كيف نفهم الكتاب المقدس مصدر معرفتنا بالله فهماً صحيحاً (الجزء الأول)
كُتب : [ 06-14-2011
- 12:09 PM
]
[ نحن لا نؤمن بأساطير فارغة أو كلمات من دون برهان ، ولكن بكلمات مملوءة بالروح الإلهي وحاملة للقوة ومزدهرة بالنعمة ] (القديس يوستين الشهيد )
أن مصدر معرفتنا بالله الحي ليس بالمعلومات والأفكار المجردة أو بمجرد دراسات (رغم أهميتها) أو بما أخذناه من صغرنا وتربينا عليه من الناس ووضعناه في العقل مثلما نقرأ تاريخياً عن أي شخص ، فهو شخص تاريخي من المستحيل أن نتعرف عليه كشخص حي ، بل كشخص ظهر في التاريخ وأصبح بالنسبة لنا شخصية تاريخية حقيقية وفي معرفتنا به تستحيل المقابلة ويستحيل فيها الشركة والعطاء والأخذ !!!
فما نعرفه بقناعة العقل بدون رؤيا سيُصبح صنم جامد وأفكار ثابتة جامدة تنحصر وتُحبس فيها الكلمات ونحكم على الأمور بجمود معرفتنا المحدودة في إطارها الضيق حسب فكر كل واحد فينا وقناعته الشخصية ، وعندما تُصبح الكلمات هي العلامات الوحيدة الدالة على الله ، يموت الله فينا عندما تموت الكلمات ومعانيها !!!
وللأسف الكتاب المقدس صار عند الكثيرين كتاب للقراءة والاضطلاع ، وبالتالي صار موضوع تحت فهم كل واحد وتأمله الشخصي من جهة خياله ومعرفته الخاصة ، لأن الكثيرين يجلسون أمام الكتاب المقدس ويفهمونه حسب قدراتهم الفكرية الخاصة ، لذلك نجد الكثيرين يبتعدون عن مقاصد الله ويشرحون الكتاب المقدس حسب فكر كل واحد ، فنجد أنه يوجد ألف تفسير مختلف عند بعض الشُراح والمفسرين متضارب مع بعضه البعض ، وعلى الأخص في بعض الأسفار كسفر الرؤيا مثلاً أو بعض الكلمات الغامضة في الكتاب المقدس ، وذلك لأن الكتاب المقدس أصبح للكثيرين كتاب للمطالعة والقراءة للتأملات الشخصية المنحصرة في عقلية الكاتب أو المتكلم أو الشارح أو المفسر ، الذي ينحصر في الألفاظ ومعانيها دون لقاء الله الحي موضوع هذه الأسفار ومعرفة قصده ومشيئته حسب ما يُريد هو وليس حسب ما نُريد أو نفهم نحن !!! عموماً أن مصدر معرفتنا بالله لا يأتي إلا من خلال إعلانه بنفسه عن شخصه ، لأنه من المستحيل معرفة الله كشخص إلا لو كشف هو عن ذاته لنا ، وأيضاً يستحيل أن نعرفه بمعزل عن إرادته وإعلان مشيئته ، وتستحيل معرفتنا به إلا بالطريقة التي يختارها هو للإعلان عن ذاته ، لأننا لن نختار الطريقة التي تُريحنا لنعرفه أو نصل إليه ، لأن الإعلان إعلان إلهي ، لأننا لم نكن نعرف الله إن لم يعلن عن ذاته بشخصه هو ، وإعلان الله يأتي في سياق لاهوتي نابض بحياته ، ظاهراً في التاريخ الإنساني ، وقد أُعلن من خلال العهد القديم في التعامل ومواجهة شعبه الذي اختاره وأعلن مشيئته من خلاله ، وظهوره في وسطهم بعمله وقوته وإعلان خلاصه ومحبته العظمى التي هي أثمن وأعظم كنز عند شعبه ، وأُظهر كمال الإعلان في العهد الجديد ، ومن هذا الإعلان نجد أن كلا العهدين مرتبطان معاً ويعلنان مشيئة الله الواحدة المكتوبة بالروح القدس والمعلنة في هذه الأسفار معاً في وحدة واحدة لا تقبل الانقسام ، لذلك صار الكتاب المقدس لنا هو نطق الله المُحيي بالكلمة والذي فيه الروح القدس يشع حياة الله ويعلن مسرة مشيئته المقدسة ...
