الأبُ الروحيُّ والإعتراف
أخيرًا حانت الساعة ُ المباركة . َفعلى الرغم من اعتراضاتي الكثيرة، أن أقف أمام الأب
المعرِّف . لا أعرف بماذا أشعر . بكلِّ تأكيد، أشعر بالحيرة. وَأخَذ جسدي كلُّه يتصبَّب عرًقا
باردًا. فقلتُ دعْني أطلبُ المسامحة وأغادر. ففكَّرتُ في نفسي قائلا: "كم
بذلتُ من الجهدِ لأَصِل
إلى هنا؟ "لا لن يصيرَ كما يريدُ الشيطان".
لاحظ الأبُ الروحيُّ اضطرابي، َففِهمَ الموضوعَ وقال لي: "لا تضطربْ يا بنيّ. هنا، إلى حيثُ جئتَ ستهدأُ وسيخفُّ حملُك. اعتبرْ نفسَكَ محظوظا لهذا القراِر المبارك. ستتأكَّدُ من الموضوع لاحًقا، لذلكَ علينا ألاَّ نضيِّعَ الوقت".
تشجَّعتُ وقد أراحتْني هيئتُه. ومن دونِ أن أفهمَ، دخلتُ معَه في الحديثِ وشعرتُ
للحظةٍ أنَّني كنتُ أعرفُه من زمنٍ بعيد. وأحسستُ أنَّه أقربُ إليَّ من أيِّ صديقٍ آخر. من تلك
اللحظة، صارَ أبًا لي. فقلت: "الآن، أستطيعُ أ ْ ن أتكلَّمَ بحرِّيَّةٍ، َفَقدْ حُلَّ لساني، وتشجَّعت".
وقلتُ له: "يا أبتاه منذُ وقتٍ طويل، كنتُ أطلبُ هذه اللحظة وها الله قد وهبني إيَّاها.
َ كلِّمُوني عن السرِّ الذي يُخلِّص، قولوا لي إذا كان اللهُ يستطيعُ أن يغفرَ خطاياي، أكِّدوا لي أنَّه
في رحاب كنيستِنا المقدَّسة، توجدُ زاويةٌ لي أنا أيضًا. أريدُ أ ْ ن أخلص، ساعدوني، وأنا سأعملُ
كلَّ ما تقولونَه لي".
َفهمَ الأبُ الروحيُّ أنَّ أمامَه يوجدُ شابٌّ مفعمٌ بالمشاعر. نفسٌ تطلبُ الخلاصَ وخروفٌ ضائع.
كلُّ إنسانٍ، يعيشُ بعيدًا عن نعمةِ الله، هو ضائعٌ بالكليَّة. ولكنْ كاَن يوجدُ أمامَه
شخصٌ ذو معرفةٍ كبيرةٍ، لأنَّه يعرفُ ماذا فعل وماذا أراد. هذه كلُّها لم تكن انفعالاتِ اللحظة .
كان مُصمِّمًا أن يدنوَ من الأب الروحيِّ. والآن، أتتْ ساعةُ النعمة، ساعةٌ استغلَّها بطريقةٍ جيِّدة.
بعدئذٍ، شرعَ الأبُ الروحيُّ يحادثُ النفسَ التائبة عن محبَّة الله، وعن الفرح الذي يعم السماءَ في هذ ا اليوم بالذات، "فرحٌ عظيمٌ يكون ُ في السماءِ بخاطئٍ واحدٍ يتوب " (لو ١٥.(٧ :
"تذكَّرْ أنَّ اللهَ غفرَ للِّصّ، وللزانية، وللعشَّاِر ولتلميذِه الذي نكرَه". قا َل أمورًا كثيرة.
وكانتِ النفسُ التائبةُ تستمعُ وما كانت تتكلَّم. سمِعَتْ من الأِب الروحيِّ أنَّ اللهَ شفوقٌ
ورحيم، طويلُ الأناةِ وكثيرُ الرحمةِ وإلهٌ حقٌّ (مز ١٠٢ )، وأنَّ أحضاَن اللهِ مفتوحةٌ وينتظر. كانتِ النفسُ تسمعُ بصمتٍ ذارفة الكثيرَ من الدموع.
بعدَ ذلك ، بدأت أعترف بخطاياي بتأثُّر ٍ كبير، وقد جاءَ دورُ الأ ب الروحيِّ ليسمع بانتباه .
كانتِ الكلماتُ تتقطَّعُ من كثرةِ الدموع، دموِع الانسحاق والتوبة.
هذه الدموعُ كانت سببًا ليَسردَ َ لي الأبُ الروحيُّ القصَّة التعليميَّة التالية:
"ذاتَ مرَّة، أرسل الله ملاكه إلى الأرض وأوصاه أ ن يُحضرَ له أثمنَ شيءٍ يجده. فصار الملاكُ في حيرةٍ من أمره. أخذ قطرَة دمٍ من الجنديِّ الذي كان يخدمُ وطنَه وإيمانَه
وأحضرَها إلى اللهِ الآب. فقا َل له الله: إنَّ الدمَ المهراقَ من أجِل الوطن والإيمانِ ثمين،
ولكن ليسَ هذا ما أريد. فنزَل الملاكُ مجدَّدً ا إلى الأرض، واقتربَ من ربِّ عائلةٍ يعتني
بكرم العنب ليُعيل عائلتَه. أخذ قطرًة من عَرَقِهِ وصعدَ ﺑﻬا إلى الله. فقا ل له السيِّد:
العرقُ الذي يفقدُه الإنسانُ من أجل عائلتِه ثمين، ولكنْ ليسَ هذا ما أريد. وهكذا،
كرَّر الملاكُ العمل ذاته مرَّاتٍ كثيرة، محضرًا من الأرض ما هو ثمين بحسب رأيه ، ولكنَّ الله لم يُسرَّ بأيِّ شيء
في المرَّةِ الأخيرة ، ذهب إلى الصحراء، فسمع تنهُّدات . اقترب من الصخرة، فألفى هناك مجاهدًا يبكي مصعِّدًا الزفراتِ ويلومُ نفسَه. إذَّاك، أخذ دمعة وأحضرَها أمام الله.
فسُرَّ الله، لأنَّ هذا ما كان يطلبُه."
وعندما أﻧﻬى القصَّة، قا ل لي: "يريدُ الله هذه الدموعَ الثمينَة التي تذرفُها، ليسَ منك
فقط، بل منِّي أنا أيضًا ومن كلِّ خاطئ". وحالما قرأ لي صلاَة الحّل، غادرتُ تاركا عندَه
"الإنسان العتيق"
(أف ٤.(٢٢ :
وتابعَ الأبُ الروحيُّ عمَله المقدَّس. لكنَّه ، لم ينسَ أن يضع اسمَ هذه النفس التائبة -
التي ائتمنَه الله عليها- على قائمةِ من يصلِّيلهم باستمرارٍ بمسبحتِه.
دير رقاد والدة الإله – حمَطوره
٢٠١٠