نطلب، وفوق ما نطلب...
وهو بهذا يقدم لنا درسًا في العطاء وكيف يكون.
سواء كان ذلك بالنسبة إلى الأفراد، أو إلى المجتمع جملةً... إلى الذين يعرفون كيف يُعبّرون عن احتياجاتهم، والذين ليست لهم القدرة على ذلك أو الوسيلة...
العطاء
ويرتقي العطاء، فيصل إلى أن يُعطي الإنسان أفضل ما عنده:
ليس فقط الأشياء البالية أو المرفوضة منه.
فليس في هذا احترام للذي يأخذ.
إنما يُعطي الأشياء التي يتشرف بها الآخذ.
وإن كان المثل يقول
"إن الهدايا على قدر مُهديها"
فهل نقول أيضًا إن العطايا على قدر مُعطيها، مع احترام من تُعطىَ إليه...
العطاء
ومن النبل أيضًا:
العطاء من العوز، أي تُعطي ما أنت محتاج إليه!
وهنا ننبّه إلى أن فضيلة العطاء، ليست هي فقط للأغنياء القادرين الذين يفيض المال عنهم.
إنما يقوم بها أيضًا أهل الخير الذين يدفعون من أعوازهم، وبهذا يُفضّلون غيرهم على أنفسهم.
ولا شك أن هؤلاء الذين يعطون رغم عوزهم، يكونون عند الله أكثر أجرًا، كما يكونون عند الناس أكثر تقديرًا...
العطاء
والعطاء الحقيقي هو العطاء بفرح:
فلا يُعطي الإنسان نتيجة ضغط وإضطرار، أو وهو ساخط ومتذمر، أو خوفًا من إنتقاد الناس!!
فمن يفعل ذلك، إنما يُعطي من جيبه، وليس من قلبه، ولا ينال من الله أجرًا على ما يُعطيه...
أما الذي يُعطي عن حب وإشفاق، ويفرح للخير الذي يقدمه لغيره بعطائه، فهذا هو المقبول أمام الله والناس...
العطاء
قديمًا كان الناس يعطون ما يسمى بالبكور:
أي أوائل الأشياء.
فيُعطي الشخص أول نتاج زرعه أو غنمه.
كما يُعطي أول ثمار شجره. وهكذا يبارك الله كل ما له في حقله.
على أن الأمر الآن لم يعد قاصرًا على المجال الزراعي، بل إمتد إلى الوظائف والحرف.
وأصبحت فضيلة البكور لها إتجاه آخر:
فيُمكن للموظف أن يقدّم أول مرتب له وأول علاوة له لعمل الخير.
والمدرّس بالإضافة إلى المرتب يقدم ما يأخذه من أول درس خصوصي، وكذلك المحامي من أول أجر على قضية، والطبيب كذلك يدفع لأوجه الخير ما يصل إليه من أول كشف وأول عملية.. وهكذا الباقون...
وبهذا يبارك الله دخل كل هؤلاء، لأن أول إيراد لهم لم يكن لأنفسهم، بل كان عطاءً منهم لغيرهم...
العطاء
ومن صفات العطاء أن يكون بمداومة:
لأن هناك من يدفع مرة أو مرتين، ثم يسأم ويملّ، ويرفض اذا طُلبَ منه أكثر...
أما القلب الواسع فهو لا يملّ من طلبات المحتاجين، بل يُعطيهم مهما طلبوا، برضىّ مقدرًا لإعوازهم...
كذلك لا يكون العطاء بكل تحقيق وتدقيق:
ولا بإهانة الطالبين، ووصفهم بالكذب والاحتيال.
فإن كان البعض يطلب عن غير إستحقاق، فليس الكل كذلك.
ونحن في عصر، غالبية الناس فيه محتاجون:
ليس فقط الذين يُقاسون من البطالة، بل أيضًا أصحاب الدخل المحدود، مهما كانت مرتباتهم.
وبخاصة إن وقع أحدهم في مشكلة مالية، تتعلق بمرض أو عملية جراحية، أو تكاليف زواج إبنه، أو احتياج إلى سكن، وما إلى ذلك...
العطاء
هناك نوع آخر من العطاء هو العطاء المعنوي، غير المادي:
كمن يُعطي كلمة عزاء لإنسان حزين، أو يُعطي كلمة تشجيع لمن هو يائس أو واقع في صغر النفس، أو يُعطي عبارة حنان لطفل يتيم، أو كلمة منفعة لمن يحتاج إليها، ومثل ذلك من الأمور...
كذلك يوصف بالعطاء من قدموا للناس فكرًا نافعًا، أو فنًا مفيدًا، أو علمًا وكان له تأثيره في راحة الناس أو في علاجهم أو في تعمير الأرض.
ولا أقصد العلم أو الفن الذي أسئ استخدامه.
كل أولئك كان في حياتهم عنصر العطاء، كل في تخصصه.
العطاء
على أن قمة العطاء تتمثل في من يُعطي نفسه لأجل غيره:
أي أنه يفدي غيره بذاته...
مثال ذلك من يفدي وطنه بحياته، أو يبذل حياته من أجل دينه أو من أجل مبدأ من المبادئ السامية، أو من يقدم حياته لإنقاذ غريق، أو إنقاذ أسرة من الحريق.
ولا يوجد حب أعظم من هذا:
أن يضع أحد نفسه عن أحبائه...
إن الإنسان يبذل نفسه لأجل غيره، يذكّرنا بالشمعة التي تذوب لكي تنير للآخرين، ويذكّرنا أيضًا بحبة البخور التي تحترق تمامًا لكي تُعطي بخوراَ عطراَ للغير...
إنها أمثلة واضحة لبذل الذات كاملة..
العطاء
بقى سؤال هام، وهو:
ماذا عن الذين يريدون أن يعطوا وليس لهم؟

إنه عطاء بالنية، والله هو فاحص القلوب، والعارف بقدرة كل شخص أو عدم قدرته.
ونحن نُصلّي من أجلهم في الكنيسة ونقول:
"أذكر يا رب الذين يريدون أن يقدموا لك وليس لهم.
عوّضهم عِوض الفانيات بالباقي



رد مع إقتباس
Sponsored Links