لذلك نجد أن الكنيسة ترجع دائماً للأسفار المقدسة بوصفها المصدر المباشر والنموذج الواضح عن معرفة الله المُعلنة وتدبيره الخلاصي الذي بدأ إعلانه في العهد القديم واكتمل في ملء الزمان بتجسد ابنه الوحيد في العهد الجديد . لذلك نجد أن كل الصياغات العقائدية للكنيسة وما يتشكل فيها من أُسس كرازية وتعليمية وتأمُلية تأخذ إطارها من الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس بوحي وإلهام الروح القدس وليس كيفما اتفق مع كل شخص وفكره واستنتاجه الخاص وتأمله الخيالي أو قدرته على الفهم والإدراك !!!يا أحباء الله انتبهوا جداً ، فإن السمات الخاصة للكلمة ، أي كلمة الله ، أي الكتاب المقدس ، هي علاقة حية من خلال الروح القدس بالحقائق التاريخية والأحداث الخلاصية التي رأيناها في تاريخ الكتاب ككل ، وعندما نسمح للأسفار المقدسة أن تقودنا لهذه الأحداث الخلاصية ، حيث تكون عقولنا خاضعة تحت قوة حقيقتها بروح الله الذي خطها وأعلنها ، حينئذٍ سنؤمن بها إيمان حي يستحيل فيه الشك ، لأنها ستصير لي حقيقة أعيشها أنا ، وأراها بعيون قلبي بإيماني الحي [ أن آمنتِ ترين مجد الله ] ، فيُستعلن أمامي مجد الله برؤية داخلية ذات سلطان يشدني إليه ، معلناً فيها برهان الروح والقوة ، ومنها أتعرف على مشيئة الله لحياتي الخاصة مستلماً منه التعليم الحي لأعيش به حسب مسرة مشيئته المقدسة !!!
عموماً ، ليس لنا بعدما تعرفنا على أنه ينبغي أن نعرف الله من خلال إعلانه عن شخصه في الكتاب المقدس ، الذي هو كتابه الخاص المكتوب بروحه وليس بعقل إنسان ، أن نعرف كيف نفهم الأسفار المقدسة بطريقة صحيحة حسب قصد الله ، لأن الكتاب المقدس طالما كُتب بالروح القدس فالعقل الإنساني الضعيف لا يقدر أن يفحص أعماقه ، لأنه يحتاج لإلهام الروح القدس ذاته لكي يستطيع أن يفهم الكتب ، أي الأسفار المقدسة ، لأننا أن لم نفهم الأسفار المقدسة بحسب مقاصد الله ، فلن يكون هناك فائدة على الإطلاق أن نقرأ الكلمات أو نتعرف على الأحداث الموجودة في هذه الأسفار ، فلو عرفناها فقط حسب العقل وتأملنا فيها حسب فكر كل واحد وقدراته ، وأصبحنا نُعلم بها ، فأننا لن نُعلم حسب الله ، أو نظهر مشيئته أو نشرح ما يُريد قوله ، بل سنشرح مقاصدنا نحن ، ونضع رأينا الخاص لا رأي الله ومشيئته ، ومن هنا سنكرز ونتكلم بإنجيل آخر غير إنجيل الله ، ونعرف الناس بكتاب آخر غير كتاب الله الحي !!!وفي الجزء القادم سنتكلم عن كيفية فهم الأسفار المقدسة بطريقة صحيحة ، لنقدر أن نتقدم لله لكي نتعرف عليه كشخص حي وحضور مُحيي من خلال الأسفار المقدسة وأن خدمنا نخدم اسمه ونقدمه كما هو للناس ولا نقدم أنفسنا ومعتقداتنا الخاصة ، بل نعلن مشيئته وحده فقط ووفق ما يُريد هو لا نحن .... النعمة معكم
التعديل الأخير تم بواسطة aymonded ; 06-14-2011 الساعة 03:28 PM
|