لماذا صرخ يسوع على الصليب
"إلوي إلوي لَمَا شبقتني"
أليس هو الله نفسه؟
فكيف يقول:
إلهي إلهي لماذا تركتني...
يجزع بعض المسيحيين أمام هذه الكلمات، و يقولون: لماذا قال الله مثل هذه الكلمات الصعبة؟
و المسلمين و غير المسيحيين عموماً يرون فيها أنها دليل قاطع على خطأ المسيحية، و تأليه السيد المسيح...
لكن الحقيقة، أن الإيمان المسيحي يقوم على هذه العبارة...
بدون هذه العبارة، عقيدة الفداء نفسها تتزعزع!!!
المسيح فداؤه كامل...
لذلك فقد جاز عنا الموت بكل بشاعته وأنواعه و اختبره تماماً مثلنا...
لقد أخذ خطايا كل الإنسانية و خطايا هذا الدهر، و كأنها خطاياه الشخصية...
و ذاق كل مرارتها و آلامها...
(كما يقول بولس الرسول: "صار خطية لأجلنا")
خطيئة آدم أماتته موتاً:
1-جسدياً:
حيث تنفصل نفسه عن جسده
2- أدبياً:
باللعنة...و صار يخاف الحيوانات مثلاً...
3-روحياً:
بالبعد عن الله
4- أبدياً:
في الجحيم...
و المسيح ذاق الموت بكل سلطانه (سلطان الموت)
مات على خشبة
(ملعون كل من علق على خشبة)
وجسدياً..
و نزل إلى الجحيم...
و حطمه و أخذ نفوس الأبرار...
لكن أين هو الموت الروحي؟
إنه يظهر تماماً في هذه العبارة:
"إلهي إلهي لماذا تركتني"
لقد ذاق يسوع مرارة البعد عن الله، و كأن الخطية هي خطيته...
الفداء لم يكن تمثيلية...
بل لقد حمل يسوع عنا فعلاً كل خطايا هذا الدهر...
و كل تبعاتها و آلامها...
و الجحيم ليس فقط مكان العذاب..
بل أهم شيء فيه هو الحرمان من حب الله و القرب منه...
و هذا ما اختبره المسيح...
لاهوتياً بالطبع هو كلمة الله...
لا يمكن أن يكون قد انفصل عن الآب...
لكنه اختبر تماماً الانفصال عن الله...
هذا الذي اختبره آدم و أولاده بالخطية...
النفس اليائسة لا تطلب الله....
لكنه صلى إلى الله في عمق آلامه التي لا يمكن لأي بشري تصورها....
و لا يحتملها إلا الإله المتجسد...
فالمسيح هنا يصرخ، نائباً عن الخاطئ الذي كان يجب أن يحتمل ذلك العذاب، و ذلك الترك، "إلهيإلهي لماذا تركتني"
المسيح اختبر بالفعل تبعات الخطايا كلها و كأنه هو المخطئ، كأنها خطاياه هو الشخصية في جسده الخاص...
و غالباً كان السيد المسيح يصلي المزمور 22...
1 إِلَهِي!
إِلَهِي لِمَاذَا تَرَكْتَنِي بَعِيداً عَنْ خَلاَصِي عَنْ كَلاَمِ زَفِيرِي؟
2 إِلَهِي فِي النَّهَارِ أَدْعُو فَلاَ تَسْتَجِيبُ. فِي اللَّيْلِ أَدْعُو فَلاَ هُدُوءَ لِي.
3 وَأَنْتَ الْقُدُّوسُ الْجَالِسُ بَيْنَ تَسْبِيحَاتِ إِسْرَائِيلَ.
4 عَلَيْكَ اتَّكَلَ آبَاؤُنَا. اتَّكَلُوا فَنَجَّيْتَهُمْ.
5 إِلَيْكَ صَرَخُوا فَنَجُوا. عَلَيْكَ اتَّكَلُوا فَلَمْ يَخْزُوا.
...
و هذا المزمور فيه نبوات عن آلامه، و فيه بالطبع الإيمان بخلاص الرب و تسبيحه...
و لا يمكن أن ينم عن يأس...
لكنه بسبب أتعابه الجسدية لم يكمله بشفتيه....
و لكن في قلبه...
لقد علمنا يسوع في هذه الكلمات أن الشكوى لله و الصراخ إليه في عمق آلامنا هو شيء محبوب و مرغوب فيه...
إذاً فكما قلنا...
المسيح اختبر تماماً كل آلام الخطية...
و أهمها عذاب الجحيم، حيث يفقد الإنسان صلته بالله ويحرم من محبته و علاقته به...
و بهذه الكلمات العميقة جداً...
أكد يسوع أن الفداء حقيقي و كامل...
و ليس مجرد تمثيلية أو ظاهرياً فقط...
يا لعظمة تدبير إلهنا، و حبه و رحمته...