رد: الفهم السليم ضروري لحياة روحية سليمة - معنى الفهم والغباوة الروحية
كُتب : [ 02-17-2018
- 11:16 AM
]
الفهم السليم ضروري لحياة روحية سليمة - الجزء الثاني والأخير (من أين يأتي عدم الفهم – أو معوق الاستنارة) أولاً الإنسان – في الأساس – بحسب طبيعة خلقه على صورة الله ومثاله، فأنه يميل طبيعياً نحو خالقه، لذلك فأن جميع الناس في داخلها حنين شديد – ذات سلطان – من نحو الله، فالكل يشترك في هذا الحنين والاشتياق إلى الله صرف النظر عن فكره أو اعتقاده أو نشأته، وبالتالي فأن كلمة الله ليست غريبة عن الطبع الإنساني، لأن لو تتبعنا كلمات الله منذ البداية فسنجدها منطقوه بلغة بشرية يفهمها الإنسان، لأنه لم يتحدث إليه بصورة كلمات مبهمة أو غير مفهومة غامضة، أو بلغة سماوية أو ملائكية غريبة على مسامعه، لذلك الله كلم كل واحد بلغته وفي ثقافة عصره لكي يفهم كلماته ويعرف قصد مشيئته من أجل صالحه وحياته الأبدية، ولذلك فأن كل كلمة تخرج من فم الله تصير حياة لكل من يسمعها ويتقبلها ليحيا بها. لذلك فأن السرّ وراء عدم فهم كلمات الله، ليس بسبب معوقات اللغة، ولا لأنها تحمل أسرار غير مفهومة أو غير واضحة فيها، بل بسبب وضحه الرب نفسه قائلاً: لِمَاذَا لاَ تَفْهَمُونَ كلاَمِي؟ لأَنَّكُمْ لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَسْمَعُوا قَوْلِي (يوحنا 8: 43) إذاً المشكلة في السمع، لأن الإنسان هنا غير قادر على أن يسمع قول الله، فالمشكلة ليست في المعرفة ولا جمع المعلومات ولا حتى بسمع الآذان الخارجية التي منها ينتقل الكلام للعقل، بل المشكلة في الأُذن الروحية الداخلية التي تسمع قول الرب: اذْهَبْ إِلَى هَذَا الشَّعْبِ وَقُلْ: سَتَسْمَعُونَ سَمْعاً وَلاَ تَفْهَمُونَ، وَسَتَنْظُرُونَ نَظَراً وَلاَ تُبْصِرُونَ (أعمال 28: 26) فالإنسان حينما تكون آذان قلبه مغلقة على قول الله، لا يستطيع أن يفهم كلماته، وتصبح عسيرة الفهم جداً، ربما يفهمها على مستوى الحسيات والجسديات لكنه لن يستطيع أن يبلغ لقوة الله التي تحملها فيها، وهذا هو سبب الضلال: فَأَجَابَ يَسُوعُ: أَلَيْسَ لِهَذَا تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلاَ قُوَّةَ اللَّهِ؟ (مرقس 12: 24) فالإنجيل قوة الله للخلاص: لأني لست استحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي أولاً ثم لليوناني (رومية 1: 16)، فأن لم أنال قوة الله للخلاص من إنجيل الحياة، فكيف لي أن أحيا في شركة القديسين في النور وأفهم كلام الله واعرف مشيئته وأتبعه للمنتهى. لذلك نجد معجزتين في الكتاب المقدس
قليل ما نلاحظهما وهو أولاً شفاء الأخرس الأصم: وَجَاءُوا إِلَيْهِ بِأَصَمَّ أَعْقَدَ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ. فَأَخَذَهُ مِنْ بَيْنِ الْجَمْعِ عَلَى نَاحِيَةٍ وَوَضَعَ أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَتَفَلَ وَلَمَسَ لِسَانَهُ. وَرَفَعَ نَظَرَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ وَأَنَّ وَقَالَ لَهُ: «إِفَّثَا». أَيِ انْفَتِحْ. وَلِلْوَقْتِ انْفَتَحَتْ أُذْنَاهُ وَانْحَلَّ رِبَاطُ لِسَانِهِ وَتَكَلَّمَ مُسْتَقِيماً. فَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ. وَلَكِنْ عَلَى قَدْرِ مَا أَوْصَاهُمْ كَانُوا يُنَادُونَ أَكْثَرَ كَثِيراً. وَبُهِتُوا إِلَى الْغَايَةِ قَائِلِينَ: «إِنَّهُ عَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ حَسَناً! جَعَلَ الصُّمَّ يَسْمَعُونَ وَالْخُرْسَ يَتَكَلَّمُونَ!» (مرقس 7: 32 – 37) أما المعجزة الأخرى والهامة للغاية
