القاموس الكنسي

المسيح بكر كل خليقة πρωτότοκος

المسيح بكر كل خليقة πρωτότοκος
الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة (كو 1 : 15)
و من يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات و رئيس ملوك الأرض الذي أحبنا و قد غسلنا من خطايانا بدمه (رؤ 1 : 5)

للبكر مكانة خاصة في العهد القديم بين عائلته وأيضاً أمام الله حسب الوصايا التي أعطاها الله لأنبياء العهد القديم. وعندما كتب بولس الرسول رسالته إلى أهل كولوسي، ذكر لهم أن المسيح هو: «بكر كل خليقة» (كو 1: 15). فماذا كان يعني بولس الرسول بهذا اللقب، وكيف يكون المسيح بكر الخليقة؟
البكر هي أول كلمة في العهد القديم في لغته العبرية: «في البدء (براشيت)» وهي الكلمة التي تحمل في داخلها معنى البدء أو الرأس. ويعزف القديس بولس الرسول ترنيمة رائعة تنقسم هذه الترنيمة إلى جزئين :

الأول منها (كو 1: 15-17) يظهر فيه المسيح كمصدر للخليقة
+ «الذي هو صورة الله غير المنظور،
بكر كل خليقة، فإنه فيه خُلق الكل،
ما في السموات وما على الأرض،
ما يُرَى وما لا يُرَى،
سواءٌ كان عروشاً أم سيادات أم رياسات أم سلاطين،
الكل به وله قد خُلِقَ،
الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل».

أما الجزء الثاني من الترنيمة (كو 1: 18-20) فيظهر فيه المسيح كمصدر للخليقة الجديدة، أو ينبوع الفداء:
+ «وهو رأس الجسد، الكنيسة،
الذي هو البداءة، بكرٌ من الأموات،
لكي يكون هو متقدِّماً في كل شيء،
لأنه فيه سُرَّ أن يَحلَّ كل الملء،
وأن يُصالِح به الكل لنفسه،
عاملاً الصلح بدم صليبه، بواسطته،
سواءٌ كان ما على الأرض، أم ما في السموات».

( تأتي كلمة ”بكر“ في اللغة اليونانية πρωτότοκος (بروتو- توكوس) وترجمتها الحرفية ”الحَمْل للمرة الأولى“، وهي من الكلمات الخاصة بالترجمة السبعينية للعهد القديم، إذ أنها لم تَرِد في أية نصوص يونانية قبلها، وقد وردت فيها حوالي 130 مرة بمعنى ”الابن البكر، أو الابن المولود أولاً“. وهذه الكلمة هي ترجمة للكلمة العبرية ”بوكير“ ومعناها ”بكر“ وذلك عندما تأتي لتصف بكر الإنسان أو الحيوان، وفي الجمع ”بكوريم“ ومعناها ”أبكار“ عندما تصف أبكار المزروعات . )
أما في العهد الجديد فإنها تَرِد ثماني مرات: مرتان منها في صيغة الجمع (عب 11: 8؛ 12: 23)، أما الست مرات الباقية فتأتي في صيغة المفرد وتشير إلى الرب يسوع.
وعندما نقرأ هذه الآيات، لا نجد صعوبة في فهم معناها، فمعظمها تحمل المعنى الشائع في العهد القديم لمفهوم البكر، أي الابن الأكبر، أو الابن المولود أولاً. فهي تَرِد في إنجيل لوقا عن ميلاد الرب يسوع من العذراء مريم: «فولدت ابنها البكر وقمَّطته وأضجعته في المذود… كما هو مكتوب في ناموس الرب أن كل ذكر فاتح رحم يُدعَى قدوساً للرب» (لو 2: 23،7). والجدير بالملاحظة هنا أن كلمة ”البكر“ اليونانية (بروتوتوكوس) تحكم ما قبلها وليس ما بعدها، أي أنها تعطي معنى أن المولود هنا هو المولود الأول، وليس بالضرورة أنه لحقه آخرون في الولادة. كما تَرِد كلمة ”البكر“ أيضاً عن المسيح كبكر من بين الأموات أو كبكر بين إخوة كثيرين (رؤ 1: 5؛ رو 8: 29).

+ وقد استخدمت كلمة πρωτότοκος للمسيح الرب للتعبير عن علاقة خاصة مع الأب ، فهو الأزلي معه في الربوبية ، وهو واحد معه غير منفصل .
+ وقد استخدمت الكلمة أيضاً لتوضيح أن الرب يسوع هو رأس الخليقة ، خلق به كل شيء كما هو واضح في بداية إنجيل يوحنا الرسول ، وأيضاً في كولوسي كما رأينا ووضحنها في أول الموضوع …
+ وتأتي بمعنى أنه هو رأس الكنيسة والخليقة الجديدة :
و هو رأس الجسد الكنيسة الذي هو البداءة بكر من الاموات لكي يكون هو متقدما في كل شيء (كو 1 : 18)

يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [الله الذي كان للناس خالقاً، صار لهم فيما بعد أباً، بسبب كلمته الذي سكن فيهم. أما بخصوص الكلمة، فالأمر معكوس، فالله وهو آب له بالطبيعة، صار له فيما بعد خالقاً وصانعاً، حين لَبِسَ الكلمة جسداً مخلوقاً ومصنوعاً وصار إنساناً… فحينما لَبِسَ الكلمة جسداً مخلوقاً وصار مُشابهاً لنا من جهة الجسد، فقد صار من اللائق أن يُدعَى ”أخاً“ لنا و”بكراً “ لنا. فمع أنه قد صار من بعدنا ولأجلنا إنساناً وأخاً لنا بسبب مشابهة جسده لأجسادنا، لكنه مع ذلك يُدعى ويكون بالفعل ”بِكْراً“ لنا. لأنه بينما كان جميع الناس هالكين بسبب معصية آدم، فإن جسده، كأولٍ بين جميع الأجساد الأخرى، قد نجا وتحرَّر لأنه كان جسداً ”للكلمة“ نفسه؛ ومن بعده نحن أيضاً لمَّا نصير جسداً واحداً معه نخلُص أيضاً على مثاله… فإنه هو ”الابن الوحيد“ بسبب ولادته من الآب، وهو ”البكر“ بسبب تنازله إلى خليقته، واتخاذه إخوة كثيرين له] ضد الأريوسيين 2: 62،61

ويقول القديس كيرلس الكبير: [ «متى أَدْخَلَ البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله» (عب 6:1). فمع بقائه ابن الله الوحيد (مونوجينيس) من جهة لاهوته، إلاَّ أنه لَمَّا صار أخاً لنا، قد دُعِيَ أيضاً بلقب ”البكر“، حتى يصير مثل باكورة لتبنِّي البشرية، ويُهيِّئ لنا أن نصير نحن أيضاً أبناءً لله…] تفسير لو 2: 7

[ بسبب محبة الآب لخلائقه، قد دعا الابنُ نفسَه بكراً لكل خليقة (1كو 1: 15). فهو بكر من أجلنا نحن، حتى تصير الخليقة كلها كأنها مطعَّمةً فيه، كما في أصل جديد غير مستهدَف للموت، فتنبت من جديد من الكائن الأزلي نفسه! ] الكنز في الثالوث 25
ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [ ليتنا لا نمسك فقط بالمسيح بل لنلتصق به، لأننا إن افترقنا عنه فإننا نهلك، كما يقول: «الذين يبعدون عنك يهلكون» (مز 73: 27). فلنلتصق إذاً به، لنلتصق به بأعمالنا، لأنه يقول: ”الذي يحفظ وصاياي فهو الذي يثبت فيَّ“ (انظر يو14: 21). وهو يوحِّدنا به بأمثلة كثيرة. فانظر: إنه هو الرأس ونحن الجسد. فهل يمكن أن توجد أية فجوة بين الرأس والجسد؟ إنه هو الأساس ونحن البناء. هو الكرمة ونحن الأغصان. هو العريس ونحن العروس. هو الراعي ونحن الخراف. هو الطريق ونحن السائرون فيه. نحن الهيكل وهو الساكن فينا. هو ”البكر“ ونحن إخوته. هو الوارث ونحن شركاؤه في الميراث. هو الحياة ونحن الأحياء. هو القيامة ونحن القائمون. هو النور ونحن المستنيرون. كل هذه تفيد الاتحاد ولا تترك فرصة لوجود أقل فجوة بيننا وبينه] العظة الثامنة في تفسير 1كو 3: 11

________________المراجع__________
مجلة مرقس – إصدار دير القديس مقاريوس الكبير – برية شيهيت
+ القاموس الموسوعي للعهد الجديد – فيرلين د. فيربروج
+ The RSV INTERLINEAR GREEK-ENGLISH
+ Theological Dictionary of the New Testament, Vol. VI, pp. 871-876

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى