الارشاد الروحى

الخميرة التي خمرت العجين كله

رسمت الكنيسة من خلال تاريخها الطويل عبر العصور إلى اليوم صورة المسيح الرب المجيدة مقروءة من جميع الناس من خلال حياة أولادها [ أنتم رسالتنا مكتوبة في قلوبنا، معروفة ومقروءة من جميع الناس ] (2كورنثوس 3: 2)، لأنها تشع فيهم مجده الخاص بكونهم هياكل مقدسة شريفة تطهرت بدم حمل الله رافع خطية العالم، فصارت هياكل أجسادهم مقرّ سكنى الله يشع فيها نور مجده الفائق [ أما تعلمون إنكم هيكل الله وروح الله يسكن فيكم ] (1كورنثوس 3: 16).

فالكنيسة جسدت ملكوت الله على الأرض في التاريخ الإنساني من خلال حياة قديسيها، وقديسي الكنيسة في الأساس هما جميع شعب الرب  الخطاة الذين عادوا إلى الله بكل قلبهم، فغسلهم وقدسهم وبررهم، وألبسهم القداسة التي هي ثيابهم البيضاء، لذلك دعانا كلنا قديسين، أي المقدسين في الحق، أي في شخص ربنا يسوع، وهذه القداسة ليست منا ولا بفضل أحد فينا أو ثمرة أعمال ذاته، بل هي عطية الله المجانية لكل من يُقبل إليه ويقبلها منه، ويحيا في شركة القديسين في النور: [ اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب يسوع وبروح الهنا ] (1كورنثوس 6: 11)، [ إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح، آمنا نحنُ أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس، لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما ] (غلاطية 2: 16)، [ لا بأعمال في برّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس ] (تيموثاوس 3: 5)

لذلك من ينكر عطية الله التي هي القداسة ولا يعترف بها أو يحاول أن يشتريها بأعماله أو مجهوده فأنه يفشل ويخرج خارج التدبير ولا يُصبح من الكنيسة لأنه خارجاً عنها، وحتى ولو اكتسب أي فضيلة فأنه ينتفخ ويتكبر، لأنه يظن أنه امتلك القداسة بجهده أو نسكه ويحاول أن يداريها عن الناس بحجة التواضع، وذلك عوض أن يشهد بها عن عمل الله في حياته، لأنه في الأصل كان ميتاً والرب أعطاه باسمه حياة، اي بتعبير الإنجيل [ كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد ] (لوقا 15: 24)، لذلك تصير – أمام عيني الله القدوس – هذه القداسة المُصنعة بجهد الإنسان، كخرقة بالية ليس لها قيمة تُذكر، لأن مكتوب [ كونوا قديسين لأني أنا قدوس ] (1بطرس 1: 16)، [ نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة ] (1بطرس 1: 15) ومن يستطيع أن يصنع القداسة التي يرضى عنها الله مهما ما فعل أو بذل من جهد بشري، لذلك فأن الفقير والمسكين العريان، الخاطي الذي تمرمرت نفسه في حمأة الخطايا والشرور، أن تقدم بقلب بسيط وانسحاق طالباً نعمة الله، لأنه يدرك أنه ميت يُريد الحياة، فأن مثل هذا فقط هو الذي ينال قوة الله ويصير من الكنيسة لأنه نال نعمة القداسة من الله وصار ابناً لله في الابن الوحيد، لذلك فأن الكنيسة فيها قديسين أصلهم خطاة أحبهم الله وبذل ابنه الوحيد لأجلهم، لذلك ففرح الكنيسة بالخطاة التائبين أعظم فرح فيها، لأنها تربي أولاد الله الحي في المحبة والحق ليكتبوا سيرتهم في السماء بالحب والقداسة، ببذل الذات حتى الموت مع المسيح، يحيوا بالإيمان الواعي ويستقبلوا سرّ عطية القداسة وينمو فيها يوماً بعد يوم [ فإذ لنا هذه المواعيد أيها الأحباء لنطهر ذواتنا من كل دنس الجسد والروح مكملين القداسة في خوف (تقوى) الله ] (2كورنثوس 7: 1)…

لذلك لم يعد في الكنيسة وصمة عار خطية، لأن كل واحد فيها مغسول وطاهر بدم الحمل ولا حاجة له إلا لغسيل قدميه التي تُسمى حياة التوبة المقدسة والمستمرة، لذلك [ قال له يسوع (لبطرس): الذي قد اغتسل ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه، بل هو طاهر كله وأنتم طاهرون ولكن ليس كلكم ] (يوحنا 13: 10)، ولذلك يقول الرسول: [ ان اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويُطهرنا من كل إثم (1يوحنا 1: 9)، لذلك فأن الكنيسة فيها زرع الله الجيد وغُرسه المجيد، وهذا ما صنعه الرب في الكنيسة حسب وعده [ لأجعل لنائحي صهيون، لأُعطيهم جمالاً عوضاً عن الرماد، ودهن فرح عوضاً عن النوح، ورداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة، فيدعون أشجار البرّ غُرس الرب للتمجيد ] (إشعياء 61: 3)، وفيها أيضاً الزوان الذين لا ينتمون إليها ولكن شكلهم فيها ولهم صورة التقوى ولكنهم ينكرون قوتها: [ فلما طلع النبات وصنع ثمراً حينئذ ظهر الزوان أيضاً… دعوهما ينميان كلاهما معاً إلى الحصاد، وفي وقت الحصاد أقول للحصادين اجمعوا أولاً الزوان واحزموه حزماً ليُحرق، وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزني ] (مت  13 :  26 و30)

وبذلك فأن أولاد العالم ظاهرون وأبناء الله معروفين في كنيسة الله الحي أمام عينيه [ بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس، كل من لا يفعل البرّ فليس من الله، وكذا من لا يحب أخاه ] (1يوحنا 3: 10)، لأن من لا يحب أخاه لا يعرف الله، بل هو غريب عن روح المسيح، لأن روح المسيح هو روح المحبة الذي يقود النفس [ لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ] (رومية 8: 14)

لذلك يا إخوتي علينا أن نُدرك مكانتنا ونتحقق من وضعنا الخاص في كنيسة الله الحي، فيا إما نكون حنطة، أشجار برّ غُرس الرب للتمجيد، يا إما زوان، لنا صورة التقوى وننكر قوتها ويصير لنا صوت الرب: [ أنا عارف أعمالك أن لك اسماً إنك حي وأنت ميت ] (رؤيا 3: 1)، فعلى كل وجه كلنا خمير سنخمر العجين كله، فأن كنا خمير الرب فسنُخمر العجين بالقداسة والبرّ ونشع نور الرب في العالم كله وتصير خدمتنا مثمرة لحساب مجد الله الحي، أو نكون خمير شرّ في وسط الجيل كله، فنجعل الثمار في داخل الكنائس معطوبة كلها، بل ونشع فيها شرور جمة تُطفأ نور الكثيرين، ولا تدعم قوة الكنيسة بل نصير معثرة، كما هو حال خُدام كثيرين اشاعوا الفوضى المُدمرة للنفوس عن دون دراية منهم، لأنهم جلسوا على كراسي التعليم قبل أن يثمروا حسب الكلمة المغروسة في قلوبهم: [ لذلك اطرحوا كل نجاسة وكثرة شر، فاقبلوا بوداعة الكلمة المغروسة القادرة أن تُخلِّص نفوسكم ] (يعقوب 1: 21)

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى