تذكرنــي
التسجيل التعليمـــات التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة
يمكنك البحث فى الموقع للوصول السريع لما تريد


  †† ارثوذكس †† > كل منتدايات الموقع > الكتاب المقدس > دراسات وأبحاث في الكتاب المقدس

دراسات وأبحاث في الكتاب المقدس كل من له تامل او دراسة فى سفر من اسفار الكتاب المقدس يكتب هنا للاستفادة والتعليم

مشاهدة صفحة طباعة الموضوع مشاهدة صفحة طباعة الموضوع أرسل هذا الموضوع إلى صديق أرسل هذا الموضوع إلى صديق


هدية روحية، تفسير انجيل متى البشير الطاهر الذي يتلى في الاحد الواقع قبل ميلاد المسيح

تفسير الانجيل مأخوذ من كتاب بهجًةُ الفُؤاد في تفسَير الاناجيل الآحاد كتاب يشتمل على تفسير جميع الفصول الانجيلية التي تتلى في الكنائس الأورثوذكسية على مدار السنة. ويلي كل فصل عظة

اضافة رد

 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

رقم المشاركة : ( 1 )
kcart1
ارثوذكسي جديد
kcart1 غير متواجد حالياً
 
رقم العضوية : 10069
تاريخ التسجيل : Dec 2007
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 1
عدد النقاط : 10
قوة التقييم : kcart1 is on a distinguished road
افتراضي هدية روحية، تفسير انجيل متى البشير الطاهر الذي يتلى في الاحد الواقع قبل ميلاد المسيح

كُتب : [ 12-22-2007 - 12:09 AM ]


تفسير الانجيل مأخوذ من كتاب بهجًةُ الفُؤاد في تفسَير الاناجيل الآحاد
كتاب يشتمل على تفسير جميع الفصول الانجيلية التي تتلى في الكنائس الأورثوذكسية على مدار السنة. ويلي كل فصل عظة أدبية.
تأليف العلامة السعيد الذكر نيكيفوروس ثيوطوكي مطران استراخان واسطفروبوليوس في روسيا سابقا وقد عربه الخوري يوحنا حزبون خادم الكنيسة الأورثوذكسية في يافا وأستاذ اللغة العربية في مدرسة المصلية اللاهوتية وغطاس بطرس قندلفت مدير المدرسة الأورثوذكسية الكبرى بدمشق.



ليس احدٌ من المؤرخين عند ذكره نسبة احد من البشر قد ارتقى في تلك النسبة صاعداً بمقدار ما ارتقى الانجيليان متى ولوقا عندما حررا جدول نسبة يسوع المسيح، فمتّّى قد ابتدأَ بتلك النسبة من ابراهيم ونزل بها حتى وصل الى يسوع المسيح، واما لوقا فقد ابتدأَ من يسوع المسيح وارتقى بنسبتهِ حتى بلغ الى اللّه، فلذلك عند تلاوتك هذه النسبة يظهر لك انك تشاهد سُلَّم يعقوب ابى الاباءِ، فان سُلَّم يعقوب كانت ملائكة اللّه يصعدون عليها حتى السماءِ وينزلون حتى الارض، كذلك النسبة الانجيلية فان اجداد المسيح يصعدون بها حتى يبلغوا الى الله وينزلون بها حتى يصلوا الى يسوع المسيح نفسهِ الذي تأنس على الارض، ومن المعلوم ان يسوع المسيح لهُ ولادتان احداهما الهية من ابٍ بدون أُمّ، والاخرى انسانية من أُمّ بدون ابٍ، فاما الولادة الالهية فقد رسمها لوقا كارزاً بالمسيح يسوع ابناً لله بقولهِ "بن انوش بن شيت بن آدم ابن الله" (لوقا38:3)، واما الولادة الانسانية فقد ذكرها متى في تعليمهِ ما يتعلق بولادتهِ من بتول فقال "اما ولادة يسوع المسيح فهكذا كانت" (مت18:1)، ففي هذا اليوم الذي هو الاحد الواقع قبل عيد ميلاد المسيح قد تُليت نسبة يسوع المسيح حتى اننا عند سماعنا اياها نتهَيأُ لنعيد كما يليق بالله لميلاد مخلَصنا الالهي، ولا يخفى ان تفسير هذه النسبة مما يزيل كل صعوبة ظاهرة فيها ويجعل ما فيها من المعاني المقدسة والسرية مفهومة فيسرُّ قلوب السامعين ويحرك فيها عاطفة العشق الالهي والميل الى الفضيلة، فطوبى لمن يسمع هذه الاقوال بما يجدر بها من الاصغاءِ والورع،

كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم
(مت1:1)


أَسمعت هذا اللقب الفائق الشرف وهذا العنوان العجيب "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم" فاذا سأَل سائل ماذا يدعى كتاب انجيل متى، اجبناهُ انهُ يدعى "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن ابراهيم" ولكن لماذا اورد كلمة ميلاد في المتن اليوناني بلفظة γενέσεως لا بلفظة γεννήσεως لان لفظة γενέσεως هي اجمع للمعاني واعمُّ من لفظة γεννήσεως فانها تدل ليس على الميلاد فقط بل على الافعال والسيرة والحياة والموت، فكما ان موسى النبي بقولهِ "هذا كتاب مواليد البشر" (تك1:5) (بلفظة γενέσεως) قد اوضح ان كتاب الخمسة الاسفار الذي الفهُ يشتمل على مواليد البشر الذين كانوا في غابر الازمنة وعلى افعالهم وحياتهم وموتهم كذلك متى البشير بقولهِ "كتاب ميلاد يسوع المسيح" (بلفظة γενέσεως) قد ابان ان الانجيل الذي أَلفه يشتمل على ولادة يسوع المسيح وحياتهِ وتعليمهِ وآلامهِ وموتهِ وكل ما يتعلق بهِ، واما يسوع فمعناهُ في اللغة العبرانية مخلص وبما انهُ مخلص العالم فلذلك دُعي يسوع، واما لفظة المسيح فمعناها الممسوح، لان يسوع بصفة كونهِ انساناً قد مُسح لا بزيت ماّدي كما كان الكهنة والملوك يمسحون، بل بالروح القدس كما سبق فتنبّأََ عنهُ اشعيا قائلا "روح الرب عليًّ الذي لاجلهِ مسحني" (اش1:61)، وقد دعا البشير يسوع المسيح ابناً لداود وابراهيم بحسب كونهِ من نسلهما فان منهما حقييقةً كان اصل والدة الاله الفائقة القداسة التي منها اتخذ المسيح جسداً وصار انساناً، وقد قدَّم داود على ابراهيم لان داود كان اقرب الى يسوع المسيح واكثر كرامةً من ابراهيم، وبما ان الانبياءَ قد سبقوا فتنبَّاوا انهُ مزمع ان يتجسد من نسل داود، ولا سيما ان داود نفسهُ قد اوضح ان الله اكَّد له بقسم انهُ سيصعد الذي من ثمرة بطنهِ على كرسي العظمة في السماوات فقد قال "حلف الرب لداود حقَّا ولا يخلف انهُ من ثمرة بطنك اجعل على كرسيك" (مز11:31) ولما كان البشير قد وضع عنواناً كهذا في صدر انجيلهِ المقدس وقد جرت عادة جميع المؤرخين الذين يدوّنون بتدقيق تاريخ احد الناس ان يبدأُوا اولاً باجدادهِ وبعد وصف ما يتعلق بولادتهِ يشرحون كل ما يتعلق بهِ، فلذلك قد شرع متى في كلامهِ بذكر اجداد يسوع المسيح على التوالي مبتدئاً من ابراهيم ولد اسحق، واسحق ولد يعقوب ويعقوب ولد يهوذا واخوتهُ (مت2:1وتك3:21و26:25و35:29)، وقد ابتدأَ بنسبة يسوع المسيح من ابراهيم بما انهُ اول اجداد العبرانيين الذين منهم ولد المسيح واول انسان "حُسب ايمانهُ برًّا" (رومية9:4) ولهُ اولاً قد اعطى الله المواعيد اذ وعدهُ بان بهِ اي بالمسيح المخلص الذي سيولد من نسلهِ يتبارك جميع قبائل الارض فقد قال الله لهُ "وابارك مباركيك والعن لاعنيك ويتبارك بك جميع قبائل الارض" (تك3:12)، وقد اورد البشير اسم يهوذا فقط مغفلاً اسماءَ اخوتهِ لان من سبطهِ تجسد وولد المسيح كما سبق ابو الاباءِ يعقوب وتنبًّأَ عنهُ قائلاً "يهوذا شبل اسد من فريسةٍ جثم وربض كشبلٍ فمن ذا ينهضهُ" (تك9:29)، ثم حقق الرسول ذلك بقولهِ "فانهُ واضح ان ربنا قد اشرق من يهوذا" (عب14:7)، ثم استطرد البشير كلامه في سلسلة اعقاب يهوذا قائلاً

ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار، وفارص ولد حصرون وحصرون ولد ارام، وارام ولد عميناداب، وعميناداب ولد نخشون ونخشون ولد سلمون
(مت4و3:1)

لماذا يا ترى قد اورد ليس فقط فارص والد حصرون وجد من يتلوهُ من الاعقاب بل ذكر اخاهُ زارح ايضاً، ذلك لانهما كليهما كانا توأَمين وما حدث في ولادتهما كان رسماً لامرٍ الهي، فانهُ لما حانت ساعة ولادتهما اخرج زارح يدهُ اولاً واذا بصرتها القابلة ربطتها على الفور بخيط احمر اما هو فجذبها مع الخيط الاحمر الى الوراءِ ثم خرج فارص وولد اولاً، فهذا كان دلالة على الحقيقة الاتية وهي كما ان يد زارح ظهرت قبل ولادة فارص كذلك قد ظهر الايمان الانجيلي قبل الناموس لان جميع القديسين الذين قبل الناموس قد تزكوا بواسطة الايمان بالمسيح وليس بواسطة الناموس، ثم ان ابراهيم واسحق ويعقوب والصديقين الذين قبل الناموس قد سلكوا بمقتضى الانجيل، وعندما اعطي الناموس انكفأَت السيرة الانجيلية بمثابة يد زارح، وبعد ولادة فارص خرج زارح مع شارة الخيط الاحمر، اعني اشرق الايمان الذي خُتم بدم يسوع المسيح، وقد ذكر امَّهما ثامار ايضاً وان كانت قد ولدتهما بالاثم لكي يعلمنا ان شرور الاجداد لا تحول دون ارضاءِ الله تعالى،

وسليمان ولد بوعز من راحاب، وبوعز ولد عوبيد من راعوث، وعوبيد ولد يسًّى ويسَّى ولد داود الملك، وداود ولد سليمان من التي لاوريَّا، وسليمان ولد رحبعام، ورحبعام ولد ابيَّا وابيَّا ولد آسا
(مت1و3و6و7) (وراعوث21:4) (ايام اول24:12) (2مل24:12) (3مل45:14و21:14و8:15)

قد ذكر البشير ثلاثاً من النساءِ وهنَّ راحاب وراعوث والتي لاوريَّا اعني بتشبع، فراحاب هي راحاب نفسها الغريبة الجنس والزانية التي قبلت عندها في اريحا جاسوسي العبرانيين فخلَّصها هؤلاءِ وعاشت معهم، وقد ذكرها النبي والملك داود بقولهِ "اذكر راحاب وبابل اللتين تعرفانني" (مز3:76)، واما راعوث فكانت هي ايضاً من قبيلة غريبة اعني من المؤابين وقد تركت ديانتها ووطنها وانسباءَها وآمنت بالالهِ الحقيقي واتحدت مع اليهود فاتخذها بوعز امرأَةً لهُ، واما بتشبع فهي امرأَة اوريا التي فسق بها داود وتسبَّب بقتل زوجها، وبعد ذلك اظهر للخطأَة مثال التوبة الحقيقية، وقد ذكر البشير راحاب وراعوث لكي يوضح ان عند الله "ليس يهوديٌّ ولا يونانيٌّ ليس عبدٌ ولا حرٌّ، وليس ذكرٌّ وانثى" (غل28:3)، بل جميع الذين يتقدمون اليهِ يحُسبون واحداً بالذات، وكما ان راحاب قد خلصت بقبولها الجواسيس وراعوث لما تركت عبادة آبائها استأهلت ان تصير جدَّة للمسيح هكذا كنيسة الامم بقبولها الرسل وتركها عبادة الاوثان قد استأَهلت الخلاصِ، واما بتشبع فقد ذكرها لكي يعلمنا قوَّة التوبة ويوضح انها تمحو الخطية محواً تاماً حتى ان الخاطىء التائب لا يحُسَب خاطئاً بل باراًّ،

وآسا ولد يهوشافاط، ويهوشافاط ولد يورام، ويورام ولد عوزيَّا وعوزيَّا ولد يواثام، يواثام ولد آحاز، وآحاز ولد حزقياَّ، وحزقياَّ ولد منسى، ومنسى ولد آمون، وآمون ولد يوشياَّ
(مت8:1و9و10) (واايام10:3و13)

