فن الاستماع
أثبتت أحدث الدراسات في أمريكا أن غالبية المرضي من كبار السن الذين يطلبون زيارة الطبيب لهم في منازلهم, ليس لعلاجهم بل لكي يستمع إليهم والإصغاء للشخص الآخر فن ومهارة - مثل أي مهارة أخري - يجب أن نتعلمها ونتدرب عليها. يوجد اتجاهان للاستماع, اتجاه أن أركز علي نفسي, وبالتالي أختار بين أن أتجاهل من يتحدث إلي, أو أتظاهر بالاستماع إليه, أو أسمع فقط لما يعجبني في كلامه. والاتجاه الآخر أن أركز علي المتحدث. فأختار أن أستمع إليه باهتمام, أو أستمع إليه بتعاطف وأشعر به وأقدر أحاسيسه وأحترم مبادئه ومعتقداته وقيمه.
وفي المجال الأسري وجد العلماء المتخصصون في العلاج الأسري أن أهم ما تحتاج إليه الزوجة هو أن يستمع إليها الزوج بتعاطف, فقط أن يستمع إليها, وليس أن يضع لها حلولا لمشاكلها, فالمرأة اعتادت علي أن تحل مشاكلها بنفسها أثناء حديثها, الزوجة التي يستمع إليها زوجها بتعاطف تقدر حبه وتشيد دائما بعظمته, نحن محتاجون أن نتدرب علي مهارة الاستماع, لقد منحنا الله له المجد أذنين وفما واحدا لكي نستخدمهم بنفس النسبة فيكون إصغاؤنا ضعف كلامنا.. أنا عندما أتكلم أعرف مقدما ما عندي, ولكن عندما أستمع أعرف أيضا ما عندك, فتزيد ثروتي من الأفكار, وفي مجال العمل تعودنا في الاجتماعات أن نتكلم جميعا, ولا أحد يستمع.
د. زيج زيجلر - من كبار علماء التنمية البشرية في العالم - يدلنا عل طريقة جميلة وفعالة في إدارة الاجتماعات اسمها عصا الكلام السحرية فأثناء إحدي زياراته في أمريكا تلقي عصا هدية من أحد أحفاد قبائل الهنود الحمر, وسأل عن معناها, فقيل له إنها عصا الكلام السحرية والتي كان الناس في هذه القبيلة يستخدمونها في إدارة الاجتماعات بينهم, فيقوم رئيس الاجتماع بوضع العصا أمام كل عضو في الاجتماع - بالتناوب - وعلي الشخص الذي توضع العصا أمامه يكون دوره في الحديث, محظور تماما أن يتحدث شخص آخر أو أن يقطاع طالما أن العصا ليست أمامه, ولرئيس الاجتماع الحرية في تحريك العصا إذا أطال أحد الأعضاء الحديث. وفي نهاية الاجتماع يكون كل الموجودين بالاجتماع قد تحدثوا عما يريدون, والأهم أن كل واحد قد استمع للآخر. هذه الفكرة تم تنفيذها في الكثير من الشركات الأمريكية وانتقلت إلي اليابان, وتمارس هناك علي مستوي واسع.
المتحدث الجيد هو مستمع جيد أولا, ومعظم الأطباء النفسيين ومرشدي العلاج الأسري يتدربون علي الإصغاء أكثر من تدربهم علي حل المشاكل.
تعلم مهارة الإصغاء من الفروق البسيطة التي تحدث اختلافات واضحة في حياتك, وبالاستماع للآخرين بتعاطف ستتغير حياتنا إلي الأفضل وتذكر دائما: أن الماضي لا يساوي المستقبل.. فأيا كان الماضي بكرة دائما أحلي.
ميلاد فايز موسى
خبير تنمية بشرية