[aymonded]

ولتوضيح المفهوم الأصيل لهذا السرّ العظيم لا بد من أن نعرض الأول معنى كلمة الاستحالة ونزيل اللبس الحادث فيها ثم نعرض أقوال الآباء الذين قالوا أنهم يأكدون على التحويل الروحي فقط أو الأكل الروحي ...

وقبل عرض معنى كلمة الاستحالة ومعنى السرّ ، وكبداية تمهيدية نكتب كلمات بعض الآباء في القرن الثالث والرابع لنزيل الادعاء بعدم ذكر الآباء سرّ الإفخارستيا وتحويل العنصر المادي بالسرّ لجسد ودم حقيقي ليسوع إلهنا الحي

:

يقول العلامة أوريجانوس : وهذا في القرن الثالث
[ ونحن نقدم صلوات شكر إلى خالق الجميع ، مع تقديم الإفخارستيا والصلوات من أجل البركات التي نلناها ، نأكل أيضاً الخبز المقدم لنا ، الخبز الذي يصير بواسطة الشكر والصلوات جسداً مقدساً الذي يقدس الذين يتناولون منه بقلب طاهر ]

Origen, against Celsus, A.N.F., Vol IV, P.647

ويقول أيضاً :
[ يوجد من ينكر أصلاً الأمور الحسية فلا يستخدم المعمودية ولا الإفخارستيا ، وبافتراء يعتبرون أن الكتاب المقدس يعتبر الصلاة لموضوع آخر . ]

Origen, On Prayer, ch. XI

[ الخبز الذي خصصه الله (( الكلمة )) ليكون جسده ، هو الكلمة الذي يُغذي النفس ، هو كلمة من الله الكلمة ، وخبز من الخبز السمائي موضوعاً على المائدة . والشراب الذي في الكأس الذي خصصه الله " الكلمة " ليكون دمه هو الكلمة الذي يسكر القلب ويُشبعه .

الخبز المنظور .. يحمل سرّ الجسد المكسور ، والشراب المنظور يحمل سرّ الدم المسفوك ]

Origen in Ps., home. In Matt., serm. 85, cited by Quasten, II, P. 86

ويقول القديس أثناسيوس الرسولي ( القرن الرابع ) :
[ كما سترون اللاويين ( الشمامسة ) يحضرون أرغفة الخبز وكأس الخمر ويصعدانهما على المائدة . وطالما لم يبتدئ التوسلات والصلوات فالموجود هما مجرد خبز وخمر ، ولكن بعد الصلاة الكبيرة يصير الخبز جسد ربنا يسوع المسيح والخمر يصير دمه ] [ ولنأت الآن إلى صلوات تكميل الأسرار ، فطالما أن الصلوات والتوسلات لم تبدأ ، فهذا الخبز وهذا الخمر هما ساذجان – أي مجرد خبز وخمر – ولكن بعد أن تتلى الصلوات الكبيرة والتوسلات المقدسة ينزل " الكلمة " في الخبز والخمر فيكون جسد الكلمة ]

Athanas. Qust., ad Antioch., P. 37

_______________________

سأكتفي بهذه الأقوال مبدئياً مؤكداً على المعنى الروحي واللاهوتي لعمل الله السري ، الذي خسره الكثيرين لأنهم يعلقون أنظارهم على المعاني التي حسب العقل وفلسفته البعيدة عن الإيمان وليس لي إلا قول التلاميذ الذين أعثروا في هذا السرّ العيظم والذي لا زال البعض يعثر فيه : " فقال كثيرون من تلاميذه إذ سمعوا أن هذا الكلام صعب من يقدر أن يسمعه " (يو 6 : 60)

وكالعادة كثيرون ها يردوا ويقولوا أن الرب قال : الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ، مثبتين أن الكلام بحسب الروح فقط وليس هناك تحويل سري للجسد والدم ، ولكن سأشرح الآية في المعنى اليوناني موضحاً اللبس الحادث ، لأن المعنى هنا معنى محيي ، وليس المعنى المادي الحرفي المرئي ، بل هو سري على مستوى عمل الروح القدس ، كما في تجسد الكلمة الظاهر في الجسد ...