دراسة عامة ليست متخصصة في القانون الكنسي - الجزء الرابع مفهوم مصطلح علماني - علمانيين
كُتب : [ 02-26-2011
- 03:13 PM
]
تابع (2) طبيعة الكنيسة وأساس قيامها (ب) الكنيسة شعب وإكليروس – الفرق ما بين لفظة العلماني والشعب
[ المسيحي الحقيقي : رعية مع القديسين وأهل بيت الله – عضواً مكرماً في الكنيسة الجامعة ]
أولاً : معنى كلمة علماني
هناك كثير من المسميات والمصطلحات الكنسية التي يُساء فهمها داخل الكنيسة ووسط شعب الله ، والسبب يا إما استخدام بعض هذه الكلمات والمصطلحات في الصحف العامة والكتابات الأدبية المختلفة بمعنى آخر غير معناها الكنسي السليم ، أو بسبب ضياع المفهوم الكنسي الصحيح نتيجة لتراكم عدم التعليم بها وإهمالها والتركيز الدائم على التأملات والتي تخلو من أي مصطلح لاهوتي أو كنسي مع الإهمال بالتعليم الليتورجي والذي منه تنطلق دائماً الكنيسة بالشرح والتفسير ، ومن ضمن هذه المصطلحات الهامة والتي تؤثر سلباً علينا جميعاً وتجعلنا منفصلين عن الكنيسة ونظن أن كل فئة مستقلة بذاتها عن الأخرى هو مصطلح [ علماني ] ، وهو مصطلح معروف عند كل الناس ، ودخل الكنيسة بمفهوم [ الإنسان الذي ليس من ضمن الإكليروس وليس له رتبه كنسية ] ، ومن هذا المفهوم ظن الكثيرين أن ليس لهم أي علاقة بالشأن الكنسي لأنهم علمانيين مفصولين عن الإكليروس ولا علاقة لهم بهم إطلاقاً إلا في حدود الطقس ورئيس ومرؤوس !!! وهذا خطير وكفيل أن يحرم الكنيسة من وحدتها الإلهية في الجسد الواحد الغير منفصل عن بعضه البعض قط !!!
ولكي نتفادى الأحاديث العقيمة التي تسبب دائماً الخلافات والانقسامات داخل الكنيسة سنعود للمفهوم الصحيح للشعب ونفرق بين اللفظتين وأهمية عودة دورنا كشعب الله الخاص وليس علمانيين [ بالمفهوم العام للكلمة ] في داخل الكنيسة ...
أولاً : لم نرى مصطلح علمانيين عند آباء الكنيسة ولا في داخل القداس الإلهي يصلي من أجل العلمانيين ، بل يقال في القداس الإلهي [ شعبك وكنيستك ] كألفاظ مرادفة ومكملة لبعضها لبعض [ شعبك – كنيستك ] ، بالرغم من أن أحياناً نادرة تُستخدم عند البعض الكلمة (علماني- علمانيين) ويقولها قلة قليلة في القداس الإلهي خطأ بالرغم من ندرة حدوث ذلك والنسبة تكاد تقرب من الصفر أو تكاد تكون معدومة ...
