س، ج

لماذا كُتبت خطايا الأتقياء والأنبياء في الكتاب المقدس ولماذا تظهر خطية الكثيرين ولا تخفيها الكنيسة

نرى دائماً أن خطايا الأنبياء وأتقياء الله ظاهرة في العهد القديم، بل وأيضاً في العهد الجديد تظهر خطية الكثيرين بلا مورابة أو إخفاء، بل أيضاً في داخل الكنيسة خطية كثيرين واضحة ولا تخفيها الكنيسة أو تخاف أن تسبب بكشفها عثرة لأحد قط، لأنها لا تشهر بالأشخاص إنما تحصر الخطية وتُدينها لتكون محل توبة الكل، ولا تبرر الخطية وتلتمس الأعذار بحجج واهيه كفيلة أن تفسد الكل وتُغيبهم عن المسيح وتجعلهم يركزوا على الناس وكأنهم معصومين، بل تطالب بإصرار، بالاعتراف بالخطأ والتوبة السريعة وتحذر جداً من تبرير النفس لأنه في منتهى الخطورة وكفيل أن يطيح بالنفس بعيداً عن الله ويشوه طبيعة الكنيسة النابضة بحياة الله والمتطهرة دائماً بدمه الكريم….

بل الله سمح بإظهار الخطية وكشفها، والكنيسة ايضاً لا تخفيها قط، وذلك بالطبع لا من أجل الشماتة في فاعلها كما يتصور القليلين، أو من أجل تشويه سمعة أحد، بل كتب هذا كله لأجل أنذارنا، ووضعت القوانين لكي تضبط التوبة والحياة الكنسية، وليس من أجل تشوية سمعة أحد، كما أن الكنيسة لا تؤمن قط بعصمة أحد إطلاقاً على وجه الرض أو على مر العصور، لا نبي ولا رئيس انبياء ولا كاهن ولا أسقف ولا راهب ولا علماني، مهما ما وصلوا لقمة القداسة وقوتها، لأننا جميعاً طالما في الجسد وفي هذا العالم، فنحن تحت ضعف ومعرضين للسقوط في اي وقت أن لم ننتبه ونحذر، وبالطبع الحفظ من السقوط وقزة حياة النصرة، ليست منا إطلاقاً بل من الرب الذي وحده يشع فينا نصرته …

فيُخطأ كل من يظن أن من يحمل رتبة كهنوتية ويلبس ثوب الكهنوت والرهبنة أو حتى النبوة، هو ملاك الرب لا يُخطأ أو يصح أن يظهر ضعفه، أو أنه فوق المحاسبة للتوبة وضبط حياته لتستقيم الكنيسة وتسير في نقاوة، لذلك وضعت قوانين التوبة لا لتتضيق على الناس ولا حرمانهم من النعمة، بل للتقوى وتوبة القلب، لكي ما نحيا كلنا معاً رعية مع القديسين وأهل بيت الله بلا أي شائبة…

لماذا كُتبت خطايا الأتقياء والأنبياء في الكتاب المقدس ولماذا تظهر خطية الكثيرين ولا تخفيها الكنيسةوتأكدوا يا إخوتي، أنه طالما كان الرب معنا فلن نفشل قط، ولن نخاف من ضعفاتنا، ولا التجارب والمشقات، بل ولا من أي محنة تأتي علينا، أو شدة تجتاح حياتنا، لأننا سننتصر بسهولة أن تمسكنا بالرب المسيح شافي النفس، لأن فضل القوة منه وليست منا، لأنه راسنا الحي الذي يرعانا وليس الناس، لأن كل من يأخذ موهبة الخدمة هو خادم تحت ذات الراس الواحد والراعي العظيم الذي يقود الكنيسة كلها بسلام عبر الأجيال، فمسيحنا حي يضبط وحده الكنيسة، وكل من يظن أن إنسان مسئول عن الكنيسة مسئولية مطلقة، فهو يُخطأ للرأس أي المسيح الرب، الذي يعرف من له ويهبهم باسمه حياة، أما الأجير الذي يحاول أن يخطف أولاد الراعي العظيم، ويحسب لنفسه مكان الرأس، فأنه يقطعه بسيف الحق الحاد، رغم من أنه يعطيه زماناً للتوبة، ولكن أن لم يتب يزحزح منارته، ويعود لينقي بيدره ويشفي ارتداد من زاغوا وراء أفعال الناس ولم يلبسوا قوته، ليعيد مجدنا الأول بما هو أعظم وأمجد لأنه حي يرعانا حسب تدبيره الذي ينبغي أن يتم مهما ما كانت المعوقات أو التشويشات من عدو كل خير…

فأن صرنا متأملين في نعيم الحياة المقبلة ومجد قيامة يسوع، مفكرين في الرب ومُسَّلَمين كل شيء في يده، وواثقين أنه لا قوة لأي روح شرير ضدنا، بل ولا سلطان لهم على أي واحد إطلاقاً؛ فستصير نفوسنا محصنة ويهرب من أمامنا عدو الخير الذي عندما رأى يهوذا غير متيقظ أخذه أسيراً، والقديس بطرس غير متحفظ خدعة وأسقطه في الإنكار، والابن الضال أراد أن يحيا الحرية الزائفة ويسير في طريقه الخاص جعله يطلب بطمع ميراث أبيه ليصرف معيشته في شهوات ذاته المتقدة، وهكذا ظهرت خطايا الكثيرين لكي تكون لتعليمنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، لنفحص أسبابها ونحترز لأنفسنا لئلا نسقط نحن أيضاً أن لم ننتبه…

وهذا كله كُتب لأجلنا لكي نتعلم ونتيقظ فننتبه لحياتنا، لأن حتى ولو عدو الخير حاربنا حتى في داخل الكنيسة الذي نتعلم منها ونقضي فيها وقتاً لكي نتمتع بشركة المحبة أو بأن نفهم أصول الحياة والشركة مع الله، فأنه لن يقوى على عمل الله وقدرته طالما لا نُكابر ونعرف ضعفنا وضعف اي إنسان مهما ما كان، لأن عمل الله في داخلنا وقوته فينا مستترة تحتاج منا توبة صادقة وتسليم حياة مستمر للرب لتعمل فينا بقوة، فالله هو من يشع مجده الخاص فينا ويغذينا بكلمة الحياة التي يكلمنا بها سراً في قلوبنا بروحه الساكن فينا …

فلا يقلق أحد او يضطرب حينما يرى ضعفه او سقوط الكثيرين في الطريق مهما ما كانوا أقوياء لأنه مكتوب عن الخطية : [ طرحت كثيرين جرحى و كل قتلاها أقوياء ] (أم7: 26)، لذلك كتب القديس بولس قائلاً لنا عبر الأجيال: [ إذاً من يظن أنه قائم فلينظر أن لا يسقُط ] (1كو10: 12)

فيا إخوتي إن كان الله معنا فمن علينا ، وان كان الرب هو ملك المجد ورب القوات فمن يقدر أن يُحاربنا وينتصر علينا – إلا إذا تركنا الرب ولم نطلبه متمسكين بقوته الخاصة – فالرب وحده هو من يُدافع عنا بقوة مجد جلاله ويقودنا في موكب نصرته كل حين ويشع فينا نصرته الخاصة ، أن تمسكنا به بإيمان حي لا يتزعزع وثقة الرجاء الحي في محبته العظمى التي ظهرت في الصليب الذي هو فخر حياتنا الحقيقي، ولكم أن تقرءوا معي نصيحة القديس الأنبا أنطونيوس الكبير كما سبق وكتبتها لكم قبلاً ، ولكني أجددها لكم اليوم لكي نفرح وندخل في سر الغلبة والنصرة وفرح الروح القدس …

[ وهكذا إذا أردنا احتقار العدو فلنتفكّر دوماً في الإلهيات ، ولنجعل نفوسنا فرحة دائماً في الرجاء ، وعندئذ نرى فخاخ الشيطان كأنها دخان ، والأرواح الشريرة نفسها تهرب بدلاً من أن تتبعنا لأنها – كما قلت – شديدة الخوف جداً ، تتوقع دائماً النار المعدة لها . ] ( القديس الأنبا أنطونيوس الكبير )

فيا إخوتي مكتوب : [ لأن كل ما سبق فكُتِبَ كُتِبَ لأجل تعليمنا حتى بالصبر والتعزية بما في الكتب يكون لنا رجاء ] (رو15: 4)، فلا تنظروا لما كُتب لكشف خطايا القديسين والآباء وغيرهما، وكيف أن الله كشف أمام الكل خطية فلان والا علان، إلا من اجل أن يعرف نفسه وما فيه من ضعف لكي يقدم توبه، ثم نحن ايضاً نحذر وننتبه ونعلم أن لم ننتبه سنسقط نحن ايضاً ربما فيما هو أعظم، لأن الخطية خاطئة جداً لن نقوى عليها طالما غير محترزين ساهرين على حياتنا متمسكين بنعمة الله، فنحن لا ننذر وننتبه لخطايا الآخرين من اجل شيء آخر غير اننا ننتبه لحياتنا ….

والرب وضح الخطايا الكل ولازال يكشفها أمام بدون عذر ولا تبرير لموقف، بل يطالب بالتوبة لأجل خلاص النفس، ودبر كتابة كل شيء لكي نحترز وننتبه ولنقرا ما كُتب لأجل تعليمنا:
[ فاحترزوا لتعملوا كما أمركم الرب الهكم لا تزيغوا يميناً ولا يساراً ] (تث5: 32)
[ وأما أنتم فاحترزوا من الحرام لئلا تحرموا وتأخذوا من الحرام وتجعلوا محلة إسرائيل محرمة و تكدروها ] (يش6: 18)
[ احترزوا كل واحد من صاحبه وعلى كل أخ (مخطأ) لا تتكلوا لأن كل أخ يعقب عقباً وكل صاحب يسعى في الوشاية ] (أر9: 4)
[ احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة ] (مت7: 15)
وقال القديس بولس للمؤتمنين على رعية الله: [ احترزوا إذاً لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه ] (أع20: 28)

ولننتبه لكلام القديس بولس الرسول الذي قال لنا جميعاً بلا استثناء: [ لذلك يجب أن نتنبه أكثر إلى ما سمعنا لئلا نفوته. لأنه أن كانت الكلمة التي تكلم بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعدٍ ومعصية نال مجازاة عادلة. فكيف ننجو نحن أن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا. شاهداً الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته. ] (عبرانيين2: 1 – 4)

وماذا يحدث لو أخطأنا وسقطنا ولم نحترز ولم ننتبه لحياتنا، هل نفشل ونقول أننا لا ننفع، أم نعمل بما هو مكتوب:
[ ان اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهرنا من كل إثم ] (1يو1: 9)
[ يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وأن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً. وبهذا نعرف أننا قد عرفناه أن حفظنا وصاياه. من قال قد عرفته وهو لا يحفظ وصاياه فهو كاذب وليس الحق فيه. وأما من حفظ كلمته فحقا في هذا قد تكملت محبة الله بهذا نعرف أننا فيه. من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً. ] (1يو2: 1 – 6)
[ ولكن أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ] (1يو1: 7)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى