تذكرنــي
التسجيل التعليمـــات التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
يمكنك البحث فى الموقع للوصول السريع لما تريد



المنتدى العام المنتدى العام خاص بالمواضيع التى ليست لها تصنيف

مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق أرسل هذا الموضوع إلى صديق


البيه المحاسب

مبكراً، وقبل أي زقزقة لعصفور في منطقتنا استيقظتُ، وقمتُ من نومي مسرعاً، وبنشاط لم أعتده في نفسي وهو ما ذكّرني بأول يوم أتقدم فيه لوظيفة منذ نحو أربع سنوات، إيييييييييييه

 

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
رقم المشاركة : ( 1 )
nana222
ارثوذكسي ذهبي
nana222 غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 497
تاريخ التسجيل : May 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 6,286
عدد النقاط : 19
قوة التقييم : nana222 is on a distinguished road
البيه المحاسب

كُتب : [ 05-11-2008 - 01:38 PM ]


مبكراً، وقبل أي زقزقة لعصفور في منطقتنا استيقظتُ، وقمتُ من نومي مسرعاً، وبنشاط لم أعتده في نفسي وهو ما ذكّرني بأول يوم أتقدم فيه لوظيفة منذ نحو أربع سنوات، إيييييييييييه دنيا!!!!!!! يومها رحت أجهّز ملابسي على عجل، وأتناول إفطاراً خفيفاً، وأتسلل من البيت قبل أن يستيقظ أحد!.. فاليوم هو موعد مقابلتي الشخصية الخاصة بالوظيفة الجديدة، بعد عناء وصبر وبحث وتدقيق، وَوَصْل الليل بالنهار، والتقليب في الجرائد بالعدسة المكبرة، وشراء المجلات التي تعلن عن وظائف خالية، كلما تيسّر نزر يسير من المال!.. وقد أكلتُ مع البطالة خبزاً وملحاً طوال سنتين كاملتين بعد تخرجي الميمون؛ حتى تشبعت معدتي، ومعدة البطالة!.. وأخيراً حانت لحظتي، ووجدت ضالتي، وسوف أحصل على هذه الوظيفة بالتأكيد، فجميع الشروط والمواصفات تنطبق عليّ تماماً. ومن فرحتي لم أبخلْ على نفسي بتاكسي مخصوص في هذا اليوم المفترج، ولا بتلميع حذائي اليتيم الذي كاد يشهق من فرط الدهشة والفرح عندما وجد أنهار الصبغة السوداء العزيزة تغمره!! وعلى باب المكتب -الذي من المفروض أن المقابلة الشخصية تكون فيه- تسمّرت لحظات، وقد هالني الزحام والتدافع، وكمية البشر المتراكمين في كل مكان حتى على السلم! ولكن كل هذا لم يؤثر على حماسي البتة، ولم يزحزح يقيني ملليمتراً، بل على العكس تماماً، ملأني تحدياً وإصراراً، حتى وجدت إكسير الجرأة الملتهب ينمو في كل قطرة من دمي أكثر!. وإلى أن يحين دوري رحت أتأمل الوجوه المتناثرة حولي، وأصناف البشر، وأنواعهم، وأحدهم يميل نحوي في ملل ونفاد صبر، ويصرخ بصوت عالٍ وصاخب؛ حتى أسمعه بوضوح وسط كل هؤلاء الخلق: - 'وِلْعَة؟' فتمتمت في تعاطف، وأنا أوافقه بهز رأسي: - 'فعلاً.. فعلاً.. الجو وِلْعة!'. فعاد، يصرخ، ويصيح، ويكرر: - 'ولعة؟.. وِلْعَة؟' فعدت من جديد لهز رأسي واستطرادي: - 'نعم.. نعم.. أنا ملاحظ الموضوع ده!'. فاقترب مني أكثر، مزاحماً رجلاً ضخماً شرس المنظر، وهو يلوح بسيجارة في يده، ويستطرد متعجباً من غبائي: - 'ولعة.. ولعة يا أستاذ.. كبريت يعني!'