ثانياً : معنى مصطلح [ علماني ] ومفهوم العالم حسب الكتاب المقدس باختصار وإيجاز :في الحقيقة أن لفظ كلمة [ علماني ] باللغة اليونانية κοσμικὁς [ كوزميكوس Kosmikos ] هو مشتق من كلمة κοσμος [ العالم Kosmos ] التي تعني التعبير الأساسي لنظام العالم وهي تضم هذه المعاني [ تنظيم العالم – العالم – الأكوان – سكان الأرض – البشر عموماً ] وأحياناً تعني على نحو تخصصي [ النظام الخاص بالعالم ] سواء بصفة عامة أو على نحوٍ خاص مثل : [ تنظيم الحياة في المجتمع المدني – الدستور – القانون ... الخ ... ] ، وتعني كلمة علماني باللغة اليونانية [ عالمي دنيوي أرضي ] وهو المنسوب إلى العالم ، وهذا مخالف للواقع المسيحي الكنسي ، فشعب الله عامة أي المسيحيون وإن كانوا يعيشون في العالم [ ويستخدمون ما فيه ويعيشوا في المجتمع ويستخدمون هيئته مثل باقي الناس ] لكنهم في عمق حياتهم الروحية ودعوتهم السماوية لملكوت الله [ ليسوا من العالم ] : [ لو كنتم من العالم لكان العالم يحب خاصته ، ولكن لأنكم لستم من العالم بل أنا اخترتكم من العالم لذلك يبغضكم العالم ] (يوحنا 15: 19) ، لذلك تتحاشى الكنيسة أن تستخدم في صلواتها كلمة علماني ولا تقل أذكر يا رب كل علماني بل تقول شعبك ، لأننا شعب الله الخاص المولودين ولادة خاصة من الله أي من فوق ، من عالم آخر وهو عالم سماوي ، لأننا مولودين من فوق من الماء والروح ونسبنا الحقيقي هو نسب سماوي وليس نسب أرضي من لحم ودم وعند استعلان مجيئة سنكون مثله في المجد وتظهر ملامحه فينا ونذهب إليه ونلتصق به لأننا منه وبه وله : [ أما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم و لا من مشيئة جسد و لا من مشيئة رجل بل من الله ] (يوحنا 1: 12 - 13) ؛ [ الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا إننا أولاد الله ] (رو 8 : 16) ، [ أنظروا أية محبة أعطانا الآب حتى نُدعى أولاد الله من أجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه ] (1يو 3 : 1) ، [ أيها الأحباء الآن نحن أولاد الله و لم يظهر بعد ماذا سنكون و لكن نعلم أنه إذا أُظهر نكون مثله لأننا سنراه كما هو ] (1يو 3 : 2) ...
ولنا أن نعلم – لكي يستقيم الكلام – أنه بالرغم من أن المؤمنين بالمسيح الرب يستخدمون ما في العالم من أشياء ويعيشوا فيه ويخضعوا لقوانينه الدستورية والمدنية ولكنهم لا يخضعوا لأساليب العالم وقيمه الخاصة ، ويظلوا يعيشون فيه لأنهم لم يؤخذوا من العالم ولهم واجبات فيه ونحوه [ أنا قد أعطيتهم كلامك و العالم ابغضهم لأنهم ليسوا من العالم كما إني أنا لست من العالم. لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير . ليسوا من العالم كما إني أنا لست من العالم. قدسهم في حقك كلامك هو حق. كما أرسلتني إلى العالم أرسلتهم أنا إلى العالم ] (يوحنا 17: 14 – 18) [ ثم كلمهم يسوع أيضاً قائلاً أنا هو نور العالم من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة ؛ أنتم نور العالم لا يمكن أن تُخفى مدينة موضوعة على جبل و لا يوقدون سراجاً و يضعونه تحت المكيال بل على المنارة فيضيء لجميع الذين في البيت ، فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة و يمجدوا أباكم الذي في السماوات ] (يو 8 : 12)؛ (مت 5 : 14 - 16)
والمسيحيين الحقيقيين هم مُطعمين في الكرمة الحقيقية أي هم في المسيح يسوع ربهم ثابتين كأغصان حية في الكرمة الحقيقية [ إثبتوا في و أنا فيكم ، كما أن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا في . أنا الكرمة و انتم الأغصان الذي يثبت في و أنا فيه هذا يأتي بثمر كثير لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا. إن كان أحد لا يثبت في يُطرح خارجاً كالغصن فيجف و يجمعونه و يطرحونه في النار فيحترق . إن ثبتم في و ثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم. بهذا يتمجد أبي أن تأتوا بثمر كثير فتكونون تلاميذي. كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا اثبتوا في محبتي. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي كما إني أنا قد حفظت وصايا أبي و اثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم و يكمل فرحكم. هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم ] (يوحنا 15 : 4 – 12)
فوضع المسيحي الحقيقي في العالم ، ليس وضع المنتسبين إليه ويعيشون تحت سلطان رئيس العالم ، بل هم جماعة تخص المسيح الرب أي شعبه [ كما سوف نشرحها فيما بعد بالتفصيل ] وبمقدورهم أن يبنوا في هذا العالم الحاضر وفي الزمان الذين يعيشون فيه ، إيمانهم الحي بوصية المحبة الجديدة وممارستهم لها بكل إخلاص من يحب الرب ويتنسب إليه بحياة التبني في المسيح يسوع ، لأن طاعتهم تدل على ولائهم للمنتسبين إليه ويتبعونه بكل قلويهم أي الله الثالوث القدوس الحي :
[ وصية جديدة أنا أعطيكم أن تحبوا بعضكم بعضاً ، كما أحببتكم أنا تحبون أنتم أيضاً بعضكم بعضاً. بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضاً لبعض - إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي - أجاب يسوع و قال له أن أحبني احد يحفظ كلامي و يحبه أبي و إليه نأتي و عنده نصنع منزلا - انتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به. لا أعود اسميكم عبيدا لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي. ليس انتم اخترتموني بل أنا اخترتكم و أقمتكم لتذهبوا و تأتوا بثمر و يدوم ثمركم لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي. بهذا أوصيكم حتى تحبوا بعضكم بعضا. ] (أنظر يوحنا 13: 34 – 35 ، يوحنا 14: 15، 23 ؛ يوحنا 15: 9 – 7)
وبذلك يكون شعب الله واولاده ظاهرين [ بهذا اولاد الله ظاهرون و أولاد إبليس، كل من لا يفعل البر فليس من الله و كذا من لا يحب أخاه ] (1يو 3 : 10) ؛ [ بهذا نعرف اننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله و حفظنا وصاياه ] (1يو 5 : 2)
والكنيسة تحذرنا في القداس الإلهي بصوت الإنجيل [ لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم ] : [ لا تحبوا العالم و لا الأشياء التي في العالم أن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم شهوة الجسد و شهوة العيون و تعظم المعيشة ، ليس من الآب بل من العالم. و العالم يمضي و شهوته و أما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد ] (1يوحنا 2: 15 – 17) ...
فنحن – كشعب الله – مهتمون بألا نستسلم لسلطان هذا العالم الزائل [ العالم يمضي وشهوته تزول (الآية السابقة) - و الذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه لأن هيئة هذا العالم تزول (1كو 7 : 31) ] لأننا نخضع لمشيئة الله ونسير وفق التدبير الإلهي المُعلن لنا في الإنجيل لأن هذه هي مشيئته [ أما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد ] ، لذلك فأن كل من يحب العالم [ أي الذي يحب أن يعيش وفق شهواته ورغباته من شهوة جسد وشهوة عيون وتعظم معيشة وبغضة أخيه وقتله بروح الخصومة التي تنبع من الشرير ] ليس له نصيب في محبة الله المقدمة له ، ومن ثم ليس باستطاعته أو في مقدرته أن يحب حسب وصية الله في المسيح يسوع !!!
_______________
ومن هذا التوضيح العام والموجز جداً نستطيع أن نفهم لماذا مصطلح علماني لا يُستخدم في الصلوات الكنسية ولا يُطلق كلفظ لاهوتي كنسي على المسيحيين ، ولكن ليس معنا كلامنا أننا نتهم أحد بالخطأ في هذا القول ، لأن الخطأ لا يقاس بالكلام الذي يتداول بين الناس بعدم فهم أو يُطلق بلا قصد ووعي تعليمي واضح ، بل الخطأ هو الذي يقال عن قصد ووعي وتأكيد وإصرار بالرغم من معرفة المعنى وبهدف زعزعة الإيمان أو عثرة الناس ليرتدوا عن عمل الله أو بهدف أن ينفصلوا عن الكنيسة .... فليس كل من يقول أي قول غير صحيح كنسياً أصبح مُلام إطلاقاً ...
بل هذا المصطلح (علماني) ما هو إلا تعبير انتشر بين الشعب (خطأ) للتفرقة ما بين كل من له رتبه كهنوتية أو رهبانية وبين الإنسان الذي لم ينال موهبة الكهنوت أو لم يدخل في الرهبنة .... وسوف نشرح في الجزء القادم معنى مصطلح [ شعب – أي الأعضاء المكرمة في الكنيسة الجامعة – عضو الشعب المرسوم – رتبة البنوة : [ يا الله الذي سبق فوسمنا للبنوة بيسوع المسيح ربنا كمسرة إرادتك ] (القداس الكيرلسي) ]
_______________________________
للدخول على فهرس الموضوع أضغط هنــــــــــا
التعديل الأخير تم بواسطة aymonded ; 02-26-2011 الساعة 03:52 PM
|