حدث مرة أن أرسل شيوخ جبل البرنوج (أي نتريا) إلى أنبامقار يقولون له: ”سر إلينا لنشاهدك قبل أن تنصرف إلى الرب، ولا تضطر الشعبكله (أي الرهبان) إلى المجيء إليك“. فلما سار إلى الجبل اجتمع إليه الشعبكله (أي الرهبان) وطلب إليه الشيوخ قائلين: ” قُل للشعب كلمة، أيها الأب.“
فقال:
+ [ يا أولادي الأحباء، كثيرة هي أمجاد القديسين ،وينبغي أن نَغِير من أجلها، ونطلب معرفة تدبيرهم وعملهم، ونفتش لنعرف كيفاستحقوا الملكوت ونالوا النعيم في تلك الرتبة ]
وبعد أن دعمهم بالتعاليم الصحيحة والوصايا الأبوية، قاللهم:
” أيها الإخوة لِنَبْكِ ولتَسِلْ دموعنا من أعيننا الآن ، قبل أن نمضيإلى حيث تحرق دموعنا أجسادنا بدون نفع“. ثم بكى أنبا مقار، فبكى الكل معه ،وخروا على وجوههم قائلين: ”أيها الأب، صلِّ لأجلنا“.
نياحته:
وتقدَّم أنبا مقار في الأيام ، وشاخ جداً ، حتى بلغ سنهتسعين سنة. وفي المخطوطة القبطية يقول سيرابيون إنه عاش سبعة وتسعين سنة. كتب يقول:
[ وكان يحمله أولاده ، ويجلسونه في حوش قلايته ، وما كفعن صراع الشياطين ، وما كفَّت الشياطين عن الصراع معه ، حتى في هذه السن. ... وإلى وفاته كان متحفظاً جداً من السبح الباطل، كما أُمر من الكاروبيم. ونقص أيضاً ضوء بصره من كثرة السهر والتعب وطول السنين ، لأن حياته بلغتسبعة وتسعين سنة ، حتى بدأ يرقد على الأرض من كثرة ضعفه . وكان تلاميذهيحيطون به ، وكان يعزي كل واحد على قدر رتبته ويقول:
”الله يعلم أنني ماكتمت عنكم شيئاً، بل خاطبتكم دائماً بما أعلم أنه ينفع أنفسكم، وعملتبينكم على قدر قوتي، وكلفت نفسي دائماً حتى لا أصير سبباً لاسترخاء أحدمنكم، لا كبير ولا صغير، ولا نمت قط ليلة واحدة وفي قلبي غضب على أحدمنكم، ولا تعديت أعمال الله، ولا تجاوزتها، ولا نقضت محبتي لله، ولا محبتيلإخوتي المعروفين لله ولكل الخليقة، الرب يعلم ويشهد عليَّ؛ لأنه قال ليمرة: إنك يا مقارة لم تصل بعد إلى درجة أعمال المرأتين، لذلك كان تفكيريفيهما باستمرار، أما الظفر والغلبة التي نلتها على العدو فكانت بالقوةوالنعمة اللتين نلتهما من الله. فلا أذكر قط أني عملت شيئاً بقوتي بل كلما عملت من أشفية أو رحمة كان بيد قوة الله المقدسة. فاهتموا يا إخوتيبخلاص أنفسكم وتيقظوا لأني بعد قليل سأُوخذ منكم“.
وظل الأب مطروحاً على الحصير، لا يستطيع أن يقوم منالوجع الصعب، لأنه كان ملتهباً بالحمى كالنار. وفي اليوم السابع والعشرينمن برمهات ظهر له الكاروبيم، الذي كان معه منذ الابتداء، ومعه جمع كثير منالروحانيين، وقال له: ”أسرع وتعال فإن هؤلاء كلهم ينتظرونك“. (ويقصد بـ ”هؤلاء“ القديس أنبا باخوميوس أب رهبان دوناسة وآخرين جاءوا إليه ساعةنياحته). فصاح أنبا مقار بصوت خافت قائلاً: ”يا سيدي يسوع المسيح حبيبنفسي اقبل روحي إليك“. وأسلم الروح. ولم يكن في هذه اللحظة معه أحد إلاتلميذه ؛ فلما تسامع الإخوة خبر نياحته ، اجتمعوا من أطراف الجبل من الأربعةالأديرة ، باكين من أجل شعورهم باليُتم ، لأنه كان أباً لكل واحد منهم ،وتقلَّدوا منه جميعاً طريق مخافة الله.
واحتاطوا بالجسد في الكنيسةيتباركون منه، ويقبِّلونه. وصلوا جميعاً عليه، وقدموا القداس، واشتركواجميعاً، ثم حملوا الجسد الطاهر إلى المغارة التي بجوار البيعة، التي بناهاهو في حياته، ووضعوه هناك، وانصرفوا إلى قلاليهم بحزن عظيم ]
وكان ذلك حوالي عام 397م. حسب تحقيق المخطوطة.
حقاً، إن شخصية القديس مقاريوس زاخرة بعناصر إنسانية ينبغي أن يُقتدى بها
بركة صلوات القديس أنبا مقار الكبير فلتكن معنا. آمين.
للاستزادة من تفاصيل سيرة القديس مقاريوس الكاملة اقرأ:
* ”سيرة القديس أنبا مقار الكبير“، للأب متى المسكين، الطبعة الأولى 1989.
* ”الرهبنة القبطية في عصر القديس أنبا مقار“، للأب متى المسكين، الطبعة الثالثة (مزيدة) 1995، من صفحة 53 إلى صفحة 120.
* كتاب: ”بستان الرهبان“، طبعة دار النسخ والتحرير، جزء أول: من صفحة 14-29، وفي مواضع أخرى متفرقة من باقي الأجزاء.