الارشاد الروحى

التوبة الصحيحة وحياة التنقية – الصليب صلاة التائبين

الصليب صلاة التائبين

حقيقة التوبة يا إخوتي ليست في الامتناع عن الشر بالرغم من أنه جانب حتمي فيها، ولكنه جزء صغير لا يتجزأ منها، ولأن الامتناع عن الشرّ هو مبدأ كل الأمم والغالبية العظمى من الشعوب، وهذا ما يشترك فيه الجميع بلا استثناء، لذلك فهي لا تعتبر توبة مسيحية خالصة وتامة…

التوبة الصحيحة وحياة التنقية - الصليب صلاة التائبينلذلك يضل كثيرين من المسيحيين عن المسيح الرب ويتغربون عن عمله الخلاصي، ولا يستطيعون الاقتراب خطوة واحدة من شخصه القدوس ولا يستطيعون التعرف عليه، والسير المستقيم في طريق الحق، طريق الخلاص وفرح الحياة الأبدية، بل يتغربون عن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع، في نسك وصوم وصلوات تزيد العجرفة وتجعل سطوة الكبرياء أعظم في داخل القلب، والظن بالأفضلية ومعرفة الحق في سرّ التقوى، ليصير الإنسان مُعلِّم للفضيلة، ولكنه لا يستطيع أن يُرشد لطريق الخلاص والحياة في المسيح يسوع، بل يُرشد لناموس حرفي وفكر متجمد منحصر في طائفية مُقنعة بشكل المحبة الخارجية، مع أن لو اقتربت منه لتتعرف معه على الحق لا يدعك تتعرف على أي شيء آخر غريب عن فكره، وفي النهاية تكون مستعبداً لما يظنه هو عن الخلاص وحياة التقوى، وان احتككت به في أي موضوع روحي وعلى الأخص عقائدي، تجد الصدود والتصادم الشديد، ولن يدعك تكون حراً في أن تفهم وتستوعب سرّ الله بإعلان الروح، لأنه جعل إعلان الروح في الحق مقتصراً على فكره الأوحد الذي يراه صحيحاً وكل ما عداه فهو خاطئ حتماً وبالضرورة، حتى أنه على استعداد أن يرفض اي ترجمه موجوده للكتاب المقدس تظهر أنه على خطأ، وأيضاً على استعداد أن يشجب حتى أقوال الآباء وكتاباتهم التي تخالف فكره ليظهر أنها معطوبة وبلا صحة، لأنه لازال لا يعرف ناموس حرية مجد أولاد الله في المسيح يسوع، ولم يعرف بعد سرّ قوة التوبة المسيحية في الحق !!!

وخطورة الممارسات المسيحية بدون توبة مسيحية حقيقية، في أنها لا تجعلنا نرى خطايانا في حقيقتها المُدمرة للنفس، بل تجعل الكبرياء يسيطر علينا، لأننا نرى فيها برنا الذاتي، والذي يجعلنا لا نرى خفايا القلب من الداخل، بل تحت ستار التقوى الكاذبة، من صوم وصلاة وممارسات مسيحية الشكل، نُصبح أمواتاً دون أن ندري بأننا [ أمواتاً بالذنوب والخطايا ]، ونحتاج لقوة الصلح بدم صليب ربنا يسوع المسيح، فنتسرع لنجلس على كراسي التعليم، لنصير مُعلمي الحق والفضيلة ونمارس الخدمة بالمعلومات وليس بروح الخبرة في المحبة بالإيمان الذي يرى ما لا يُرى من أمجاد سماوية تُعلن في القلب بالروح، الروح القدس، الذي بعد أن يعلن دعوة الله لنا، يعطينا موهبة ويرسلنا لكي نخدم الاسم الحسن، مُخبرين كم فعل بنا الله ليتمجد اسمه ويُقبل إليه الجميع ويتوب بنفس ذات التوبة الحقيقية التي للمسيحي الحقيقي الذي استنار بفعل النعمة في داخل قلبه وذهنه المفتوح بالروح…

إذن ما هي توبة المسيحي الحقيقي !!!