ان عوزيَّا هو الملك الذي تجاسر بان يبخّر في الهيكل فاصابهُ البرص (2ايام19:26)، وكان لهُ اسمان لانهُ كان يدعى ايضاً عازاريًّا، واعلم ان عوزيَّا او عازاريَّا لم يكن ابن يورام بل حفيدهُ الثالث (4مل1:15)، لان عوزيَّا او عازاريَّا كان ابن امصيا بن يواش ويواش بن اخزيا بن يورام (1ايام11:3و12)، فمن ذلك يظهر جليَّا ان متى البشير قد اغفل ثلاثة اسماءِ اي اسم اخزيا واسم يواش واسم امصيا وذلك إِمَّا لانهم كانوا مشهورين في الكفر وفي الشر كما يشهد بذلك الكتاب المقدس (4مل27:8)، او لاجل كفرهم وشرورهم كانت اسماؤُهم محذوفة من جداول الانساب العبرانية، او لان البشير قد تحَّرى عمداً ان يؤّلف الثلاثة اربعة عشر جيلاً من ابراهيم الى المسيح،

ويوشيَّا ولد يكنيا واخوته في سبي بابل
(مت11:1) (ايام5:3و6)

هنا ايضاً قد اهمل متى الشريف اسم يواكيم لان يكنيا لم يكن ابناً بل حفيداً ليوشيَّا كما يشهد بذلك سفر الايام بقولهِ "وبنو يوشيَّا البكر يوحانان والثاني يواكيم والثالث صدقيا والرابع شلوم" (وهو يوآحآز نفسهُ) وابنا يواكيم يكنيا ابنهُ وصدقيا ابنهُ (1ايام16:15)، فقد اغفل اسم يواكيم لانهُ لم يملك لا بحسب الشريعة ولا بحسب العادة لان فرعون نخو قد نقل اخاهُ يوآحاز ملك اورشليم الشرعي الى مصر فمات هناك (2ايام2:36و3)، واقام يواكيم هذا ملكاً بعد ان غير اسمهُ الذي كان قبلاً الياقيم، واليك ما ورد في سفر الملوك بهذا الشان "وملَّك عليهم فرعون نخو الياقيم ابن يوشيا ملك يهوذا عوضاً عن يوشَّيا ابيهِ وغير اسمهُ الى يواكيم واخذ يوآحاز وجاءَ بهِ الى مصر فمات هناك" (4مل24:23)، وقد أُجلى العبرانيون الى بابل مرتين، فالجلاءُ الاول كان على عهد يواكيم بن يوشَّيا والثاني بعد ذلك بمدة قليلة من الزمان على عهد يكنيا (4مل1:24و16)، وهذا هو الجلاءُ الرسمي (2ايام2:36و10)، لان نبوخذناصر نقل وقتئذٍ من اورشليم الى بابل الوفاً كثيرة من اليهود مع الملك يكنيا المدعو ايضاً يواكيم،

وبعد سبي بابل يكنيا ولد شلاتئيل، وشلاتئيل ولد زربابل
(مت12:1) (1ايام17:3) (عزرا2:3و8و2:5)

بما ان يكنيا قد ارتقى الى العرش الملوكي وهو في السنة الثامنة من عمرهِ وقد ملك ثلاثة اشهر فقط، وبعد ذلك نقلهُ نبوخذناصر مع جمهور من الشعب الى بابل ومات هناك (4مل3:25وايام اول17:3)، فيتضح جلياً انهُ قد ولد شلاتئيل بعد الجلاء وهو في بابل وكذلك شلاتئيل ولد زربابل، اما زربابل فانهُ رجع الى اورشليم وبنى مذبح الله (عزرا2:3و8)

وزبابل ولد ابيهود، وابيهود ولد الياقيم، والياقيم ولد عازور وعازور ولد صادوق، وصادوق ولد اخيم، واخيم ولد اليود، واليود ولد اليعازر، واليعازر ولد متَّان ومتَّان ولد يعقوب (مت13:1و14و15)

ان العبرانيين كان لهم جداول انساب مدققة لكنهنتهم كما يشهد بذلك يوسيفوس فلافيوس، ويؤَيد ذلك سفر عزرا الذي يظهر منهُ انُ بعد رجوع اليهود من بابل بما ان بعض المتكهنين لم يوجدوا مدونين في تلك الجداول منعوهم عن الخدمة الكهنوتية، وقد ذكر عزرا "انهُ لما طُلبت اسماؤُهم في قيود الاحصاءِ العام ولم توجد فُصلوا من خدمة الكهنوت (عزرا29:5)، فمَّتى الشريف قد اخذ الاسماء التي قبل ابيود من الكتاب المقدس، واما الاسماء التي من ابيود فما بعدهُ فاما انهُ قد تناولها من تلك الجداول اما انها كانت معروفة عندهُ بالتقليد او تلقنها من الروح القدس فاثبتها لاتمام النسبة من ابراهيم الى يسوع،

ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح
(مت16:1)

ان هذه الاقوال تولد امامنا ثلاثة مشاكل، الاول لماذا اما متى فدعا ابا يوسف يعقوب واما لوقا فدعاهُ هالي، والثاني لماذا هذان البشيران كلاهما عندما بسطا نسبة يسوع قد ذكرا نسبة يوسف كما لو كان يوسف اباهُ بالجسد حقيقةً، والثالث لِمَ هذا الاختلاف العظيم المشاهد في نسبتي المسيح المذكورتين من متى ومن لوقا وهو اختلاف ليس فقط في الاسماءِ بل في عدد الاعقاب ايضاً، فالمشكل الاول يتيسر لك حلُّهُ متى تفطنت بان ابا يوسف وغيرهُ من الناس كثيرين كان لهم اسمان فكان ابو يوسف يسمى يعقوب وهالي، وانهُ كان احدهما بحسب الطبيعة والاخر بحسب الشريعة، لان الناموس الموسوي قد حدد انهُ اذا مات رجل وليس لهُ ابن يتخذ اخوهُ امراتهُ زوجةً لهُ، والولد الذي يولد منها يحسب ابناً للمائت (تث5:25و6)، واما المشكل الثاني فتحلُّهُ اذا تأَملت اولاً بانهُ ليس فقط العبرانيون بل الامم ايضاً بحسب العادة الجارية لا يدخلون النساءَ في النسبة، ثانياً ان العبرانيين الذين كانوا منقسمين الى اثني عشر سبطاً كانوا يتخذون نساءَهم كل واحد من سبطهِ وليس من سواهُ، ثالثاً ان الخطبة كانت تحسب زواجاً وان لم يجتمع الخطيبان بشركة الزواج، ولذلك ترى الانجيلي يدعو يوسف رجلاً لمريم الدائمة البتولية، رابعاً ان الانجيليين كليهما قد قصدا ان يمثلا ان يسوع المسيح يتصل نسبهُ بابراهيم وانهُ اتخذ جسداً من سبط يهوذا وهكذا فعلا، لانهما بايرادهما نسب يوسف قد حافظا على العادة الجارية وتمما مقصدهما وذلك لان والدة الاله الفائقة القداسة التي منها اتخذ المسيح جسداً قد كانت مخطوبة ليوسف فكانت من سبط يوسف نفسهِ لا من سبط آخر، اعني من سبط يهوذا، ومن ثمَّ فبايرادهما نسب يوسف قد اوردا نسب مريم الدائمة البتولية نفسها ايضاً، واما لاجل حل المشكل الثالث فاعتبر ما ياتي، اولاً انهُ في ذلك الزمان كان بعض الناس لهُ اسمان وبعضهم لهُ ابوان كما ذكرنا قبلاً فترتب على ذلك ما نراهُ في انساب الكتاب المقدس من اختلاف الاسماءِ، ثانياً ان متى لم يتبع دائماً سلسلة النسبة من الاب الى الابن بل كان يتخطى احياناً من الاب الى الحفيد والى الحفيد الثالث مُغفلاً ما بينهم من الاسماءِ كما راينا في ما تقدم، وفضلاً عن ذلك كان يوجه نظرهُ بالاحرى الى الذين كانوا يملكون بالخلافة اكثر مَّما الى البنين الذين كانوا يولدون بحسب السلالة الطبيعية، واما لوقا فقد اَّتبع سلسلة النسب الطبيعي من الاب الى الابن، ثالثاً ان متى ينسب يوسف من سليمان، واما لوقا فمن ابن اخر لداود اسمهُ ناثان (مت7:1ولو31:3)، ويؤَيد هذا التفسير غريغوريوس النزينزي وافسافيوس اسقف قيسارية،

فجميع الاجيال من ابراهيم الى داود اربعة عشر جيلاً، ومن داود الى سبي بابل اربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل الى المسيح اربعة عشر جيلاً
(مت17:1)

يلوح ان البشير الالهي عن قصد وتعُّمد قد اراد ان يورد ثلاثاً ويكرر ثلاثاً العدد اربعة عشر، لانهُ في الاربعة عشر الثانية اي التي من داود الى جلاءِ بابل وان كان قد اغفل ثلاثة اسماءِ وهي اسم أُحزيا واسم يواش واسم اماسيا واغفل اسم يواكيم ايضاً وبالتالي لم يبقَ الا ثلاثة عشر اسماً فقط فان اسم يكنيا قد ذكر في الاربعة عشر الثالثة فمع ذلك قال ايضاً بدون تبديل او تغيير "من داود الى سبي بابل اربعة عشر جيلاً" وبما انهُ لا يمكننا ان نصدّق ان البشير قد تحّرى كتابة الثلاثة اربعة عشر باطلاً وبدون غاية فمن المرجح ان العدد اربعة عشر وتكرارهُ ثلاثاُ هو امرٌ سريٌّ يدلٌّ على امور الهية، فغريغوريوس الثاولوغوس لما لاحظ في نسبة يسوع المسيح الواردة في بشارة لوقا الانجيلي بان المسيح هو السابع والسبعون من آدم انشأَ مقالتهُ التي في عيد الخمسين حيث اوضح كل ما يتعلَّق بالعدد سبعة وبالعدد السابع والسبعين من آدم الى المسيح، ومع كونهِ لم يذكر شيئاً عن الثلاثة اربعة عشر الواردة في بشارة متى فقد جعل لنا وسيلة لكي نفهم ما ياتي وهو، ان العدد سبعة يدل ايضاً على الفراغ من اعمال الرب كما قال الكتاب "وفرغ الله في اليوم السابع من كل اعمالهِ التي عملها" (تك2:2)، وكما ان عمل الله هو ابداع العالم فكذلك اعادة ابداعهِ هي من اعمالهِ، فاعادة الابداع حصلت بتدبير التجُّسد الخلاصي، وعليه فقد قال مخلصنا "العمل الذي اعطيتني لاعمل قد اكملتهُ" (يو3:17)، ولما كان معلَّقاً على الصليب قال "قد أُكمل" (يو30:19) فما هو الامر الذي قد أُكمل، فمن الواضح انهُ عمل الخلاص فالله سبحانهُ لهُ عملان عمل ولادة العالم وعمل اعادة العالم وبالتالي لهُ ايضاً فراغان من هذين العملين، وبما ان مضاعف العدد سبعة يكون اربعة عشر فلذلك يدُّل العدد اربعة عشر على هذين الفراغين، وقد كرر البشير العدد اربعة عشر ثلاثاً مشيراً بذلك الى فراغ الثالثوث الكلي قدسهُ من هذين العملين، وبعدما سرد نسب ولادة المسيح بحال سريَّة بهذا المقدار شرع يشرح ما يتعلق بولادة المخلص بغير زرع قائلاً

امّا ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا، لما خُطبت مريم امُّه ليوسف فمن قبل ان يجتمعا وجدت حُبلى من الروح القدس
(مت18:1)

لاسباب ثلاثة قد سُرَّ الله بان تُخطب مريم الدائمة البتولية ليوسف، اولاً لكي تنجو من خطر الموت لان العذراء التي كانت توجد حبلى بدون ان يكون لها رجل كان قصاصها الموت (تث23:22و24)، فالخطبة كانت تجعل الناس يظنون ان المخطوبة انما حبلت من خطيبها وهكذا كانت تنجو من الخطر، ثانياً لكي يُستدل عند ايراد نسبة المسيح انهُ مولود من جنس ابراهيم ومن سبط يهوذا، وهذا لا يمكن ان يكون بحسب العادة الجارية ما لم تكن العذراءُ مخطوبة لرجل من سبط يهوذا، ثالثاً لكي يخدم يوسف الخطيب بدون شبهة رديئة في ضروريات المسيح المولود، ولا سيما عندما يضطهدهُ هيرودس، وقد فُضِّل يوسف لهذه الخدمة على جميع الناس لانهُ كان يفوق جميع الناس في الفضيلة، فانظر بكم من الدقة قد ابان البشير الولادة التي بغير زرع ولادة الام الفائقة القداسة فقد قال "لما خُطبت مريم امُّهُ ليوسف" فالخطبة ليست بزواج وان كانت قد حسبت بمثابة زواج، ولكي لا يظن احد انهُ وان كانت الخطبة غير الزواج فقد اجتمع يوسف بالبتول، اضاف الى ذلك قولهُ "من قبل ان يجتمعا وجُدت حُبلى" على انهُ لم يكتفِ حتى ولا بهذا ايضاً لاجل شبهة خلسة الزواج التي خالجت قلب يوسف نفسهِ بل ازال كل ريبة وشبهة بقولهِ "وجُدت حُبلى من الروح القدس" اي انها قد حبلت بقوة وفعل الروح الكلي قدسة والكلّية قدرتهُ

واذ كان رجلها صدّيقاً ولم يشأ ان يشهرها همَّ بتخليتها سراًّ
(مت19:1)

ان كلمة صديق او بار تدل على الانسان الذي لم يظلم احداً، وتدل ايضاً على من كان مملؤًا من كل فضيلة كما قيل في الكتاب المقدس عن نوح وايوب ويوسف ايضاً (تك9:2 وايوب1:1)، اما فضائل يوسف فهي وداعتهُ وحلمهُ ومحبتهُ للقريب وغيرتهُ على ناموس الله وفطنتهُ، فانهُ قد اشتبه بالزنا ولكنهُ بوداعتهِ وحلمهِ احتمل العار الموهوم، فلو دفع البتول القديسة الى المحاكم لصارت عبرةً للهوان والقصاص، لان قصاصها كان الموت (تث22:22)، فمحبتهُ للقريب قد صدَّتهُ عن عمل كهذا، وغيرتهُ على شريعة الله الجأَتهُ الى تخليتها كزانية، فلو صرفها من عندهِ علانيةً لكان ذلك كافئاً لشجبها، على ان الفطنة التي فيهِ علَّمتهُ طريقةً تقوية وممدوحة، فمن جهةٍ لم يشأ ان يشهرها ويكشف خطيئَتها الموهوبة ومن جهة اخرى لم يشأ ان يعيش معها "فهمَّ بتخليتها سرًّا" اي اراد ان يطلقها بطريقة خفيَّة، هذا ما ارتآهُ يوسف الصديق ولكن اسمع ما دبرت عناية الله التي اقامتهُ حارساً للبتول وخادماً للمسيح الذي وُلد منها

وفيما هو متفّكِرُ في هذا الامراذا بملاك الرب ترآءَى له في الحلم قائلاً يا يوسف ابن داود لا تخف ان تاخذ مريم امراتك فان المولود فيها هو من الروح القدس
(مت20:1)

لماذا دعا الملاكُ يوسفَ ابن داود، لكي نعلم ان العذراءَ المخطوبة لهُ كانت هي ايضاً من سبط داود، فنتحقق ان ابن الله الوحيد قد اتخد جسداً من زرع داود بحسب سابق اقوال الانبياءِ القديسين، ولماذا قال ليوسف لا تخف، لان يوسف كان خائفاً مخالفة الشريعة فكان يهمّ بتخلية البتول القديسة ولذلك شجعهُ قائلاً، لا تخف مخالفة الشريعة فيما لو اخذت امرأَتك، وقد دعاها امرأَتهُ تعمُّداً لكي يحقق لهُ انها نقَّية ومنزهة عن الدنس، فكانهُ قال لهُ لا تخف مخالفة الناموس لانها لم تحبل من رجل بل من قوًّة الروح القدس

وستلد ابناً فتدعو اسمه يسوع لانه يخلص شعبه من خطاياهم
(مت 21:1)

دونك المعنى الحقيقي لاسم يسوع الذي لم يوضحه انسانٌ بل ملاك الرب فقد قال الملاك ليوسف ان مريم ستلد ابناً واما انت فتسميهِ يسوع، لانهُ هو المخلص شعبهُ، اي المخلص جميع جنس البشر، لانهُ سيخلص جميع الذين يؤمنون بهِ من خطاياهم

وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب، بالنبي القائل، هوذا العذراء تحبل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيرهُ الله معنا
(مت22:1)

انهُ وان قال قومٌ ان هذه الاقوال ليست للملاك بل للانجيلي، فقولهم هذا لا يحتمل التصديق بالنظر الى سياق الكلام، لانهُ لو كانت هذه الاقوال من مقولات الانجيلي الذي هو نفسهُ يقول " وهذا كلهُ كان" لكان من لازم الضرورة ان نفهم ان رؤيا الملاك ايضاً التي ظهرت ليوسف قد سبق فتنَّأَ بها النبيُّ والحال اننا لا نرى نبوة كهذه لا في الاقوال النبوية السابقة ولا في موضع آخر، والحاصل ان هذه الاقوال والتي قبلها هي للملاك، فالملاك قد تابع سياق حديثهِ فقال ما معناهُ، اعلم يا يوسف ان هذا كلهُ، اعني الولادة بغير زرع، والحبل من الروح القدس واسم ابن مريم قد كان لكي يتم كلام الله الذي تكلَّم بهِ بفم النبي اما النبي فهو اشعيا، واما كلام الله الذي تكلَّم بهِ فهو هذا "فلذلك يعطيكم الرب نفسهُ آيةً، هوذا العذراءُ تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمهُ عمانوئيل"، (اش14:7)، فاشعيا قد اورد كلام الله على هذا المنوال، واما الملاك فقد فسَّر اسم عمانوئيل قائلاً ان معناهُ "الله معنا" فاذا كان العبراني عن مكر واحتيال يقول، ان اشعيا لم يقل العذراءَ بل الفتاة، وان المسيح لم يُسَمَّ عمانوئيل بل يسوع، فجاوبهُ قائلاً ان السبعين مترجماً الذين ترجموا كلمة اشعيا العبرانية بلفظة عذراءَ كانوا اوسع علماَ من هذا المعترض الماكر، وان اشعيا لكي يوضح ان عذراءَ تلد المسيح قال "فلذلك يعطيكم الرب نفسهُ آيةً" اعني معجزةً واعجوبةً، فالاعجوبة تكون معجزة، ليس عندما تلد امرأَةٌ لان ذلك امرٌ طبيعي، بل عندما تلد عذراءُ، فان هذا امرٌ يفوق الطبيعة، ولم يحدث قط الاَّ في ولادة المسيح، واما من جهة اسم يسوع فجاوبهُ قائلاً، ان الاسم عمانوئيل لهُ نفس الدلالة التي للاسم يسوع، لانهُ عندما يكون الله معنا، فهو يكون حينئذٍ مخلصنا ونحن نكون مخُلَّصين، اما انت فتأَمل بحكمة اقوال الملاك لانهُ ارشد يوسف بالتدريج وهَّيأَهُ، لاقتبال الايمان بالسرّ الغامض، فلم يقل لهُ من اول وهلة ان مريم هي عذراءُ وتلد لئلاَّ يضطرب عند سماعهِ هذه الاقوال، بل قال لهُ اوَّلاً انها حبلت بقوة الروح القدس، ثم اظهر ان الذي سيولد منها هو مخلص العالم، وبعد ذلك علَّمهُ ما يتعلق بالبتولية وبالمولد البتولي مثبتاً اقوالهُ بكلام الله الذي سبق فكرز بهِ النبي اشعيا، واسمع ما فعل يوسف عندما سمع من الملاك هذه الاقوال

فلما نهض يوسف من النوم صنع كما امرهُ ملاك الرب فاخذ امراته، ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر ودعا اسمه يسوع
(مت22:1و25)

ان يوسف لم يداخلهُ الريب لما سمع وهو نائِم اموراً كهذه مستغربة ورأَى الملاك في الحلم، لان نعمة الله قد افاضت على قلبهِ طمأْنينةً عظيمةً جداً حتى انهُ لما نهض من النوم لم يخالجهُ ادنى شك وارتياب بكون ملاك الله قد كلَّمهُ بل آمن وايقن وصنع كل ما أَمرهُ واوصاهُ بهِ، اعني انهُ اخذ العذراءَ القديسة معتنياً بها وخادماً اياها بكل اجتهاد وورع، ولما ولدت مخلص العالم فحينئذٍ حسب وصية الملاك سماهُ يسوع، واعلم انهُ كما ان لفظة "حتى" في قولهِ "لم يرجع الغراب الى التابوت حتى نضب الماءُ عن الارض" (تك7:8)، وفي قولهِ " ها انا معكم كل الايام حتى انقضاءِ الدهر" (مت20:28)، وفي قولهِ اجلس عن يميني حتى اضع اعداءَك موطئاً لقدميك" (مز1:108)، تدل على الاستمرار والدوام، لان الغراب لم يرجع البتة الى التابوت، ويسوع لم ينفصل قط عن الرسل ولم يسقط قط عن السدَّة التي عن يمين الله ابيهِ، فهكذا قولهُ "ولم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" يدل على ان يوسف لم يعرف البتول القديسة قط، بل استمرت بتولاً قبل الولادة وفي الولادة وبعد الولادة وعلى الدوام، وعند سماعك كلمة البكر لا يخطر ببالك ان والدة الاله الفائقة القداسة قد ولدت اولاداً آخرين، لان كلمة البكر في هذا المقام لا تدل على شىءٍ آخر الاَّ على المولود اوَّلاً والوحيد كما يستفاد ذلك ايضاً من قولِه "بكر كل الخليقة" (كول15:1)،

