6 – أيها الأحباء ، النعمة ليست من الطبيعة الإنسانية ، ولا هي مثل الطبيعة الإنسانية ، بل هي من الطبيعة الغالبة الموت وكل صور الانقسام ، هي من اللاهوت ، من الحياة ، من الخالقلكي يحفظ ما خَلق ويُجدد ما سقط .
ومقياس النعمة هو تألُّه ناسوت الرب يسوع ، لأن ما حدث له ، حدث لنا ؛ لأنه [ أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له ] ، والأخذ جاء أولاً والعطاء تلا ذلك .
أيها الإخوة ، إن شوق الثالوث لنا هو حركة النعمة ورغبة العطاء . لقد أخذ الذي لنا بشوق ومحبة لا تُحَد لأنها مثل لُجة البحر تُغطي كل شيء ، وتدفع الزائل ، أي الشر أمامها . محبة تُعطي من كيانها ؛ لأن خلق الإنسان من العدم جعل له كياناً قابلاً لقبول عطايا الله ، لأنه بدون الله وبدون مصدر الحياة من الثالوث القدوس لا وجود له ، أي لا حياة له في ذاته لأننا لا نُميز بين الوجود والحياة كما فعل فلاسفة العصور السابقة على تجسد ابن الله ؛ لأنه بالتجسد قد أُعلن في كيانه أنه هو مصدر الحياة ، وان الوجود والحياة هما لفظان يُعلنان عن الإنسان .
لذلك عندما تغمر لُجة محبة البشر كل شيء ، فإن محبة الله لا تنفصل ، بل تُوحَّد . لا تحوِّل كيان الإنسان المخلوق من العدم إلى كيان الخالق ، لأن هذا مستحيل تماماً ؛ لأن ما هو خالق لم يأتِ بقدرة ٍ ، ولا هو خاضع للتحوُّل من عدم الوجود إلى الوجود ، ولذلك لا يُعطي ما هو خالق لمخلوق لكي يصير المخلوق خالقاً ، بل لكي يصير المخلوق حياً حسب الحياة الإلهية .
وعندما نقول إن النعمة هي شوق الله ، فإن صورة المسيح هي مقياس إعلان النعمة الذي يُحدد غايتها . ولما قال الرسول : [ المحبة لا تسقط أبداً ] (1كو13: 8) فإنه كان يعلن عن عدم ندم الله على إعطاء النعمة (رو11: 29)
رسالة الأب صفرونيوس إلى الأب سلوانس
من كتاب الثالوث القدوس توحيد وشركة وحياة – الطبعة الأولى 2010
من فقرة 6 – من ص 220 إلى ص 221