. فعُدْت أحدّق فيه ببلاهة، ثم ثبْت إلى رشدي، وأنا أعتذر له أني لا أدخن، فرمقني بعجب، وبدا أنه من السهل عليه أن يتوقع أن أكون رئيس جمهورية نامبيا شخصياً، ولكن من المستحيل عليه توقع أني لا أدخن!. ولكنه لم ييأس على أية حال، ولكز جاراً له في ظهره، فالتفت هذا إليه، وهو يبدو على وشك التهام حنجرته، والتحلية بِكُرَات عينيه الجاحظتين بشدة، والسيجارة مشتعلة في فمه، تكاد تصرخ من قوة امتصاصه لها، واعتصارها بين شفتيه الجافتين!. لكن صاحبنا أشار له بيده في مرح على السيجارة، والتقطها منه في بساطة وخفة، وأشعل منها سيجارته، ثم أعادها إليه من جديد، وعاد يقترب مني، وبدت له هذه الحادثة البسيطة كافية لأن يقيم معي حواراً، فسألني بغتة: - 'إنت موديل كام؟' - 'أفندم؟' - 'موديل كام يا أستاذ؟.. موديل كاااااام؟' - 'متأسف يا فندم.. بس أنا معنديش عربية!'. فعاد ينفخ، ويرمقني بغلٍّ، وهو لا يتصور كيف يمكن أن أكون قد واصلت الحياة إلى هذه اللحظة وأنا بكل هذا الجهل والغباء!، ولكنه تمالك نفسه، وعاد يقول: - 'موديل كام.. يعني: مواليد كام؟' - 'آه.. مش تقول كده.. أنا موديل.. قصدي.. مواليد 82 يا سيدي'. فوجدت وجهه يتلون بسرعة غريبة، ويتخذ أشكالاً وأوضاعاً لم أتخيل أن بإمكانه أن يتخذها، ثم يندفع في نوبة ضحك هيستيرية غريبة جعلتني أنفر منه، وأبتعد عنه قليلاً، ولكنه عاجلني: - 'يعني عندك 26 سنة.. بس؟!!!.. وعندك أمل تتعيّن دلوقتي.. بدري كده... هاها.. أما إنك شخص غريب صحيح!!!'. وعاد إلى ضحكه من جديد، ليس وحده هذه المرة، ولكن بصحبة آخرين، استمعوا طرفاً من محاورتنا، وبدا أن رد فعله العجيب قد راق لهم بشدة!.. واستفزني الموقف، فعدت أقول مدافعاً عن نفسي: - 'وإيه يعني.. أنا مش صغير.. وبعدين الموضوع بالكفاءة مش بالسن!'. فكف عن ضحكه، وبانت في عينيه نظرة تعاطف وإشفاق، واقترب مني، وربت كتفي في حنان وهو يهمس: - 'أنت لسه صغير يا ابني.. بكرة تعرف الحقيقة.. تعرف أنا عندي كام سنة؟.. 35 سنة.. ولسه باعمل مقابلات واختبارت واستمارات.. وما مسكتش وظيفة واحدة لحد دلوقتي!'. فنظرت نحوه في دهشة، وقلت له: - 'أمال حضرتك عايش منين؟'. فابتسم في مرارة، واختفى عن عيني في الزحام ، وهو يردد: - 'ومين قال لك إن أنا عايش!!'.. حاولت أن أخترق الجموع بعيني، وأن أجده من جديد، لكنه كان قد اختفى فعلاً، ولم يعد من الممكن أن أراه ثانية!.. وعلى الرغم من أن كلامه قد خدش يقيني قليلاً، ولكنه خَدْش يمكن إصلاحه بسهولة، وبعد قليل سوف يحين موعد مقابلتي، وسوف أحصل على الوظيفة بإذن الله، وأثبت فشل كل ما قال!.. وطال الوقت، وطابور المتقدمين يبدو أنه لا ينقص، وإنما يزيد، والسكرتير في كل ثانية بين يديه تليفون، حتى لا تستطيع أن تتكلم معه نصف كلمة، وسعداء الحظ الذين يدخلون من الباب الكبير الفخم مبتسمين ومشرقي الوجه لا يخرجون أبداً على هذه الصورة، وإنما متهدّلي الأكتاف، ونظراتهم لا ترتفع عن الأرض!.. وازداد فضولي وشوقي لأعرف ما نوع الأسئلة التي يُسألونها، وما مقدار صعوبتها. وأخيراً جدّاً، وقد قاربت الساعة السادسة مساء جاء دوري، وكنت تقريباً شبه نائم، وجائعاً، وفي غاية الإرهاق، ولكني عدّلت من هندامي قدر استطاعتي، وأخذت نفساً عميقاً، وأنا أجهز شهاداتي ومؤهلاتي في يدي، ودخلت (برجلي اليمين)! وما كدت أطالع وجوه الحاضرين، وقبل حتى أن تنقل الخلايا العصبية في مخي الأمر لوجهي أن يبتسم، أو يقول: 'مساء الخير' وجدت سؤالاً صارماً يطير فجأة، ويرتطم بأذني: - 'أنت شايف إنك مناسب للشغلانة دي؟' وارتبكتُ، وصمتُّ لمدة ثانيتين، ثم عادت لي قدرتي فجأة، فعدت أجيب بحذر: - 'أتمنى ذلك من الله يافندم'. - 'طيب مين اللي اخترع مقام 'البياتي'؟ - 'أفندم؟!'.. - 'إيه يا أستاذ.. إنت ما بتسمعش.. بقولك: مين اللي اخترع مقام 'البياتي'؟ - 'سمعت يا فندم.. سمعت.. بس يعني أنا كنت فاكر إني هاشتغل محاسب!' - 'أيوه طبعاً يا أفندي.. محاسب.. أمال أنت فاكر إيه؟.. ودلوقتي رد على سؤالي'.. - 'الحقيقة يا فندم ماعرفش'.. - 'كده.. طيب ندّيلك فرصة تانية.. كم عدد قطرات الدم اللي بتجري في الوريد الواحد؟!!' - 'يا فندم ممكن أعرف إيه علاقة الأسئلة دي بالمحاسبة؟'. - 'ها.. وكمان مشاكس.. وفضولي.. مش شُغلك يا افندي.. مش شُغلك.. برضه مش عارف.. مش كده؟'. - 'يا فندم..' - 'بس.. خلاص.. ولا كلمة.. طيب سؤال تاني.. كم عدد سكان 'جزر القمر؟!' ولم أجب بالطبع، ودهشتي مما يقول ويسأل تتصاعد، وتلجم لساني، وتجعل الغضب يتجمع في مؤخرة رأسي، وأنا أهمّ في كل لحظة بالثورة عليه، ومصارحته برأيي فيما يفعل، ويقول، ولكني كنت أعدل عن ذلك في كل مرة، وأتمسك بالصبر، وكان يبدو أن مسرحيته على وشك الانتهاء، فوجدته يسألني وعلى شفتيه ابتسامة تشفٍّ وانتصار: - 'آخر سؤال يا أستاذ.. لو معرفتوش.. يبقى كده.. خلاص.. آوِتْ' فاعتصرت أسناني، وأنا أقول له في غيظ: - 'سؤال إيه.. يا فندم؟'.. - 'السؤال هو: إيه السؤال اللي أنا كنت ناوي أسأله لك الوقتي، وإيه إجابته، ومتنساش تدعم إجابتك بالأمثلة التوضيحية والرسم البياني!'.. وكان هذا أكثر مما أحتمل في الواقع، أو تحتمل شبكتي العصبية، وضغط دمي، فصحت فيه وأنا أهرول خارج الحجرة، مقاوماً رغبتي الطاحنة في رسم خارطة العالم على ملامح وجهه بسكين فتح الخطابات، الموجود أمامه على المكتب: - 'أكيد سيادتك كنت هتسأل عن عدد ذرات الرمل الموجودة في تمثال 'أبو الهول'، وعشان أجاوب مظبوط، هاروح جري دلوقتي.. أعدهم.. وأبقى أقول لك!'.. وانتهت المقابلة! وكما طار غيرها، طارت مني هذه الوظيفة أيضاً، ورفرفتْ بجناحين قويين نحو من لا أعلم، ولا أنتظر أن أعلم! والتي يبدو أنها كانت تتطلب أستاذاً في الموسيقى والقانون والطب والجغرافيا واللغات الحية والميتة في نَفَس واحد، أما العلم الوحيد الذي كانت في غنى عنه، فهو 'المحاسبة'!!.. وعند الباب الخارجي وجدت صاحبنا المدخّن، وكاد ينفجر ضاحكاً من جديد عندما رآني، وعلامات الهزيمة تتفسح على ملامح وجهي، ولكنه كتم ضحكته؛ محافظة على شعوري فيما يبدو، وقد رأى أن عيني تنذران بالشر! ولم ألتفت إليه في الواقع وهو يناديني، وأسرعت أركب 'ميكروباصاً' هذه المرة، وقد أصبحتْ غرفتي الدافئة هي أكثر مكان في العالم أحتاج رؤيته حالاً! بعد أيام جاءني الخبر السعيد؛ حيث حصل على الوظيفة أحد زملائي القدامى، وأصبح 'البيه المحاسب'، ولكن هذا لم يدهشني كثيراً، فبعد قليل عرفت أن والده عضو في مجلس إدارة الشركة، وأن قرار تعيينه صادر بتاريخ يسبق نزول إعلان الوظيفة نفسها في الجرائد، ولكن شيئاً ظل يدق في رأسي، ويطالبني بأن أريحه، فقمت من فوري، واتصلت بأحد الأصدقاء: - هاي 'عمر'.. إزيك.. باقول لك إيه.. فاكر زميلنا 'عاصم شوقي'؟ - 'أيوه طبعاً'. - 'إتعين يا سيدي في شركة أبوه'.. - 'ابن المحظوظة!!' - 'المهم.. هو كان خريج إيه؟' - 'تربية.. تربية قسم بيولوجي'.. ليه؟.. فيه حاجة؟'



رد مع إقتباس
Sponsored Links

 

مواقع النشر (المفضلة)

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سعادة البيه المشرف kamer14 المنتدى العام 32 10-12-2009 02:56 PM
مكتب المحاسب القانونى/فادى جميل مرزوق فادى جميل أعلانات وأحتياجات 0 02-19-2008 02:26 PM

Rss  Rss 2.0 Html  Xml Sitemap SiteMap Info-SiteMap Map Tags Forums Map Site Map


الساعة الآن 02:38 AM.