عظة

على انجيل متى البشير الطاهر الذي يتلى في الاحد الواقع قبل عيد ميلاد المسيح


في كيفية تدبير التجسد الخلاصي وفي سقوط وقيام الكثيرين


ان اوصاف يسوع المسيح التي اعلنها الملاك ليوسف هي بهية، وابهى منها اوصافهُ التي اعلنها رئيس الملائكة جبرئيل الى مريم البتول القديسة، فاذا قابلت ما قالهُ الملاك ليوسف مع الاقوال التي اعلنها رئيس الملائكة الى البتول ترى ان بشائر رئيس الملائكة قد اوضحت لاهوت يسوع المسيح باجلى بيان، ولعمري ان هذا ليس بالامر المستغرب، لانهُ بمقدار ما كانت قداسة والدة الاله تسمو على فضيلة يوسف، بهذا المقدار كانت البشائر الموجَّهة اليها تفوق ما بُشّر بهِ ذاك، فالملاك قد تراءَى ليوسف في الحلم ونفى عنهُ خوف الخطيئَة قائلاً "يا يوسف ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأَتك" (مت20:1)، واما رئيس الملائكة فوقف امام البتول فيما كانت مستيقظة وجلا عن نفسها خوف الخديعة بقولهِ "لا تخافي يا مريم" (لو30:1)، ثم اخبرها ايضاً بالنعمة التي وجدتها امام الله، "لانك قد وجدتِ نعمةً عند الله" فنفى عنها الخوف بل نفى الحزن ايضاً وجلب لها الفرح قائلاً "افرحي يا ممتلئَة نعمةً" (لو28:1)، وكرز باتحاد الله مع البشر اذ قال "الرب معكِ" وبشر بالبركة قائلاً "مباركة انتِ في النساءِ"، ثم تأَمل كيف ان حَّواءَ الام الاولى الجسدية لاجل خطيئَتها قد سمعت قولهُ "ملعونة الارض باعمالك"، واما مريم الام الروحية فلاجل فضيلتها السامية تقبَّلت ترياق الحزن وهو الفرح وبلسم اللعنة وهو البركة اذ قال لها الملاك "افرحي يا ممتلئة نعمةً، الرب معكِ، مباركة انتِ في النساءِ"، ان الملاك قال ليوسف بايجاز، انهُ بقوة الروح القدس قد حُبل بالمسيح في بطن امهِ "فان المولود فيها هو من الروح القدس" (مت2:1)، واما رئيس الملائكة فقد اوضح للبتول باسهاب عمل التجسُّد الالهي قائلاً، ان السرَّ العظيم سرَّ تجسد الكلمة قد اكمل ليس بحلول الروح القدس فقط بل بقوة الله الآب ايضاً فقط قال "الروح القدس يحلُّ عليكِ وقوة العلي تظللك" (لو35:1)، وقد نطق الملاك باسم المسيح قائلاً "وستلد ابناً فتدعو اسمهُ يسوع" (مت21:1)، وهذا ما قالهُ رئيس الملائكة لكَّنهُ اضاف اليهِ هذا "هذا يكون عظيما وابن العلي يُدعى ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيهِ، ويملك على بيت يعقوب الى الابد، ولا يكون لملكهِ نهاية" (لو32:1و33)، واخيراً قال ان هذا هو القدوس، وهذا هو ابن الله "فلذلك القدوس المولود منكِ يدعى ابن الله" (لو35:1)،
فالمولود اذاً من البتول هو الداحض الخطيئة، والطارد الحزن، والمانح الفرح، والموزع البركة, والمعطي النعمة هو يسوع مخلُص العالم، الذي بحلول الروح القدس وبقوة الله الاب حُبل بهِ في بطن امّهِ وولد متخذاً منها جسداً، هذا هو العظيم ابن العلي ملك الدهور ذو الملك الذي لا نهاية لهُ، هذا هو القديس، هذا هو ابن الله، هذا هو الاله والانسان، فهذه هي صفات يسوع المسيح البهَّية التي صورها الملائكة القديسون، هذه هي شهادات القوات السماوية، التي بها شُهد بلاهوت يسوع المسيح قبل ان يولد، الشهادات التي تفرح القلب وتملا نفوس البشر من رجاءِ الخلاص، فاذا كان ابن الله الوحيد قد نزل من اوج مجدهِ الالهي الى حضيض المسكنة البشرية وهو الهٌ حقيقي " افرغ ذاتهُ متخذاً صورة عبدٍ" (فيل7:2و9)، فقد اتخذ الاسم " الذي يفوق كل اسمٍ" اي يسوع الذي معناهُ مخلَّص، وقد اتي "الى العالم لا ليدين العالم بل ليخلص بهِ العالم" (يو17:3)، وقد حاءَ الى العالم "ليخلّص الخطأَة" فافرحوا ايها الشعوب وابتهجوا فقط اشرق فرحٌ وابتهاجٌ وخلاصٌ لجميع البشر الذين في العالم، قد انمحت الخطيئة وبطل الحزن وانحلَّت اللعنة وازهرت البركة، قد أُغلق باب الجحيم وفتح باب فردوس النعيم، فجميعنا مُخلَّصون وجميعنا للملكوت السماوي وارثون، على انهُ وانا في وسط هذا الفرح قد طرق مسمعي صوت رجلٍ صدّيق ومتوشح بالروح اعني بهِ سمعان الشيخ الذي أُعلن لهُ من الروح القدس "انهُ لا يُعاين الموت قبل ان ينظر مسيح الرب" (لو26:2)، فهذا لما ابصرهُ كظفل وتقبلَّهُ على ذراعيهِ وقال " الآن تطلق عبدك ايها السَّيد حسب قولك بسلام" (لو29:2)، التفت اذ ذاك نحو مريم امُهِ وقال هذه الاقوال المستحقة الذكر "هوذا هذا قد جُعل لسقوط وقيام كثيرين في اسرائيل ولعلامةٍ تُقاوم" (لو34:2)، وقد قال "لعلامةٍ تُقَاوم" لان مقاومة او بالاحرى مخالفة هذه العلامة هي واضحة جلياً، فان يسوع في السماءِ تعبدهُ الملائكة بما انهُ ضابط الكل، وهو نفسهُ على الارض مدرج بالاقماط كطفل، هو حاضر في كل مكان بما انهُ غير محدود، وهو في الهيكل محمول على ذراعي سمعان كمحدود، هو في احضان الآب فوق، وعلى ذراعي الامم اسفل، هو ازليٌّ وفي زمن، فازليٌّ بما انهُ مساوٍ في الازلَّية للآب الازلي، وفي زمن بما انهُ قد وُلد من أُمٍ "لما حان كمال الزمان" (غلا4:4)، هو غير منظور بما انهُ روح، ومنظور بما انهُ جسد، هو غير ملموس وملموس، غير مقترب اليهِ ومقترب اليهِ، وهو نفسهُ الهٌ وانسانٌ معاً، فهذه العلامة المُخاَلفة التي هي مقُاوَمة بالنظر الى قوة الانسان ومعرفتهِ وميلهِ، ولا مقاومة فيها البَّتة بالنسبة الى قدرة الله الكلَّية وحكمتهِ وصلاحهِ،
لكن كيف هو نفسهُ قد وضع لسقوط ولقيام كثيرين، اعني كيف هو نفسهُ يكون علةً للسقوط وللقيام، الجواب انهُ جلَّ شانهُ ليس عَّلةً للعثار، وليس من شانهِ ان يعرقل احداً، بل بما انما هو نور العالم فهو يُنير الجميع لكي ينهضوا من ظلمة الالحاد ومن وهدة الخطيئة، فالشمس عندما تشرق تنشر اشعتها في كل مكان، فالذين يغمضون اعينهم لا يبصرون النور بل يلبثون في ظلام، فما هي يا ترى علَّة ظلامهم، أَالشمس التي تسطع وتنير الجميع على السواءِ، ام هم انفسهم الذين اغمضوا اعينهم لكي لا يبصوا النور، فمن الواضح ان علَّة ظلامهم ليست الشمس بل هم انفسهم لا يريدون ان يبصروا اشعة النور، الشمس عندما تشرق ترسل نورها الى كل مكان لكنَّ الذين في اعينهم مرضٌ اذا تفرَّسوا في النور ينالهم ضرر، فما هي علَّة الضرر يا ترى أَالنور او مرض الاعين، انهُ لواضح ان العلَّة هي مرض الاعين لا النور،
لقد اشرق في بيت لحم نور نعمة يسوع المسيح، فالولادة من امٍّ بتول والكوكب الساطع الضياءِ والغير العادي الذي ظهر فوق المغارة، ومجد الرب الذي اضاءَ حول الرعاة، والملاك الذي بشرهم بفرح عظيم واعلن لهم علامة المولود قائلاً " وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مُقمطاً مضجعاً في المذود" (لو12:2)، وجوق جند الملائكة القديسين السماوي المسبحين الله والقائلين "المجد لله في الاعالي وعلى الارض السلام وفي الناس المسَّرة" (لو14:2)، والملوك الذين في المشارق وقد اتوا وسجدوا لهُ وقدموا لهُ الهدايا الكريمة اي الذهب كانهُ الى ملك الكل، واللبان كانهُ الى اله غير مائت، والمرّ كانهُ الى انسان مائت، فهذه جميعها كانت انواراً اشدَّ بهاءً من النور الشمسي بما لا يقاس، ولما اشرق هو في اورشليم سطع نور تعليمهِ السماوي بهذا المقدار حتى ان نفس الذين أُرسلوا ليمسكوهُ تعجبوا قائلين "لم يتكلم انسانٌ هكذا مثل هذا االانسان" (يو46:7), وقد تلأْلأَ نور كثرة عجائبهِ المدهشة حتى تعجب الجموع قائلين "لم يظهر قط مثل هذا في اسرائيل" (مت33:9)، إِلاَّ ان الذين لاجل تهاونهم ورداءَة اطوارهم اغمضوا اعينهم ولم يشاؤُا ان يبصروا هذه الانوار الالهية لم يؤْمنوا بل لبثوا في ظلمة الإِلحاد ولذلك قد دينوا لان "من لا يؤْمن قد دين" (يو18:3)، وامَّا الذين قد تفرسوا فابصروا النور ولكنَّ بصائرهم كانت مظلمة من الكبرياءِ والحسد وسائر الاهواءِ الوبيلة، فقد اضروا بذواتهم ضرراً بليغاً وابدياً، لانهم فضلاً عن عدم ايمانهم قد اضطهدوا يسوع المانح النور وقضوا عليهِ بالموت، ولذلك ففي يوم الدينونة "سينظرون الى الذي طعنوهُ" (يو37:19)، فمن الواضح ان الذي اضَّر بهم انما هو نواياهم الرديئَة واهواؤُهم المهلكة وليس نور التجسد الفائق البهاءِ،
فمن هذا نعلم من هم الذين ينظرون هذا النور السماوي فينهضون ومن هم الذين يسقطون، اعني لمن يكون هذا النور للقيام ولمن يكون للسقوط، فلا غرو انه يكون قياماً للذين يؤْمنون وسقوطاً للذين لا يؤْمنون، قياماً للذين يحفظون وصايا المسيح الذي ولد من اجلنا، وسقوطاً للذين يحتقرون اوامرهُ الالهية، قياماً للتائبين وسقوطاً لغير التائبين،
نحن نؤْمن ونعترف بسر التجسد الالهي، فماذا عساهُ ان يكون لنا، أَسقوطاً ام قياماً نسقط يا ترى او ننهض اترانا مزمعين ان نعذَّب نحن ايضاً كالملحدين الذين لا يؤْمنون بل يحتفرون تجسُّد الكلمة، ان هذا الامر يتعلق بنعمة الله وباراداتنا، وبما ان النعمة تعطى بسخاءٍ على الدوام لجميع الذين يريدون خلاصهم، فمتى اردنا توازرنا النعمة فننهض ونخلص، فمتى فتحنا اعيننا نحن الحقيرين والاذلاءَ نحن الطين والتراب نحن ماكل الدود ونتانة الهواءِ وشاهدنا مبدع الخليقة وسيد كل المنظورات وغير المنظورات موضوعاً في مغارة حقيرة ومضجعاً في مذود البهائِم ومدرجاً بالاقمطة كطفل، وميزنا تنازله الالهي وتواضعهُ الفائق فمقتنا خطيئة الكبرياءِ وسلكنا دائماً بالتواضع مع الجميع ومتى تفرسنا بهِ ونظرنا انهُ حباًّ بنا نحن الخطأَة اعداءَهُ صار انساناً وكابد الصليب والموت، فاحببنا نحن ايضاً بعضنا بعضاً كما احَّبنا هو ومتى تفرسنا فيهِ وشاهدنا نور الفضائل الالهية التي فيهِ، واهتممنا بكل طريقة بان نقتفي اثارهُ فحينئذٍ يكون تدبير تجسدهِ قياماً لنفوسنا،
فيا ايها الرب المخلص المحب البشر جداًّ واله الرحمة، ان الجميع يتوقون الى الفضيلة، ان جميع الذين يؤْمنون بك يريدون ان يكونوا حافظين لاوامرك الالهية، لانهُ من هو الانسان الذي لا يريد الكرامة والمجد والملكوت التي تسببها الفضيلة، على ان ارادتنا ضعيفة فتغلبها اهواءُ الجسد وتفسدها اباطيل العالم وتغويها تجارب الشيطان "فانت يا رب العامل فينا بان نريد" (فيل13:2)، انت الذي احبنا محبة عظيمة وتواضع لاجلنا بهذا المقدار قوة ضعف ارادتنا وشددها في العمل وفي اتمام وصاياك الالهية، ولا يسمح بان تدبير تجسدك يصير لنا نحن المؤْمنين بك للسقوط في العذاب بل ارتضِ بان يكون لنا لقيام الحياة الابدية امين،



رد مع إقتباس
Sponsored Links
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 2 )
Team Work®
ارثوذكسي ذهبي
رقم العضوية : 2
تاريخ التسجيل : Oct 2008
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 15,720
عدد النقاط : 34

Team Work® غير متواجد حالياً

افتراضي

كُتب : [ 12-22-2007 - 01:13 AM ]


الموضوع كبير ومحتاج الى مراجعة على العموم سوف يتم الرد عليك فى اقرب فرصة

شكرا


رد مع إقتباس
بياناتي
 رقم المشاركة : ( 3 )
marcous
ارثوذكسي جديد
رقم العضوية : 29487
تاريخ التسجيل : May 2008
مكان الإقامة :
عدد المشاركات : 1
عدد النقاط : 10

marcous غير متواجد حالياً

افتراضي رد: هدية روحية، تفسير انجيل متى البشير الطاهر الذي يتلى في الاحد الواقع قبل ميلاد الم

كُتب : [ 02-18-2009 - 08:40 PM ]


شكراااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا ااااااااااااااااااااااااا اااااااااا


رد مع إقتباس

اضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اقرب, البشرية, الثالث, الامر, الرد, الرب, الروحية, العظيم, العالم, العذراء, السابع, المحب, المسيح, الموضوع, الله, الى, النور, الكنيسة, اليوم, خادم, رؤيا, جداً, جميع, على, عليك, عندما, ساعة, سلسلة, تكون, مطران, ماذا, مخلصنا, مذبح, موسى, مكان, قلوب, لماذا, هناك, وصية, ومحتاج, كبير, كلمة, يعقوب, يسوع, يتم, يقول, يوحنا, فى, فهذا, فيها

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفاسير إنجيل متى21- 1- دخول السيد المسيح إلى أورشليم هو طريق للقيامة Bible تفاسير الكتاب المقدس العهد الجديد 1 04-12-2020 04:20 PM
تاملات فى احداث اسبوع الالام فايز فوزى التأملات الروحية والخواطر الفكرية 1 04-09-2020 02:39 PM
* اختلاف توقيت صلب المسيح عند مرقس و يوحنا asmicheal مناقشات دينية وروحية 37 11-05-2011 12:33 PM
تفاسير إنجيل متى 10 Bible تفاسير الكتاب المقدس العهد الجديد 0 10-12-2011 07:51 PM

Rss  Rss 2.0 Html  Xml Sitemap SiteMap Info-SiteMap Map Tags Forums Map Site Map


الساعة الآن 03:40 PM.