مقالات

مشكلة شباب اليوم والصراع في الحياة المسيحية والتركيز على الفكر والنظريات بدون شركة وحياة

مشكلة الكثيرين اليوم أنهم يركزون على الفكر أولاً وكثرة الكتب والمعارف الروحية واللاهوتية وينطلقوا للخدمة والدفاعايات عن الإيمان والمسيحية والكتب الإلهية قبل أن تحل عليهم قوة الله ليدخلوا في خبرات روحية حية ليستطيعوا أن يعينوا المجربين والذين في صراع حتى يقدموا لهم مسيح القيامة والحياة الذي يُخرج النفس من الحبس، فيدخلوا في سرّ الإيمان الحي كخبرة وحياة، لأن من يلبس ثوباً أوسع منه يتعثر فيه ويسقط، والرب قال طوبى لمن عَمِلَ وعلَّم ولم يقل طوبى لمن عَلَّمِ وفكر منطقياً، لأن العمل بكلمة الله يأتي أولاً قبل التعليم وتقديمه للآخرين.. ولذلك نلاحظ أن حتى لو عدى على هؤلاء كلام حي بالروح أساسه الخبرة وعمل الإيمان الحي العامل بالمحبة، سيتحول لهم لمجرد فكر عالي ودفاع ولن يكون مجال خبرة وحياة تدخلهم في شركة حقيقية مع الله والقديسين في النور، بل سيكتفون بالفكر غالباً ويظل الله عندهم في الفكر ولا ينزل للقلب أبداً، إلا يا دوب على المستوى العاطفي والذي لا يتحول لحب يظهر في حفظ الوصية بمسرة وفرح عميق في النفس فيختبروا كيف يسكن الآب والابن والروح القدس في النفس ويتحول الإنسان على المستوى العملي الواقعي هيكلاً مخصصاً لله الحي [ أن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلاً ] (يوحنا 14: 23)

لذلك لا يستطيع أحد أن يتكلم عن بناء الدور الأخير لمبنى قبل أن يضع الأساس، ولا يستطيع أحد أن يضع أساس البناء أن لم يحفر أولاً ويتم إزالة الردش حتى يتهيأ المكان لوضع الأساس ثم يبدأ البناء، وبعد أن يكتمل يبدأ تزيينه وتهيئته للسكنى، لكن ما يحدث لكثيرين هو أنهم يريدون ان يبدأوا من الآخر، ثم من الطبيعي أن يدخلوا في صراعات لا حصر لها، لأنهم حتماً سيشعرون أن المسيحية أصبحت نظريات وأفكار، لذلك الرب قال تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولم يقف عند هذا فقط (كما يقف عندها الكثيرون ولا يدخلوا في سرّ ما قاله الرب) بل كمل قائلاً: وقوة الله، إذن معرفة الكتب وحدها لا تُخلِّص الإنسان بل قوة الله، وقوة الله حينما يطلبها الإنسان وينتظر الله يحل في قلبه بالإيمان الحي وعمله العظيم، حينئذٍ يفهم الكتب ويستوعب الأسرار الإلهية فيدخل في سرّ المسيحية بإعلان، لأن حتى الرسول قال: [ بإعلان عرفني السرّ ] (أفسس 3: 3)، وهنا لا توجد نظرية فكرية بل إعلان إلهي يستحيل معه شك أو دخول في صراع أو تشكيك من الناس كلها، لذلك الرسول قال عن خدمته: [ لم استشر لحماً ولا دماً ]، لأن هناك إعلان فائق استلمه وقوة حلت عليه تتناسب مع هذا الإعلان، لذلك الرب قال للرسل: [ اقيموا في مدينة اورشليم إلى أن تلبسوا قوة من الأعالي ] (لوقا 24: 49)، فلو تخيلنا أن الرسل كرزوا ومضوا يتكلمون عن مسيح الحياة بدون أن ينالوا هذه القوة فكيف يكون الحال !!!

لذلك أن لم نلبس قوة من الأعالي سندخل في صراع لن ينتهي، ما بين النظريات والأفكار والحياة الواقعية وحفظ الوصية، وفي النهاية ربما ندخل في مرض نفسي وصراعات لن تنتهي قط، وربما ننكر المسيح، أو نبتعد عن الطريق الروحي تماماً، يا اما نحيا بالناموس، أو بالرياء… الخ، وان انتهى حتى الصراع الداخلي شكلاً لكن سيظل موجود جوهر، حتى لو حاولنا نقنع أنفسنا بشكل نفسي وترداد أفكار إيجابية، فلا خروج من الصراع الداخلي إلا بلبس قوة من الأعالي، ومتى نال كل واحد قوة من الأعالي استطاع أن يحيا الإنجيل بقوة الله فيخرج خارج النظريات والفكر العقلي وتكدس المعرفة من الكتب في عقله، ليدخل في سرّ الحياة الجديدة في المسيح يسوع، ومن هنا تأتي الخبرات الروحية الداخلية وينتقل الإنسان من درجة لدرجة نحو العمق ويظهر فيه ثمر الروح القدس، أما أن ظل يخدم ويتكلم سيزداد الصراع، فيا إما يبتعد عن الله تماماً، يا إما يشعر في النهاية أن كل هذه نظريات مثل معظم النظريات ولا يوجد قوة الله ولا حاجة فكلها خيالات وأفكار وكلام مستحيل أن يُعاش، إلا في إطار الفكر والكلام، فتصبح المسيحية أفكار فلسفية عالية لا يدركها سوى المتعلمين وفاحصي الكتب ودارسي اللاهوت، أو ربما ينسى نفسه ويظل في هذه الدائرة إلى أن يستفيق يوماً على أنه فارغ من الله ومملوء من فكر وكلام بدون رؤية وخبرة وشركة القديسين في النور…

عموماً يا إخوتي على قدر ما يكون الإنسان صريح مع نفسه ويعترف بشجاعة بنقائصه، فأنه سيدخل في سرّ عمل الله في باطنه، وعليه أن يعلم أن تحرك بالتوبة والاعتراف أمام الله وأمام نفسه، فأن هذا يدل على عمل الله في داخله لينقله الله الحي لعمق أصيل ليُصبح نور حقيقي للعالم تنعكس على قلبه وحياته قوة النعمة المُخلِّصة، وفعلاً حينما نعتزل لنصرخ لله الحي حتى يعطينا ما وعد به لنا، حينئذ ننال قوة ونعيش كما يحق لإنجيل ربنا يسوع، ونأخذ دعوة الخدمة لله لنستطيع أن نخدم اسمه ونُسلَّم خبرات روحية حية وليس أفكار وكلام كتب مجرد من قوة الله ومملوء من الفكر العالي والمنطقي:
ولا ينبغي أن ننسى أنه مكتوب:

انتظر الرب ليتشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب (مزمور 27: 14)
انتظر الرب واصبر له ولا تغر من الذي ينجح في طريقه من الرجل المجري مكايد (مزمور 37: 7)
انتظر الرب واحفظ طريقه فيرفعك لترث الأرض إلى انقراض الأشرار تنظر (مزمور 37: 34)
لا تقل إني أُجازي شراً، انتظر الرب فيخلصك (أمثال 20: 22)

كونوا معافين في نور الله المُشرق في وجه يسوع المسيح إلهنا الحي الذي هو ليس ببعيد عن أي واحد فينا، النعمة معكم

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى