عرض مشاركة واحدة
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 2 )
aymonded
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 527
تاريخ التسجيل : Jun 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 21,222
عدد النقاط : 58

aymonded غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كيف نعيش التوبة - التوبة ربيع الإنسان وتجديده المستمر الجزء الثاني معنى التوبة

كُتب : [ 05-12-2014 - 04:13 PM ]


نجد أن أول افتتاحية للعهد الجديد هو نداء التوبة، لا من ناحية الفكر بل من الناحية العملية على مستوى واقع الإنسانية المتعبة التي تصرخ بصمت وأنين قلبي خاص من الألم الموجع الذي لتسلط الخطية بالموت، لذلك نجد يوحنا المعمدان يستمر في إعلان متطلبات التوبة لتهيئة القلوب لتتميم الوعد وظهور الحياة الجديدة في حمل الله رافع خطية العالم، الذي وحده من اجتاز الموت ليكسر شوكة الخطية ويبيد سلطان الموت ويهدم قوة المُعاند أي إبليس ليفلت الكل من يده ولا يكون له سلطان على أحد إلا من يسلمه نفسه بإرادته الواعية ولا يُريد أن يدخل في سر عتق المسيح الرب...
لذلك نجد نداء القديس يوحنا المعمدان نداء من نوع خاص يُظهر فيه متطلبات التوبة في بداية العهد الجديد لذلك يقول: [ فاصنعوا ثماراً تليق بالتوبة، ولا تفتكروا (كحجة لكم) أن تقولوا لنا إبراهيم أباً، لأني أقول لكم أن الله قادر أن يُقيم من هذه الحجارة أولاداً لإبراهيم. والآن وُضِعت الفأس على أصل الشجرة، فكل شجرة لا تصنع ثماراً جيدة تُقطع وتُلقى في النار ] ( متى 3: 8 – 10)

ولو ركزنا في كلام القديس يوحنا المعمدان فأننا نُلاحظ أنه يُوجه الناس للتوبة الحقيقية على مستوى الواقع العملي لا النظري، وينفي كل حجة تُقال من جهة الافتخار بالانتساب لله عن طريق إبراهيم أب الآباء الذي حُسِب إيمانه براً، وهذا ما نفعله على المستوى الشخصي أحياناً بظني إني أحيا مع الله ولا حاجة لي للتوبة لأني ابناً لله كمسيحي والله قبلني ويقبلني في أي وقت وكل ساعة، وذلك لأني آمنت به وأحيا معه، مع إنني أحتاج لأن أتوب وأتغير باستمرار ويظهر هذا كثمر في حياتي الشخصية عملياً وليس مجرد كلمات تُقال وألفاظ يُنطق بها معتمداً على لطف الله وطول أناته وأعمل ما شئت أنا:
  • [ أم تستهين بغنى لطفه وإمهاله وطول أناته غير عالم أن لُطف الله إنما يقتادك إلى التوبة ] (رومية 2: 4)
  • [ فهوذا لطف الله وصرامته، أما الصرامة فعلى الذين سقطوا، وأما اللطف فلك أن ثبت في اللطف، وإلا فأنت أيضاً ستُقطع ] (رومية 11: 22)
والقديس بولس استلهم هذا الوضع وأظهر فضيحة قلب الإنسان الذي يتكل على أشياء في مضمونها رائع ولكن في جوهرها هروب من واقع الحياة حسب الحق الذي أعلنه الله الحي لنا لكي نواجه أنفسنا فنعود إليه تائبين بصدق، فنجده يقول في رسالة رومية:
  • [ هوذا أنت تُسمى يهودياً وتتكل على الناموس وتفتخر بالله. وتعرف مشيئته وتُميز الأمور المتخالفة مُتعلماً من الناموس. وتثق أنك قائد للعميان ونور للذين في الظلمة. ومهذب للأغبياء ومُعلم للأطفال ولك صورة العلم والحق في الناموس. فأنت إذاً الذي تُعلِّم غيرك ألست تُعلِّم نفسك، الذي تكرز أن لا يُسرق أتسرق. الذي تقول أن لا يُزنى أتزني، الذي تستكره الأوثان أتسرق الهياكل. الذي تفتخر بالناموس أبتعدي الناموس تُهين الله. لأن اسم الله يُجدف عليه بسببكم بين الأمم كما هو مكتوب. فأن الختان ينفع أن عملت بالناموس ولكن أن كنت متعدياً الناموس فقد صار ختانك غُرلة. إذاً أن كان الأغرل (الأممي البعيد عن الله ولا يعرف الناموس والمواعيد) يحفظ أحكام الناموس أفما تحسب غرلته ختاناً. وتكون الغرلة التي من الطبيعة وهي تُكمل الناموس تدينك أنت الذي في الكتاب والختان تتعدى الناموس. لأن اليهودي (والمسيحي) في الظاهر ليس هو يهودياً (أو مسيحياً) ولا الختان الذي في الظاهر في اللحم ختاناً. بل اليهودي في الخفاء هو اليهودي وختان القلب بالروح لا بالكتاب هو الختان الذي مدحه ليس من الناس بل من الله ] (رومية 2: 17 – 29)
عموماً هذه هي قاعدة مواجهة النفس مع كلمة الله التي تكشف أعماق الضمير وخفايا القلب الغير ظاهره، ليعرف الإنسان نفسه ويكتشف عورة حياته لكي يرجع لله ليُشفى، وهذه هي التوبة بمعناها البسيط في العهد الجديد، لذلك نجد أنها تأخذ معناها القوي البسيط العميق بنطق ربنا يسوع المسيح، الله الذي أظهر قوتها بإعلانه الخاص وظهوره في الجسد قائلاً: [ قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ] (مرقس 1: 15)

وقد شرح الرب بنفسه معنى التوبة لكي نفهم أصولها حسب قصده هو لا حسب معرفتنا وفلسفتنا الشخصية، لأنه وضح أن التوبة ليست مجرد أن يكف الإنسان عن الخطية ويُصبح إنسان ذو أخلاق في المجتمع وحياة التوبة بالنسبة له حياة خارجية أمام الناس، لكنه أظهر أن التوبة ضرورية للحياة فيه لذلك تتضمن الشخص بكامله، أي داخله وخارجه معاً، لأن التوبة تمس العقل أولاً لتغيير الفكر ليعي الإنسان ويُدرك أنه يحتاج أن يدخل في سرّ التوبة، ثم بعد ذلك تنزل لقلبه فيتغير داخلياً، ثم تثمر فيه ثمراً جيداً يظهر أمام الجميع فيكون المدح لله الذي عمل فيه ووضع سره الخاص في داخله، لذلك يقول الرب يسوع: [ اجعلوا الشجرة جيدة وثمارها جيداً... لأن من الثمر تُعرف الشجرة ] (متى 12: 33)، لأن يا إخوتي أن كان الغرس جيد، والبذرة صحيحة جيدة، فأنها تُخرج شجرة أن تم رعايتها رعاية صالحة فأن ثمرها يعبر عن جودتها...

ولذلك نجد أن الرب يعود ويوضح ويؤكد على الداخل لذلك يقول: [ نقِ أولاً داخل الكأس والصفحة لكي يكون خارجها أيضاً نقياً ] (متى 23: 26)...

لذلك علينا أن نحذر من أن نهتم بالخارج فقط وننسى الداخل، لأن الأصل في الداخل وليس بالخارج، لأن الخارج يُعبر عن الداخل، وأن غيرنا الخارج ليُصبح جميلاً أمام الناس وتركنا الداخل، فأننا نخدع أنفسنا ونغشها، لأنه ماذا ينتفع إنسان من أن يُطلي بيته من الخارج ويضع له كل زينة مع زروع وأزهار رائعة يسقيها ويعتني بها، حتى أن كل من يمر به يمدحه ويحسده على بيته الجميل، مع أنه أهمل داخل البيت حتى أنه امتلئ من كل قذارة ووسخ وسكنته الحشرات الضارة، وفاحت فيه كل رائحة نتنة حتى أن كل من يدخله يصاب بالاختناق والأعياء، وبكونه تعود وعاش في هذا الجو الموبوء فأنه لا يشعر بمدى الأمراض التي اصابته من جراء هذا العفن الذي ملأ بيته من الداخل...
وهكذا كل من يهتم بشكله أمام الناس وينسى داخله يُصبح مريضاً بكل مرض ولا يشعر بمدى مرضة بل وقد يفتخر بعمله الظاهر الممدوح من الناس مع أنه مملوء من كل خراب وفي دمار نفسي وقلبي ومنطرح عن الله بعيداً جداً...


وهذا يحتاج إلى أن يُسرع ليستفيق طالباً العناية الإلهية الفائقة التي للطبيب الأعظم شخص ربنا يسوع حتى تُشفى نفسه ويأتيه مسرعاً ليطرد من بيته كل الوحوش الضارة أي الخطية التي فتكت بنفسه وشوهت داخله ويعيده مثل ولد في البراءة وبساطة القلب النقي: [ إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات ] (متى 18: 3)

  • + عموماً إن كان الأنبياء قد علَّموا بأن التوبة هي نوال الخاطئ قلباً جديداً وروحاً جديداً، نجد أن العنصر الجديد والهام في بشارة الرب يسوع في العهد الجديد، هي أن التوبة في عمق معناها اللاهوتي [ أي القلب الجديد والروح الجديد ] ليست في قدرة الإنسان ولا صناعته، بل هي الإيمان والثقة الشديدة في محبة الله الذي وحده قادر أن يُقيم الموتى من بُقعة العظام الجافة، وهذا ما نجده في حزقيال مكتوباً بروح النبوة عن عمل الله في العهد الجديد الذي فيه يُقيم الإنسان من موت الخطية الذي دمر كل ملكات نفسه حتى صار مثل العظام النخرة في قبور الموت الذي تحللت فيها الأجساد ولم يعد في مقدور أحد أن يقيمها قط. (رجاء قراءة حزقيال 37: 1 – 14 وذلك للضرورة)
ونرى أن الرب يسوع قد أعلن أن هذا الزمان الذي يقيم فيه الإنسان من تحت سلطان الموت والفساد، قد أتى الآن [ قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ] (مرقس 1: 15)
والإيمان على هذا المستوى هو عبارة عن تحول من الفساد لعدم الفساد، من الموت للحياة، لأن التوبة في مفهومها الأصيل، هي عبارة عن تغيير في الفكر، بإحلال فكر محل فكر أي بالمعنى الرسولي: [ أما نحن فلنا فكر المسيح ]، وايضاً هي تحول في الاتجاه، من اليسار إلى اليمين أي من الموت للحياة، ومن الدينونة للبرّ، وبالمعنى الكتابي هو هتاف فرحة قلب انتقل من الموت للحياة بالإيمان الحي [ أين شكوتك يا موت أين غلبتك يا هاوية ]، وفي النهاية هذا كله يظهر في تغيير سلوك الإنسان كُلياً بناء على الإيمان الجديد الحي الذي اقتناه بالسرّ في قلبه كهبة نعمة ومنحة من الله، مبني على أساس استنارة الذهن، أدى إلى علاقة صحيحة مع الله الحي تظهر في ثمر الصلاح الخارج من النفس والظاهر في المحبة بأعمال مقدسة كنتيجة لما ناله من الله وانغرس في داخله بالسرّ وارتوى بالصلاة وقراءة الكلمة وشركة القديسين في النور.
_________________________

وفي الجزء القادم سنتحدث عن
ثالثاً: دعوة التوبــــــــــة

رد مع إقتباس