كما أُخذت أجسادنا المادية من الأرض هكذا إلى الأرض تعود ، أما حياتنا الروحية هي حياة نلناها بالميلاد الجديد الذي من فوق ، فكما هو السماوي هكذا نصير سمائيين ...
كل طبيعة لها احتياجاتها الخاصة لتنمو ، فغذاء الجسد شيء ، وغذاء الروح شيء آخر تماماً ، فالجسد يتغذى بالخيرات المادية ، يلبس ويأكل ويشرب بكل ما هو في الأرض وما يتناسب مع احتياجات الجسد المادي ، أما الإنسان الجديد ، الإنسان الروحي فيتغذى على خبز الحياة النازل من فوق ...
لذلك يعود الجسد إلى التراب الذي أُخذ منه وتتحد النفس بالمسيح له المجد الذي أخذت منه حياتها الروحية ، فيصبح الإنسان المتحد مع المسيح له المجد إنسان من عالم آخر ، أي سماوي : " كما هو الترابي هكذا الترابيون أيضا و كما هو السماوي هكذا السماويون ايضا " (1كو 15 : 48)
يصير الإنسان المسيحي ، إنساناً سماوياً لا بروحه فقط بل بجسده ايضاً ، فللجسد نصيب أيضاً ، لأنه عضو في المسيح السماوي ، فكما أن المسيح له المجد الذي قام من الأموات وقد اعتمدنا لموته وقيامته " لا يموت ولا يتسلط عليه الموت " ( رومية 6: 9 ) ، كذلك المسيحي الحقيقي هو عضو حي للمسيح إلهنا الحي القائم من الأموات ، لأننا لن ننتهي للموت بل للحياة ، لأنه كيف يُمكن أن تنتهي بالموت الأعضاء المرتبطة بالرأس الذي هو شخص الكلمة ربنا يسوع الذي هو حياتنا وقيامتنا كلنا كما نقول في القداس الإلهي !!!
فما هي قيمتنا ، وقيمة أجسادنا بعد معموديتنا وتناولنا من السرّ العظيم اي الإفخارستيا ، ولنا أن نعلم أننا لا نتجزأ لجسد ونفس وروح منفصلين لأننا إنسان واحد غير منفصل ، لأننا جسد وروح ونفس معاً في آن واحد ... وفي أعماق هذه الأجساد أي أجسادنا ، غنى روحي عظيم وعجيب يكمن فينا ، وهذا الغنى هو سرّ حياتنا الحقيقية : " لأنكم قد متم و حياتكم مستترة مع المسيح في الله " (كو 3 : 3)
أن جسدنا عبارة عن وعاء خزفي يمتلئ من الكنوز السماوية : " و لكن لنا هذا الكنز في اوان خزفية ليكون فضل القوة لله لا منا " (2كو 4 : 7) .
ينبغي لنا بل هو واجب علينا ان نحفظ كنزنا السماوي داخلنا ولا نُفرط فيه ابداً ، ولنا أن نتيقن أن السيد الرب عظيم في حبه ، لأنه يفتش عنا بذاته ونحن منهمكين وسط خطايانا وغارقين وسط الأوحال ، ولا يهدأ إلا بإرشادنا وتوجيه قلوبنا للطريق التي يجب علينا أن نسلكها ، بل يرفعنا على يديه الطاهرتين إذا ألتوت أقدامنا ولا نقوى على المسير ، بل ويُقيمنا بعد كل سقطة أو زلل ، وينادينا عندما نبتعد كراعٍ صالح يطلب ويسعى لأجل الضال ...
علينا اليوم أن نقتات على كلمة الحياة لأنها تُحيينا وتنقي قلوبنا ، وأن نأخذ من السر العظيم الذي للتقوى أي سر جسد الرب ودمه ، لأنهما هما القوة التي تُقيمنا في اليوم الأخير ، لأن الجسد محيي والدم شافي ومطهر ومقدس للجسد والنفس والروح معاً ، بل ويحفظ الجسد والنفس والروح في حياة مستترة مع المسيح له كل المجد من الآن وإلى الدهر مع ابيه الصالح والروح القدس ؛ مجداً وإكراماً للثالوث القدوس المساوي .