نجد أن أول إشارة تأتي لصنع الأبواق بالتفصيل مع شرح الهدف وكيفية استخدامها بأمر الله في سفر العدد وذلك لمناداة الجماعة ولدعوتهم للارتحال : [ وكلم الرب موسى قائلاً : أصنع لك بوقين من فضة مسحولين تعملهما فيكونون لمناداة الجماعة ولارتحال المحلات . فإذا ضربوا بهما يجتمع إليك كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع . وإذا ضربوا بواحد يجتمع إليك الرؤساء رؤوس ألوف إسرائيل . وإذا ضربتم هُتافاً ترحل المحلات النازلة إلى الشرق . وإذا ضربتم هُتافاً ثانية ترتحل الملحات النازلة إلى الجنوب ، هُتافاً يضربون لرحلاتهم وأما عندما تجتمعون الجماعة فتضربون ولا تهتفون . وبنو هارون الكهنة يضربون بالأبواق ، فتكون لكم فريضة أبدية في أجيالكم . وإذا ذهبتم إلى حرب في أرضكم على عدو يضرُ بكم ، تهتفون بالأبواق ، فتُذكرون أمام الرب إلهكم وتُخلَّصون من أعدائكم . وفي يوم فرحكم وفي أعيادكم ورؤوس شهوركم تضربون بالأبواق على محرقاتكم وذبائح سلامتكم ، فتكون لكم تذكاراً أمام إلهكم ، أنا الرب إلهكم ] (عدد10: 1 -10)
[ طريقة الصنع]
نجد هنا وضوح أمر الرب بصُنع بوقين من فضة مسحولين أي مخروطين بالتطريق وليس بالسبك ، وكان البوق عبارة عن أنبوبة من الفضة تنتهي بشكل قمع ، وطوله حوالي ذراع ...
وقد كان أمر الرب لموسى بصناعة بوقين فقط للكهنة ، لأنه لم يكن هناك حينئذ سوى كاهنان هما لعازر وإيثامار ابنا هارون ، بينما في أيام داود كان هناك سبعة كهنة يضربون بالأبواق أمام تابوت العهد [ وشْبنيا ويوشافاط ونثنئيل وعماساي وزكريا وبنايا واليعزر الكهنة ينفخون بالأبواق أمام تابوت الله وعبيد آدوم ويَحيَّي بوابان للتابوت ] (1أيام 15: 24) ، ولما دُشن هيكل سُليمان كان المبوَّقون مائة وعشرين كاهناً [ واللاويون المغنون أجمعون : آساف وهيمان ويدثون وبنوهم وإخوتهم لابسين كتاناً بالصنوج والرباب والعيدان واقفين شرقي المذبح ومعهم الكهنة مئة وعشرون ينفخون في الأبواق ] (2أيام 5: 12)
[ طريقة الاستخدام ]
وكانت الأبواق هي اللغة التي يخاطب بها الكهنة الشعب ليعرف الكل ما يجب أن يفعلوه – كما نستخلص مما رأينا من سفر العدد كما ذكرنا [ عدد10: 1 – 10]1 – إذا ضربوا بالبوقين معاً اجتمعت كل الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع .
2 – إذا ضربوا ببوق واحد يجتمع إلى موسى الرؤساء رؤوس أسباط إسرائيل .
3 – وهناك نغمات أخرى تُسمى الهُتاف ، وهي تتميز بالنفخ الشديد المتصل ، فإذا ضربوا هُتافاً مرة واحدة كان معنى ذلك : دعوة الأسباط النازلة شرقي خيمة الاجتماع للارتحال ، وهي محلة يهوذا التي تتكون من أسباط يهوذا ويسَّاكر وزبولون .
4 – إذا ضربوا هتافاً للمرة الثانية ترتحل المحلة النازلة للجنوب التي تضم أسباط رأوبين وشمعون وجاد .
5 – وإذا ذهبوا إلى الحرب في الأرض التي أعطاها الرب لهم ، ضد عدو اعتدى عليهم ، فعليهم أيضاً أن يهتفوا بالأبواق كدعاء للرب لكي ينصرهم ويُخلصهم من أعدائهم .
6 – في أيام أفراحهم وأعيادهم ومواسم رؤوس شهورهم كانوا يضربون بالأبواق ابتهاجا بتلك المناسبات المقدسة ، فيكون ذلك تذكاراً لهم أمام الرب الذي يرى حرصهم على تنفيذ وصاياه وحفظ أوامره ، فيثَّبت عهده معهم وقبل قرابينهم ويُسر بأعيادهم ويباركهم .
وقد صنف رابي ساعدية جيعون Rabbi Saadia Gaon (رئيس الرابيين في بابل – القرن التاسع الميلادي) عشرة أسباب رئيسية لهُتاف البوق :[[ 1 – تضرب البواق في احتفال تتويج الملك . وبما أن الأبواق تضرب في هذا العيد فهي تُعلن لكل الشعب أن الله يُنادي به الملك .
2 – بوق القرن يُعلن بداية موسم التوبة والكفارة ، وهي التي تستمر عشرة أيام ، أي من راس السنة حتى عيد الكفارة (الأول من تشري حتى العاشر من تشري )
3 – التوراة أُعطيت على جبل سيناء بأصوات هُتاف البوق .
4 – الأنبياء شبهوا رسالتهم للشعب كالنفخ في البوق ، أي اليقظة والانتباه والتحذير .