حينما فتح آذان التلاميذ: وَقَالَ لَهُمْ: «هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ». حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. (لوقا 24: 44 – 45)
وهنا علينا أن نُلاحظ انفتاح الذهن الروحي من أجل الفهم، لأن هذه معجزة لا بُدَّ من أن تتم فينا كلنا بلا استثناء، لأنها معجزة عامة لكل من يؤمن إيمان حي بشخص المسيح الرب، لأن بدون أن يفتح الله بنفسه الذهن للسمع والعين للرؤيا فستظل كلمته مغلقه علينا ولن نفهمها في معناه الروحي كحاملة لقوة الله، لأن أن لم تمسنا قوة الله ونلبسها لبساً فأننا سنظل نشكو حالنا ونحيا تحت ضعف دائم مستمر، من تيه لضلال، ومن سقوط لسقوط، ولن نفهم مشيئة الله في حياتنا وبالتالي لن نسير في الطريق الصحيح، بل ولن تنفتح أفواهنا ونتكلم باستقامة مع الله فنسبح ونمجد ونشكر جلاله ونستطيع أن نسجد بالروح والحق، مختبرين الوجود في حضرته، لذلك مكتوب في الأمثال: + يَا ابْنِي إِنْ قَبِلْتَ كَلاَمِي وَخَبَّأْتَ وَصَايَايَ عِنْدَكَ. حَتَّى تُمِيلَ أُذْنَكَ إِلَى الْحِكْمَةِ وَتُعَطِّفَ قَلْبَكَ عَلَى الْفَهْمِ. إِنْ دَعَوْتَ الْمَعْرِفَةَ وَرَفَعْتَ صَوْتَكَ إِلَى الْفَهْمِ. إِنْ طَلَبْتَهَا كَالْفِضَّةِ وَبَحَثْتَ عَنْهَا كَالْكُنُوزِ. فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُ مَخَافَةَ الرَّبِّ وَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللَّهِ. لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ. يَذْخَرُ مَعُونَةً لِلْمُسْتَقِيمِينَ. هُوَ مِجَنٌّ لِلسَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ. لِنَصْرِ مَسَالِكِ الْحَقِّ وَحِفْظِ طَرِيقِ أَتْقِيَائِهِ. حِينَئِذٍ تَفْهَمُ الْعَدْلَ وَالْحَقَّ وَالاِسْتِقَامَةَ: كُلَّ سَبِيلٍ صَالِحٍ. إِذَا دَخَلَتِ الْحِكْمَةُ قَلْبَكَ وَلَذَّتِ الْمَعْرِفَةُ لِنَفْسِكَ. فَالْعَقْلُ يَحْفَظُكَ وَالْفَهْمُ يَنْصُرُكَ. لإِنْقَاذِكَ مِنْ طَرِيقِ الشِّرِّيرِ وَمِنَ الإِنْسَانِ الْمُتَكَلِّمِ بِالأَكَاذِيبِ. (أمثال 2: 1 – 12) فيا إخوتي اصحوا للبرّ، واستيقظوا وانتبهوا لكلمة الله، وعليكم أن تعلموا أن مَلَكُوتَ اللهِ لَيْسَ بِكَلاَمٍ بَلْ بِقُوَّةٍ (1كورنثوس 4: 20)، فلا معنى أن نعرف الكتب وكلام الله وندرسه ونتكلم به ونعظ ونكرز وننشر أبحاث وكتب، وحياتنا خالية من قوة الله، ولم نتذوق بعد عمق الشركة مع الله بالروح، ولم نفهم بعد قصد الله في حياتنا الشخصية وتأصلنا في حياة الشركة مع القديسين في النور، فاحذروا لئلا تنخدعوا بالمعرفة، لأن اليهود وحراس العقيدة انخدعوا ولم يعرفوا المسيا الذي ينتظرونه بل وظلوا يقاومونه بشدة، بل وكانوا سبب صلبه لأنهم أرادوا أن يتخلصوا منه بأي طريقة، وهذا يُظهر لنا خطورة المعرفة التي بلا خبرة، لأنها تجعل الإنسان أعمى أصم، لا يستطيع أن يتواصل مع الله بل ويرفض القديسين الحقيقيين.
