سُكنى الروح القدس في القلب
67 – عطية الله لنا يحرسها الصوم والصلاة ، وقراءة الكتب الإلهية ، والشركة في السرائر المقدسة ، هذه العطية لا تأتي من الصوم أو الصلاة أو أي ممارسة نسكية ، بل تأتي من الثالوث ( القدوس ) نفسه : من الآب بواسطة الابن وبنعمة الروح القدس . ولذلك قال الآباء لنا : لا توبة حقيقية بدون الثالوث .
حذّر الإخوة (1) من كل تعليم غريب يَرُدَّ التوبة إلى توحيد الغنوصيين ؛ لأننا بدون الثالوث لا نصبح أبناء الله ، بل أبناء الجسد . وبدون الثالوث لا شركة لنا في الحياة الإلهية ؛ لأننا إن لم نأخذ الروح القدس نموت إلى الأبد ؛ لأن الموت يجعل الحياة التي فينا تجف ، بل وتفنى ؛ لأننا لا نملك – حسب طبعنا المخلوق من العدم – أن نحيا إلى الأبد .
68 – ومع أن الذي ذكرته لك لا يكفي ، إلاَّ أننا نحتاج معاً أن نتأمل تدبير الله الذي أعد لنا طريق الحياة في يسوع المسيح ، وثَّبته فينا بالابن وبالروح القدس .
كان تجسُّد ابن الله هو بداية البشارة بالحياة ، إذ أعدَّ الروح القدس الهيكل الإنساني الذي سكن فيه الابن المتجسَّد ربنا يسوع المسيح . ولم تكن مجرد سُكنى ، بل حلول واتحاد معاً حسب كلمات الأمانة المقدسة : " لاهوته لم يفارق ناسوته لحظةً واحدةً ولا طرفة عين " ؛ لأن الرب يسوع لم يكن إلهاً في أوقات معينه ، وإنساناً في أوقات أخرى ، بل هو الإله المتجسد ابن الله المتحدّ بالطبع الإنساني إلى الأبد ، والذي فيه تمجدت الطبيعة الإنسانية بغنى مجد اللاهوت .
69 – من هنا تبدأ التوبة ، أي من تجسُّد ابن الله الذي غرس التواضع كأساس الشركة . تواضع المحبة لا تواضع القوة ؛ لأنه " بالضعف قد غلب الموت ، وبالتواضع أباد الكبرياء ، وبالمحبة ردَّ لنا الحياة " .
هذا هو معنى الالتصاق بالرب يسوع ؛ لأن التوبة تبدأ بتواضع المتجسد الذي لم يلجأ إلى وسائل القوة لكي يغلب ، ولم يجعل القوة طريقة ، بل " أخلى ذاته " .
وهذه هي عثرة التجسُّد ، وبعدها جاءت عثرة الصليب ، أي بذل الحياة لمن لم يطلب ، ولأجل من لا يستحق ، أي عن الجنس البشري الذي صَلَبَ رب المجد . وقد سبق البذل إخلاء الذات ، وكَمُلَ إخلاء الذات بالموت ، ولذلك نقول إنه بالضعف داس الموت وهدم حصن الموت المنيع بموته على الصليب . ومن هنا تبدأ التوبة بالتواضع وإخلاء الذات والبذل وجحد القوة .
رسالة الأب صفرونيوس إلى تلميذه تادرس
عن المئوية الأولى في التوبة
مترجم عن المخطوطة القبطية
__________
(1) الكلام موجة للأب تادرس تلميذ الأب صفرونيوس