5 – في الحرب مع الجيوش التي دمرت الهيكل ، ضُربت ألأبواق
6 – هُتاف بوق القرن ، يُذكّر الشعب بالكبش الذي قدمه إبراهيم بديلاً عن إسحق ابنه .
7 – التحذير بكارثة ستحدث : [أم يُضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد ] (عاموس3: 6) .
8 – البوق يُعلن يوم قضاء الله : [ قريب يوم الرب العظيم قريب وسريعاً جداً . صوت يوم الرب . يصرخ حينئذٍ الجبار مُراً ... يوم بوق وهُتاف ] (صفنيا 1: 14 – 16)
9 – سوف يُعلن البوق بداية العصر المسياني : [ ويكون في ذلك اليوم أنه يُضرب ببوق عظيم فيأتي التائهون ... ويسجدون للرب في الجبل المقدس في أورشليم ]
10 – سيُضرب بوق القرن لإعلان القيامة . ]]
Sefer Avudarham, "Rosh Hashanah" 1726, P. 100
Encyclopedia Judaica, Vol. 14 P. 309
[ نغمات النفخ في الأبواق ]
بما أن النفخ في الأبواق له أهميته الخاصة ، أقتضى الأمر أن يكون هناك مُدرس بارع في ضرب الأبواق يُدرب مجموعة من الأشخاص ليتقنوا النفخ في الأبواق . وبحسب القانون اليهودي تُوجد ثلاثة نغمات رئيسية للأبواق : [ النغمة الأولى [ Tekiah] تُترجم إلى العربية [ النفخ ] . وهي نغمة جهورة عميقة ، قصيرة نسبياً ، تتوقف فُجائياً وبطريقة حادة . وهي تُشير إلى الأبرار الفرحين بما سينالوه من مكافأة في هذا اليوم لإعلان برّهم .
النغمة الثانية [ Teruah] وتُترجم إلى العربية [ التبويق ] . وهي نغمة طويلة رنانة تُعطي أصداء . وهي تُشير إلى الرعدة والخوف التي تنتاب الأشرار وهم يرتجفون خوفاً في هذا اليوم لإعلان دينونتهم .
النغمة الثالثة [ Shevarim] وتُترجم إلى العربية [ تهدّج أو ارتعاش ] . وهي نغمة تتكون من سلسلة من الارتعاشات ، تجمع بين النغمتين السابقتين . وهي تصور الإنسان المنقسم الذي يحمل في داخله حزناً على شره ، وفرحاً بالأمل أن الله يعطي له فرصة أخيرة في هذا اليوم ]
Isaac ben Moses Arama
The rosh Hashanah Anthology , P. 38
وبالطبع هذه الأنواع الثلاثة من هُتاف البوق لا تُضرب كيف ما اتفق أو اعتباطاً ، بل وصفت بالتدقيق والتفصيل وسُلمت عبر الأجيال كتقليد وبتدقيق شديد كعادة اليهود ، ونظامها لم يتم التعديل عليه على الأرجح .
ونفهم من خلال هذه الطريقة ومعاني النغمات كل ما أتى في سفر الرؤيا من مفهوم لصوت الأبواق لنفهم المقصود بدقة ونراعي التفسير الصحيح لما ورد في سفر الرؤيا بوضوح ...
+++ ونعود مرة أخرى لعيد الأبواق بعد ما شرحنا استخدام الأبواق وطريقة صنعها وطريقة النفخ فيها ، ونوضح ذبائح هذا العيد وتقدماته كما وضحها العهد القديم : كما شرحنا سابقاً أن شعب إسرائيل كان يُقدم في بداية كل شهر ذبائح حيوانية وتقدمات ، وردت في سفر العدد [ وفي رؤوس شهوركم تقربون محرقة للرب ثورين ابني بقر وكبشاً واحداً وسبعة خراف حولية صحيحة . وثلاثة أعشار من دقيق ملتوت بزيت تقدمة لكل ثور . وعُشرين من دقيق ملتوت بزيت تقدمة للكبش الواحد . وعُشراً واحداً من دقيق ملتوت بزيت تقدمة كل خروف . محرقة رائحة سرور وقوداً للرب . وسكائبهن تكون نصف الهين للثور وثلث الهين للكبش وربع الهين للخروف من خمر . هذه محرقة كل شهر من أشهر السنة . وتيساً واحداً من الماعز ذبيحة خطية للرب . فضلاً عن المحرقة الدائمة يُقرب مع سكيبه ] (عدد28: 11 – 15)
أما رأس الشهر السابع (تشري) ، فيفرض ذبائح إضافية للعيد ، بجوار التي تُقدم في بداية كل شهر ، وهي كالتالي [ وفي الشهر السابع في الأول من الشهر يكون لكم محفل مقدس . عمل ما من الشغل لا تعملوا . يوم هتاف بوق يكون لكم . وتعملون محرقة لرائحة سرور للرب ثوراً واحداً ابن بقر وكبشاً واحداً وسبعة خراف حولية صحيحة . وتقدمتهن من دقيق ملتوت بزيت ثلاثة أعشار للثور وعُشرين للكبش . وعُشراً واحداً لكل خروف من السبعة الخراف . وتيساً واحداً من الماعز ذبيحة خطية للتكفير عندكم . فضلاً عن محرقة الشهر وتقدمتها والمحرقة الدائمة وتقدمتها مع سكائبهن كعادتهن رائحة سرور وقوداً للرب ] (عدد29: 1 – 6)
وسوف نشرح في الجزء القادم كيف كانت تبوق الأبواق بكل
خشوع وتقوى في الاحتفال والمعنى الروحي عندنا الآن ...