توبة المسيحي الحقيقية هي في قبول الصليب، لذلك يترك المسيحي الحقيقي الشرور كلها بقوة الصليب، لأنه في الصليب يصير مصلوباً مع المسيح الرب، وعلى قدر قبوله الألم فعلياً في حياته اليومية ويشكر الله مؤمناً بقيامته كرؤية مُعلنه بالروح في قلبه، على قدر ما يرتاح فيه المسيح الرب، الذي يعطيه سرّ موته ليبلغ سرّ قيامته وتسري فيه حياته، ليقول مع القديس بولس الرسول: [ مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ ]
فإذا نجحنا – يا إخوتي – في ترك الشرور كلها بدون الصليب، فلن نقترب خطوًة واحدًة من المسيح الرب ونلمسه من جهة كلمة الحياة، بل سيزيد تغربنا عنه ونمتلأ موتاً، لأن الحياة سنلفظها خارجاً عنا، لأننا لن نموت مع المسيح بل سنحيا نحن، وفي النهاية ننتفخ لأننا لسنا مثل باقي الناس ولا مثل العشار الذي تقدم قائلاً [ الله ما ارحمني أنا الخاطئ ] وحتى أن نطقناها، فننطقها بكوننا الأفضل لأننا متواضعين في نظر أنفسنا، فيزداد كبرياء قلوبنا ونخرج من محضر الله مُدانين، فحقاً لا توجد توبة حقيقية بلا صليب !!!

ولكي نعي ذلك وندركه ونفهم أنه واقع مسيحي حقيقي، لذلك جعل الرب مقياس الحياة الحقيقية هو الصفح عن الأعداء والمُسيئين، لأنه وضع شرطاً لنا للغفران، لأنه علمنا الصلاة الحقيقية بالصليب، أي بالموت عن الذات والكرامة، لأنه إذ لم نغفر للناس زلاتهم وأخطاءهم التي يرتكبونها في حقنا، لن يغفر لنا الآب السماوي زلاتنا [ أنظر متى 6: 14و 15 ]، لذلك قال لنا [ أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويضطهدونكم ]، وهذا بالطبع صعب علينا جميعاً بلا استثناء، إلا لو كنا مُدَّعين القداسة واننا أبرار، ونقول أننا نستطيع أن نغفر لمن يقتلنا ويقتل أولادنا، أو لمن يسبُّنا ويهين عقيدتنا…

والرب يسوع لم يضع هذا الشرط ليعقدنا أو لكي نفهم أننا لا نستطيع فنيأس، أو لكي يعطينا طريق الكمال الذي نسعى فيه وعلى قدر طاقتنا نسامح ونصفح، متخذين من الآية [ على قدر طاقتكم سالموا جميع الناس ]، ذريعة وحجة أننا لن نصل لغفران تام لأحد لأننا بشر ، مع أن الرسول لا يتكلم عن الغفران للآخرين من عدمه، لأن هذا أمر حدده الرب يسوع ولا يستطيع أحد من تغييره، إنما كان يتكلم على الناس التي لا تقبل أن تتعامل معنا ويظلوا في خصومه من جهتهم لا يريدون أي صُلح أو سلام …

عموماً في كلام الرب يوضح كم نُخطأ إليه ونحتقر عطايا غفرانه، لذلك أرانا كم تكون خطيئتنا خاطئة جداً، والتي بها نجحد عمله، ونستهين بعطاياه، لذلك لكي يُظهر لنا كم غفر لنا من خطايا كثيرة، والتي تظهر استفادتنا من هذا الغفران في غفراننا للآخرين، لأن الله الذي سامحنا بالكثير، فينبغي علينا أن نُسامح أخانا باليسير والقليل، وغفراننا لمن يعادينا يُظهر فينا قوة الصليب، لأننا لو اختبرنا حمل الصليب أي قبلناه كعار المسيح الرب، أمام الناس، فبسهولة – وبكوننا مائتين عن الخطايا والذنوب وعن كبرياء القلب والذات – نغفر للآخرين بفرح عظيم وحماسة شديدة، لأننا مصلوبين مع الرب يسوع الذي صلى قائلاً [ لا تقُم لهم هذه الخطية ] …

