... نحن نولد جسدياً من الوالدين، ونولد روحياً من الثالوث، هذه الولادة الروحية، هي تحرير الطبيعة الإنسانية لكي تخضع بالنعمة، وتتحول من عبودية الفساد والموت إلى حرية أولاد الله. هذا الانعتاق يكمُل في الدهر الآتي، وكعمل تام غرسه الرب، هو كامل الآن حسب النعمة، ويكمُل معلناً للسماء الجديدة والأرض الجديدة حسب تدبير الخلاص.
ونحن نتحرر من الطبيعة القديمة وننال طبيعة الابن المتجسد، وهو ما جعله يقول لنا: " أخوته " (عب2: 17)، وهو " البكر بين إخوة كثيرين " (رو8: 29).
نحن لم نولد من عذراء، بل وُلدنا من الماء، ولم نولد أزلياً من الآب، ولكن وُلدنا زمانياً في هذا الزمان ولادة روحية أبدية تعيد إلينا الأصل الحقيقي للحياة، وهو الآب الذي نعود إليه في هذه النعمة الفائقة لكي يصبح الآب هو الأصل، وهو غاية الوجود الجديد حسب يسوع المسيح ربنا (أي بسبب التجسد) .
هكذا نتحرر من عبودية الطبيعة القديمة التي ترى خيرات الأرض والأزمنة التي خلقها الناس منتجات وصنع أيدي البشر وكأنها أساس الحياة، ولكن الطبيعة الجديدة ترى خيرات الأرض عطايا الخالق، وأزمنة الناس أي التاريخ كشاهد على احتياج الإنسان لله، وكل ما أبدعه العقل أنتجته الإرادة والتقنية عامة كوسائل وليس غايات، لأن اختلال الإفراز في الإنسان ظاهر جداً حيث تتحول الوسيلة إلى غاية، وعبودية الإنسان ظاهرة؛ لأن الخيرات الأرضية تتحول إلى غايات نسعى إليها بكل جهد وعرق حتى أنها تسود علينا وتستعبدنا .
وعندما تحرر الرسول بولس من برّ الناموس حَسِبَ حياته السابقة " زبالة (نفاية) ". وأدرك أنه " عبد المسيح " أي " عتيق الرب "، وأنه الحُرّ من كل قيد يستعبد الإنسان. هذا هو السبب الذي قال عنه الرب " إن حرركم الابن " من قيود الطبيعة القديمة تصيرون أحراراً بالمحبة. وبسكنى الروح القدس في المعمودية نخلع الطبيعة الآدمية ونتحرر منها، ولكي تبقى خبرات قديمة كامنة في الذاكرة تحاربنا أحياناً عندما نترك غاية الحياة الجديدة ونرمي بأنفسنا تحت ثقل الحياة الأرضية، أو عندما نفقد – بسبب التراخي والكسل – رؤية الحياة الجديدة الظافرة في المسيح.
ولكن ميلادنا الجديد لا يقوى عليه الموت حسب كلمات التقوى الأرثوذكسية (1) ويجيء زمان الانعتاق من رباطات الجسد، أي الموت الجسداني بشارة حياة جديدة غالبة في فردوس النعيم " كورة الأحياء إلى الأبد " .
هذه هي ملامح الحياة الجديدة في المسيح الناهضة من موت الخطية إلى حرية مجد أولاد الله :
أولاً : حرية داخلية لا تخضع للظروف الحاضرة، بل تسود عليها كما حدث للشهداء والمعترفين والنساك .
ثانياً: محبة حقيقية لا تفضَّل الحياة الشخصية، ليس عن خوف أو جبن أو ضعف، بل قوة تدفع للبذل والذبح بكل جسارة القداسة وحكمة الإنجيل.
ثالثاً : شركة ووحدة مع جسد الرب الكنيسة مع الظافرين السعداء في السماء، والظافرين بالمعاناة والألم على الأرض من المؤمنين.
رابعاً : قداسة حقيقية ليست بتصنع أو بمحاكاة، ولكن بقبول صورة المسيح الحية فينا، تلك التي يصنعها الروح القدس حسب كلمات التقوى " يتصور المسيح في قلوبكم " (أنظر غلاطية4: 19). هذه الصورة لها ملامح الرب نفسه في السلوك المقدس وجوهر محبته، النار الروحية الداخلية التي نأخذها من الرب لكي تعيد تكوين طبعنا حسب المسيح .
_______________
(1) كلمات الأوشية " اسمك القدوس هو الذي نقوله، فلتحيا نفوسنا بروحك القدوس ولا يقوى علينا نحن عبيدك موت الخطية "
الثالوث القدوس توحيد وشركة وحياة
تحت عنوان : الثالوث هو أساس الحياة الجديدة
فقرة 31 صفحة 51 إلى 53 – الطبعة الأولى 2010
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
