أن حياة المسيحية الحقيقية لا تعتمد على الشكل الخارجي للإنسان وتنفيذه للطقوس والعقائد وحفظة البنود المعلنة من خلال القوانين والمعرفة المسيحية كمعلومات فكرية جدلية !!!فحياة المسيحي الحقيقية هي في الداخل ، في داخل كيانه الشخصي ، فهي باختصار شديد وأكثر تحديد ، هي الحياة في الله ...
أي أن المسيحي الحقيقي هو من حياته في الله ، بمعنى أني لو قلت أني مسيحي حقيقي ، يعني الله في داخلي أكثر من أي شيء آخر ، وسعيي كله أن ألتقية وأفتش عنه في الداخل وليس في الخارج بسبب أن الكلمة صار جسداً وحل فينا ، ونحن هياكل الله وروح الله يسكن فينا ، وفي داخلنا طبيعياً – حسب الخلق – صورة الله المطبوعة في الداخل والذي أعاد شكلها الأصيل تجسد الكلمة واستعلانه في ملء الزمان ...
الإنسان بطبيعة خلقه هو صورة الله ، له كيان روحي مستمد من خالقه العظيم ، وهذا هو سر حنينه الدائم إلى خالقه ، ولكي نتعود نعيش في هذا المجد العظيم ونعود لأصل الصورة فينا لابد من أن ننزل إلى داخلنا ، أي نقطع مسيرة الدخول لأعماق قلوبنا لنلتقي مع الله المطبوع سراً في داخل القلب بصورة مجيده وضعنا عليها تراباً على مر الأيام وأخفيناها حتى أننا في حالة قلق دائم واضطراب مستمر في هذا الزمان نحمل الأوجاع لأننا لم ندخل بعد لهذا العمق ونعرف أنفسنا في جمال صورتها الحقيقية المخلوقة عليها والمطبوعة فيها !!!
فكل ما يتعب النفس أنها أخفت سرها وضاع معه حل مشاكلها وضيقاتها الكثيرة والتي تشعر أن ليس لها سبب محدد ، لأن مهما ما بلغ الإنسان من مراكز أو معرفة عقلانية يظل يشعر بأنين واحتياج يزيد كلما ابتعد عن حقيقة جوهره الأصيل !!!
وطبعاً الرجوع للنفس والعودة إلى الداخل ليس شيئاً سهلاً ، بل صعب للغاية ، لأننا في الواقع أصبحنا غرباء عن أنفسنا ، نجهل حقيقتها المخفية فيها !!فمن السهل التعرف على العالم الخارجي والمحيط بنا ، ومن السهل أيضاً التعرف على الحياة المسيحية من جهة الفكر والبحث والمعرفة ، لأن كل هذا يأتينا عن طريق الحواس والعقل ، وكل شخص يستوعب حسب قدراته العقلية ، أما من جهة الداخل فصعب للغاية لأنه لا يأتي على مستوى العقل أو الفكر أو القدرة على المعرفة والفهم إنما على مستوى اللقاء الحي في الداخل !!! وهذا ما لا يستطيع العقل أن يصنعه من جهة الفكر والجدل أو المعرفة !!!
فالحياة المسيحية الحقيقية هي باختصار وتركيز : الرجوع إلى الذات للدخول بالنعمة في الله ، فحضرة الله بملء نوره العظيم هو أعمق ما في الإنسان من عظمة ومجد ، لأن الإنسان خلق في هذه الحضرة وهي أساس دعوته وأصل حياته كلها ، ونبع حريته وكمال سعادته الحقيقية ، بل هي مصيره الأبدي الذي لا يقدر أن يحيا بدونه قط !!!إذن فالمنهج الحقيقي والأصيل للمسيحي الحقيقي هي حياته الداخلية ، واستمرار وجوده في الحضرة الإلهية على مستوى اللمس من جهة كلمة الحياة [ الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه و لمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة ] (1يو 1 : 1)
والعائق الرئيسي الذي يفصل الإنسان ويشوه طبعه ويشوش فكره ويجعل النور الإلهي منطفئ فيه هو الأهواء التي هي أصل الخطايا وسبب تحركها فيه ، لأنها سبب الانفصال عن الله وتشويه الطبع الإنساني الأصيل ، والإنسان أن لم يتحرر من هذه الأهواء لن يستطيع أن يكتشف في داخله اللؤلؤة الكثيرة الثمن فيبيع كل شيء لاقتنائها حتى نفسه يحسبها رخيصة عنده من أجل هذه الجوهرة الثمينة !!!
وسوف نتحدث فيما بعد عن معرفة النفس ومعرفة الله والتخلص من الأهواء التي تشوه النفس وتبعدها عن محضر الله الذي هو أساس حياتها ومجد أبديتها ... النعمة معكم