وهذا نجده ظاهراً في هذه الأيام (سواء داخل الكنائس أو المنتديات أو على الفيسبوك.. الخ) من حب الجدل وحب المناقشة والفلسفة في الأمور الدينية، والمنازعات العقائدية، وكثرة الخصام بين الناس الذين يتكلمون في اللاهوت. كذلك الافتراء الواضح على أولاد الله والظنون الردية والشكوك في نواياهم، وتعليل ذلك بحجج منطقية وبآيات من الكتاب المقدس. كما أننا نجد مثل هؤلاء متمسكين بالشكليات الخارجية في العبادة، ويعيشون بالتزمت في الممارسات متجاهلين قوة الله، بل ولا يحتملون الحديث عن الحياة الداخلية ولا يستطيعوا أن يفهموها أبداً، ويرددون دائماً (إن هذا الكلام معروف ولا حاجة لأن نسمعه)، ويبدأ الإنسان – في تلك الحالة – يفقد التقوى أي حياة القداسة والبر والعفاف، ويحولها إلى تجارة، وكلام منمق. + إِنْ كَانَ احَدٌ يُعَلِّمُ تَعْلِيماً آخَرَ، وَلاَ يُوافِقُ كَلِمَاتِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الصَّحِيحَةَ، وَالتَّعْلِيمَ الَّذِي هُوَ حَسَبَ التَّقْوَى (كلام شخص المسيح يتجه دائماً نحو الحياة الداخلية، فيُعبِّر عن الداخل ويُظهر حالة القلب) فَقَدْ تَصَلَّفَ، وَهُوَلاَ يَفْهَمُ شَيْئاً، بَلْ هُوَ مُتَعَلِّلٌ بِمُبَاحَثَاتٍ وَمُمَاحَكَاتِ الْكَلاَمِ الَّتِي مِنْهَا يَحْصُلُ الْحَسَدُ وَالْخِصَامُ وَالاِفْتِرَاءُ وَالظُّنُونُ الرَّدِيَّةُ، وَمُنَازَعَاتُ أنَاسٍ فَاسِدِي الذِّهْنِ وَعَادِمِي الْحَقِّ، يَظُنُّونَ انَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ. تَجَنَّبْ مِثْلَ هَؤُلاَءِ. (1تيموثاوس 6: 3 – 5) ومن هنا نُدرك سر المشاحنات والانقسامات بين الناس وبعضها، وهذا كله بسبب عدم الفهم الناتج من انغلاق عين الذهن الداخلية والذي أدى – طبيعياً – لعدم القدرة لسماع كلام الله وإدراك قوته كخبرة وحياة، فانغلق الإنجيل وصار مكتوماً في كثيرين، وبالطبع السبب هو الشخص نفسه، بكونه لا يُريد أن ينفتح على الله بل يُريد ذاته: وَلَكِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُوماً، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تُضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله؛ وَهَذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. (2كورنثوس 4: 3، 4؛ يوحنا 3: 19) + ألعل الحكمة لا تنادي والفهم ألا يُعطي صوته؛ لي المشورة والرأي، أنا الفهم لي القدرة؛ من هو جاهل فليمل إلى هُنا، والناقص الفهم قالت له؛ اتركوا الجهالات فتحيوا وسيروا في طريق الفهم. (امثال 8: 1، 14؛ 9: 4، 6)
(كلمة في الختام)
نحن حقاً ننظر في مرآة في لغز ونعرف شكل جزئي، إلا أن الذي يُعلن أعماق كل الأشياء يرسل شعاع الحق في قلوب الذين يسألونه معرفة صحيحة حسب التقوى ليفهموا ما هي مشيئة الله في حياتهم وتدبيره الخلاصي. فيا ليتنا نركع أمام الله ونقول "أنر عيني لئلا أنام نوم الموت" (مزمور 12: 53)، لأن الأعمى الذي لا يُبصر شعاع مجد الله، فهو لا يسمع ولا يحس كالميت في القبر، ونحن نسقط ونبتعد عن الحياة عندما نفشل في أن نتبع قول الله ونصغي بآذان قلبنا ونجعل عقولنا تبتعد عن نور الحق والحياة بسبب غلق مسامعنا، غير سالكين طريق الإيمان الحي الذي فيه تمسنا قوة الله. لذلك مكتوب: اليوم ان سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم (عبرانيين 4: 7)
|