والتوبة يا إخوتي لا تتوقف قط في حياة أي مسيحي مؤمن حقيقي بالمسيح يسوع، بل تنمو وتتدرج بقوة الصليب والمصلوب لمواجهة جميع التجارب في حياتنا؛ لأنناعندما نقول لاتدخلنا في تجربة” ،أي لاتضعنا في مواجهة التجارب الشريرة التي تمتحن النفس [ فهؤلاء هم الأمم الذين تركهم الرب ليمتحن بهم إسرائيل… كانوا لامتحان اسرائيل بهم لكي يعلم هل يسمعون وصايا الرب التي أوصى بها آباءهم عن يد موسى ] (قضاة 3: 1و 4)، طبعاً لو رجعنا لمشكلة إسرائيل في عدم طاعة الله وأنهم لم ينفذوا أمره وضعف إيمانهم فتركوا هؤلاء الشعوب الأشرار الذين أرَّقوا كل حياتهم وبعدوا بسببهم عن الله، فالله ليست مشيئته أن يدخل الإنسان في تجربة، ولكن الإنسان هو الذي ينخدع من شهوته التي يميل نحوها ويتلذذ بها فيدخل في تجارب، ولكن الرب يتركه لخطأه أحياناً كثيرة ليمتحن إيمانه ليعرف حقيقة نفسه فيعود لله بالإيمان ويطيع وصايا الله بعد ذلك، فيتزكى ويصير أكثر وعياً وطاعة لصوت الله في قلبه بالروح القدس: [ طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه. لا يقل أحد إذا جُرب إني أُجرب من قِبَل الله، لأن الله غير مجرب بالشرور وهو لا يُجرب أحداً. ولكن كل واحد يُجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حُبلت تلد خطية والخطية إذا كَمُلَت تنتج موتاً. ] (يعقوب 1: 12 – 15)

وهذا بالطبع يختلف عن امتحان التنقية، الذي يقول عنه المزمور: [ نقي قلبي وكُليتاي ] (مزمور 26: 2)، لكي يصل الإنسان في النهاية لمعاينة الله القدوس الحي: [ إنما صالح الله لإسرائيل لأنقياء القلب ] (مزمور 73: 1)، [ طوبى للأنقياء القلب لأنهم يُعاينون الله ] (متى 5: 8)، [ أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به ] (يوحنا 15: 3).

لأن امتحان النوايا ونقاوة القلب التي يقوم بها الروح القدس بكشف وإعلان هذه النوايا من أجل تنقية القلب،هي التي تقودنا إلى الصلاة النقية، والتي فيها نُعاين الله بصورة ما، حسب النعمة المُعطاة لكل واحد، وحسب قوة التوبة وعمل الروح القدس في قلبه، وعلى قدر انفتاحه والتنقية التي حصل عليها على قدر معاينته لله ورؤيته في قلبه بوضوح، فيتغير لتلك الصورة التي يُعاينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح، نائلاً نعمة فوق نعمة…

وعموماً امتحان النوايا الذي يقوم به الروح القدس يتميز بالآتي:

أولاً : الرجاء في رحمة المسيح وقوة غفرانه بغسل القلب بدمه الكريم.
ثانياً : السلام الذي يجعل القلب منشغلاً، ليس بالصراع الداخلي – رغم وجوده – بل بالثقة في أنَّ الذي كشف لناعن خبايا القلب وأوجاعنا الداخلية، سوف يشفي ويجدد حياتنا القديمة .

أما فحص النية بنور كلمة الله، عندما نجلس أمامها بقلب تائب يطلب نعمة الله، فهو يقودنا لفحص الروح القدس الذي أعطى كلمة الله الحية للأنبياء والقديسين والآباء الرسل، فإذ اقرأنا كلمة الله الحية بهذا الوعي والغرض، أي التنقية، سكب الروح القدس “روح الحياة، روح المسيح القائم من الأموات “قوة الحياة فينا لكي نقبل الحق الذي في كلمة الله.

لذلك واجب علينا أن نتوب أولاً عن الكراهية والأحقاد، ولنسامح بعضنا البعض ونصفح عن الأعداء حتى تكون صلواتنا مقبولة لدى الله، وننال قوة غفران دائم مع غسيل مستمر، ونحيا ثابتين وراسخين في الإيمان، عائشين كجنود صالحين لربنا يسوع حاملين الصليب تابعين الرب للجلجثة لنبلغ قوة قيامته، وكما هو مكتوب: [ لأعرفه و قوة قيامته وشركة آلامه متشبها بموته ] (فيلبي 3: 10)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى