السؤال الذي يدور في ذهن الكثيرين ويحيرهم جداً ، والإجابة قد تكون أحياناً منقوصة وأحياناً مشتته ، لذلك وجب علنا أن نضع السؤال ونضع الإجابة غير متكلين على رأينا الشخصي بل على تعليم الكتب المقدسة ، وشروحات الآباء القديسين الذين لم يخرجوا عن الوحي الإلهي ولا الكتاب المقدس لأنهم لم يعرضوا رأيهم الشخصي ولا مجرد بحث ذاتي ليثبتوا نظريه معينه أو يعلمونا من فكرهم الخاص ، بل سيقوا بالروح القدس الذي خضعوا له بالحب وثقة الإيمان وأعطوا إجابة من الوحي الإلهي بدقة عجيبة واضحة بلا فلسفة أو تعقيد ...
والسؤال هو :
(( هل يفارق الروح القدس الإنسان ساعة الخطية ويعود إليه في التوبة ؟ ))
وسوف نضع الإجابة للقديس مارفيلوكسينوس عن مقاله ( لا تطفئوا الروح ) الذي كتبه بالسريانية ، وقد قام بالترجمة من السريانية إلى العربية الأستاذ الدكتور سبستيان بروك Dr. Sebastian Brok ، أستاذ اللغات السامية والسريانية بجامعة أكسفورد . أما النص الأصلي الذي تمت الترجمة عنه فهو منشور في مجلة Le Museon 1960 ، التي تنشرها جامعة لوفان ببلجيكا . والنص باللغة السريانية وأمامه الترجمة الفرنسية . وقد اشترك في مراجعة الترجمة العربية للنص السرياني ، على الترجمة الفرنسية الدكتور وليم سليمان قلادة .
لمحة سريعة عن القديس مارفيلوكسينوس :
هو أسقف منبج ، وهو من مشاهير الآباء القديسين السريان الذين عاشوا وكتبوا في النصف الأخير من القرن الخامس وبداية السادس ، وكان معاصراً للقديس يعقوب السروجي ( 451 – 521 ) .
وكان اسمه قبل أن يصير أسقفاً : ( إكسنايا ) ، وهو من الكلمة اليونانية ( كسينوس ) ومعناها ( غريب ) ، ولما صار أسقفاً سُميَّ (( فيلوكسينوس )) ومعناها ( محب الغريب ) .
مولده :
ولد في قرية تحل في بيت جرمي بالمنطقة الفارسية بين دجلة والزاب الصغير فيما بين النهرين ، ولم يُعرف سنة مولده على وجه الدقة . وفي صباه رحل به أهله إلى طور عبدين ، وهناك دخل الدير ، وفي هذا الدير درس مع أخيه آداب اللغتين السريانية واليونانية ؛ ودرس علم اللاهوت ، ثم انتق إلى مدرسة الرها . وأتم دراسته للعلوم الفلسفية واللاهوتية . وأكمل دراسة علم اللغتين : السريانية واليونانية في دير لمدا الكبير في إقليم إنطاكية . وترهبن هناك وسيم قساً .
جهاده لأجل العقيدة :
خرج على تعليم النساطرة التي كان يلقنه إياها أسقف الرها النسطوري ، ورفض عقيدة نسطور وكل من يتبعه ، وخصص حياته للدفاع عن العقيدة المستقيمة ضد النساطرة في ضواحي إنطاكية بسوريا ، والجزء الشمالي من العراق ، بالرغم من الأذى الذي أصابه على أيدي أعداء عقيدته .
وقد ظل يجاهد بقيه عمره لأجل سلامة الإيمان بتجسد الله الكلمة ربنا يسوع . وبدأ بمهاجمة تعاليم النسطورية التي كانت تقوم مدرسة الرها ببث تعاليمها ، وكان لا يزال قساً فطرده قلنديون بطريرك إنطاكية ، ولما عُزل قلنديون عن كرسيه سنة 485 ، وصار بطرس القصار بطريركاً لإنطاكية رسم فيلوكسينوس أسقفاً على منبج سنة 485 فواصل جهاده بلا كلل بالتعليم والكتابة لتوضيح الإيمان المستقيم ؛ وقد تعرض لاضطهادات كثيرة من الأباطرة المنحازين لبدعة نسطور .
ورأس مجمعاً في سنة 512 وقد انتخب فيه القديس ساويرس بطريركاً لإنطاكية . ولكن الإمبراطور يوستين نفاه بعد ذلك ...
ظل القديس فيلوكسينوس عدة سنوات في المنفى ( في فيليوبولس في تراقيا ) ، وهناك كتب رسالتان إلى رهبان دير سنون بالقرب من الرها سنة 522 م يقول فيها : [ أن كل ما تحملته من فلافيانوس وماقيدونيس أسقفي إنطاكية والقسطنطينية وما قاسيته قبلهما على يد قلنديون معرفو يتحدث به الناس في كل مكان . وأني لألتزم الصمت هما لحقني أيام حرب الفرس بتأثير فلافيان وعلى ملأ من الأعيان ، وعما أصابني في الرها وفي أفامية وفي إنطاكية عندما كنت في دير القديس مار بسوس ، وفي إنطاكية نفسها ، وكذلك في القسطنطينية التي شددت الرحال إليها في مناسبتين ن هذه الأشياء وأشباهها أصابتني من النساطرة المهرطقين ]
انتقاله كشهيد للإيمان :
ثم نُقل من منفاه بعد ذلك إلى جنجرا في ولاية بافلاجونيا ، حيث حُبس في بيت أوقدت فيه النيران وسُدت عليه المنافذ فاختنق في حجرته من كثرة الدخان وتنيح شهيد الإيمان في 523 م .
وتحتفل الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بعيد القديس مار فيلوكسينوس أكثر من مرة في السنة . وابرز أعياده يوم 18 فبراير وله عيد آخر في أول أبريل وآخر في 16 أغسطس وآخر في 10 سبتمبر الذي يُرجح أن يكون تاريخ نياحته .
القديس مار فيلوكسينوس كاتب موهوب بالروح القدس ، غزير المادة في الإنتاج اللاهوتي والروحي ، ويُعدّ في المرتبة الأولى من الكتاب السريان . وقد عُرف لقديس مار فيلوكسينوس حوالي 80 كتاب قام بتأليفها وهي ذات أهمية كبيرة ...
بركة صلواته لأجلنا تكون معنا جميعاً آمين