القاموس الكنسي

اللوغوس Logos λόγος

اللوغوس Logos λόγος

اللوغوس Logos λόγος
كلمة (لوغوس) كلمة واسعة المعنى، فهي تعني في الأساس [كلمة – word]، وأصلها من الفعل Lego بمعنى أقول، فهي الكلمة أو القول، وباختصار تعني: [ كلام – قول – خبر – حكاية ]، وكلها مفردات تحمل ذات المعنى، إلا أن الكلمة تعني أيضاً: [ علِّة – سبب – دعوى – حق – أمر ]، كما تُشير ايضاً إلى: [ حساب – يُحاسب – يحتسب ].

واللوغوس أي الكلمة، هو اللقب المُقابل للقب “الابن” عند الآباء ما قبل نيقية ليشرحوا به علاقة الابن بالآب كعلاقة تنأى عن اي ارتباط مادي، أو في المقابل تحمي أي انفصال للابن عن كيان الآب. فكلمة الله (اللوغوس) ليس صفة في الله، بل هو أقنوم، وهو ليس خارج عن الله الثالوث، بل هو في الجوهر الواحد الذي لا انفصال فيه قط، مولود من الآب قبل كل الدهور، [ وكما تخرج الكلمة من العقل دون أن تمزقه، أو تُحسب الكلمة منفصله أو منقسمه عن طبيعة العقل، هكذا وعلى هذا النمط ينبغي أن نُدرك علاقة الابن بالآب الذي هو صورته ] (العلامة أوريجانوس 185 – 254م)

وكلمة “لوغوس” كانت معروفة من قبل عند الفلاسفة واليهودية والآثار الوثنية، وأول استخدام لها كان في كتابات هيراقليطس Heraclitus الأفسسي حوالي سنة 500 ق.م، وهيراقليطس كان يطلق الكلمة على مبدأ أو قانون السيلان الدائم الذي تجري على أساسه أنواع التغير المتضاد في الوجود، ويجعله أفلاطون مستودع الصور العُليا التي على أساها تنشأ الأشياء. وعند فيلو اليهودي كان اللوغوس هو “العقل الإلهي” الذي يحكم العالم، وهو الوسيط بين الله والكون المادي، واتسعت فكرة اللوغوس في الفلسفة الرواقية لتُصبح العقل البذري Logos Spermatikos أو المبدأ الخالق للأشياء والقوة الباطنة في الموجودات. ويصف فيلون اللوغوس بأنه مبدأ يتوسط الله والمخلوقات، لأنه من ناحية قد ولده الله، أو هو ابن الله، ومن ثم فله بدء، ولكنه ليس البدء الزمني وإنما البدء من حيث مرتبة الوجود. (طبعاً كل هذا بعكس ما كتب القديس يوحنا في الإنجيل)

أما أول من استخدم هذه اللفظة في العهد الجديد (اللوغوس) هو القديس يوحنا اللاهوتي (يوحنا1: 1، 14؛ يوحنا1: 1؛ رؤيا19: 13)، ولكنه استخدم الكلمة بطريقة أخرى استعلانية كشخص، وهي أبعد بكثير من فكر كل من سبقوه سواء الفلاسفة اليونان أو اليهود، واستخدمها من بعده آباء الكنيسة، لذلك يُخطـأ الكثيرين في شرح هذه الكلمة وربطها بالمعاني الفلسفية ولاعتماد على القواميس اليونانية في شرحها، وعادة ينحصر الشرح – عند غير المدققين وغير الفاهمين على مستوى الخبرة وتسليم الإيمان – في أن اللوغوس هو عقل الآب، أو نُطق الآب، ولكي نفهم المعنى الصحيح لهذه اللفظة سنشرح في عجالة سريعة الفرق ما بين اللوغوس في إنجيل القديس يوحنا وما بين اللوغوس عند الفلاسفة.

أولاً : قبل أن نخوض في موضوع الفرق ما بين معنى اللوغوس عند القديس يوحنا الرسول وعند الفلاسفة ، لنظهر الفرق الشاسع ما بين شخص المسيح الكلمة المتجسد كشخص حي وحضور محيي، وبين الفلسفة المبنية على أن اللوغوس هو العقل والموجوده في القواميس اليونانية، ونظهر من أي مكان استقى الكثيرين هذا المعنى وأكدوه بعيداً عن المفهوم الصحيح لإنجيل القديس يوحنا الرسول، واستعلان الله في ملئ الزمان …

يهمنا أولاً أن نؤكد على أنه لا ينبغي أن ندرس اللوغوس أو عن الله كثالوث قدوس أو اي عقيدة مسيحية كدراسة تاريخية لغوية فلسفية معتمدين على الحرف أو القواميس القديمة ، أو كأبحاث مجردة نبحث فيها بدقة ونستخرج حسب ما نراه مناسب وحسب اللفظ ونتمسك بالتعبيرات الجامدة ونصير بحيثه وعلماء مدققين !!!

وفي هذا كله ننسى الإنجيل في حقيقة جوهره، وليس من الوجهة السطحية، وليس معنى كلامي أن كثيرين نسوه في بحثهم ، بل أن الكثيرين جعلوة مصدر البحث وركيزته ، مع أن الكتاب المقدس في ذاته ليس موضوع للعلم والدراسة الفلسفية المجردة تتوقف على العقل وقدراته على استنباط الأمور ، لأنه أتى بتاريخ غير التاريخ البشري الواقع تحت الضعف والانحلال ، أي تاريخ معاملات الله مع البشر ، حيث أن الزمان يفقد دوره في خلق علاقة بين الله والبشر ، لأن الله دخل في الزمان ، إذ تجسد وأعطى له بعداً اسخاتولوجي !!!

فالإنجيل جاء بلغة أخرى غير لغة البشر ، ولغته هي لغة المحبة ، أي اللسان الجديد ، وجاء ليظهر خليقة جديدة هي عمل المسيح له المجد ، والخليقة الجديدة تحيا ليست بفلسفة من هذا الدهر ولا من علماءه وفكره الفلسفي ، بل أتى بلغة سماوية هي البذل والعطاء وفيض النعمة …

فالكتاب المقدس فيه استعلان الثالوث لا على المستوى الفلسفي ، بل الثالوث كشخص حي وحضور محيي ، ويعلن الثالوث القدوس المساوي غير المنفصل أو المتجزأ ، حقيقة المحبة التي تعطي دون أن تسود ، تبذل دون ان تقهر ، وتُحيي دون أن تُبيد .

المسيح له المجد استعلن كمال الثالوث ، لا على مستوى الفلسفة إنما على مستوى قوة الحياة ، ولذلك ننشد نشيد القيامة : ” بالموت داس الموت ” وهذا النشيد هو فرحنا واستعلان إبادة قانون الفساد وتحرير الإنسان من سلطان الموت ، وبالتالي من سلطان الخطية . وهذا يستحيل فهمه على مستوى الخبرة إلاَّ من خلال المحبة الأزلية التي لله الآب والابن والروح القدس الثالوث القدوس المساوي …

حينما نتحدث عن طبيعة الله ، يجب أن لا نتكلم عن طبيعة مجردة abstract ، لئلا نقع تحت طائل الفلسفة وقانونها وندخل في هرطقات الهراطقة ، الذين وقعوا في نفس ذات المشكلة حينما حاولوا أن يظهروا عمل الله بالفلسفة والفكر ، والله ليس فكرة ولا موضوع فلسفي ، إنما هو شخص حي وحضور محيي ، وكلمة الله ليست عقل ولا حتى مجرد كلمة مجردة تخرج من عقل ، وان كان كثيرن أخذوا هذا التشبية ، ولكنه مجرد تشبيه للتصوير وتقريب المفهوم ليس إلا ….

ولكن الله في النهاية هو من يعلن عن نفسه ونحن نؤمن به إيمان بسيط بمحبة وهو من يستعلن لنا ذاته في القلب ويعطينا سر الاتحاد به بما يفوق كل شرح أو تفسير ,,,

_______________________

ثانياً : هناك خلط واضح ما بين الإنجيل والفلسفة ، لأن مصدر مقولة أن الابن هو العقل ، هو مصدر فلسفي ، لأن مستحيل أن نبدل كلمة λόγος لوغوس في إنجيل يوحنا التي تُرجمت بالكلمة ونستبدلها بكلمة العقل ، فمن المحال أن نقول في البدء كان العقل عوض الكلمة !!!
ومستحيل أن ندمج الاثنين معاً ، لأن فلسفياً : الكلمة وليدة العقل المفكر ، أي يسبقها التفكير ، وفي الله الثالوث القدوس لا يوجد سابق ولا لاحق ، لئلا لا يكون إله واحد بسيط في طبيعته …

وأول من شرح معنى اللوغوس بأنه عقل الله هو العلامة اليهودي فيلون ( 30 ق.م – 50 ب.م ) ، وشرحه ما هو إلا عبارة عن محاولة الربط بين الدين والفلسفة اليونانية : وقد تحدث عن اللوغوس على وجهين :
1 – من حيث أنه هو عقل الله الباطن ، ويحوي في داخله مثال العالم ، وهو يُشبه العقل الباطن في الإنسان ، ويدعوه Logos endiathetos
2 – من حيث هو الكلمة المقولة الصادرة عن الله وتظهر في العالم ، وذلك عندما خرج اللوغوس من الله في خلقه العالم ، ويدعوه ب Logos prophorikos أي اللوغوس المنطوق أو المسموع ، كما هو الحال عند الإنسان ، فإن الكلمة المقولة هي إظهار الفكر .

+ بالنسبة للوجه الأول ( رقم 1 ) للوغوس ، فأن اللوغوس يكون واحداً مع الكيان الإلهي غير المرئي .
+ وبالنسبة للوجه الثاني ( رقم 2 ) فإن اللوغوس يحيط بكل أعمال وإعلانات الله في العالم وهو بداية الخليقة ، وهو صورة الله الوسيط بين الله والعالم !!!

عموماً بدون تطويل لكي لا ندخل في مهاترات الفلاسفة ، لأني لا أنوي أن اكتب بحث تاريخي ولا فلسفي ، إنما أوضح أن القديس يوحنا الرسول لم يتعلم من فيلون أو استقى من الفلسفة اليونانية شيئاً على الإطلاق ، فان كان قد كتب لفظة اللوغوس ، ولكنه ابتعد تماماً عن المعنى الفلسفي لأن اللوغوس عند القديس يوحنا هو شخص المسيح الكلمة المتجسد ، وقد أدركه القديس يوحنا من أقواله وتعاليمه شخصياً ، فقد رآه ولمسته يديه من جهة كلمة الحياة ، فهو هنا يشهد عن الحياة التي أُظهرت لنا وليس عن فكر أو عقل ، أو أي نوع من أنواع الفلسفة ، بل ببساطة الروح كتب في سمو فائق يفوق كل عقول الفلاسفة وشرحهم المطول والمعقد ، بل تكلم عن الكلمة كشخص حي وحضور محيي ، غير منفصل عن الآب ولا كمجرد كلمة منطوقة ولا مجرد عقل كان الآب به يفكر !!!

لذلك لا يَصح أن نُشبه اللوغوس ” بالعقل ” أو ” بالفكر ” أو ” بالفعل ” ، لأن مفهوم الإنسان للفكر والفعل يختلف عن مضمونهم الإلهي في اللوغوس تمام الاختلاف ، والقديس يوحنا كتب في مستهل الإنجيل قائلاً : ” في البدء كان الكلمة ” أي قبل أن يوجد التفكير العقلي للإنسان وقبل الفعل المتولد من القوة المخلوقة عند الإنسان ، والمسيح له المجد لم يستخدم الفكر أو الفعل على مستوى الضعف الإنساني ، بل نطق وتكلم على مستواه الإلهي : ” كان يعلمهم كمن له سلطان ” ( مر1: 22 ) ؛ ” لم يتكلم قط إنساناً هكذا مثل هذا الإنسان ” ( يو 7: 46 ) .

المسيح له المجد لم يكن بل ولن يكون أبداً بل وعلى الإطلاق ، إنسان العقل ولا إنسان الإلهام ، ولم يكن إنسان القوة الخارقة ، بل هو إله العقل والقوة ورب الفكر والفعل حتى في أعلى صورها أو كل ما يمكن أن نتخيله عنها ، أي أن فكر المسيح الذي كان يُعلَّم وكل أعامله التي عملها ، لم تكن تنتمي للزمن أو للخليقة بل كانت إلهية وكائنة في كيانه منذ الأزل :
” أنا من البدء ما أكلمكم أيضاً به ” ( يو 8: 25 ) ، ” لو لم أكن قد عملت بينهم أعمالاً لم يعملها غيري لم تكن لهم خطية ” ( يو 15 : 24 ) .

عموماً مستحيل أن ننطلق في معرفة شخص المسيح الكلمة المتجسد من خلال عقل الإنسان وتصوراته ، بل ننطلق من الإنجيل ، ومن مَن كشف ذاته بنفسه ومن خلال أعماله وأقواله ، ومن خلال سر الافخارستيا كشركه في جسده المبذول والمحيي ، وشهادة الروح القدس له …
فلا يصلح أبداً أن نتجه لشرح اللوغوس مبتدئين بلوغوس الفلاسفة يهوداً أم يونانيين أو حتى في الفكر الحديث أو الفهارس والمعاجم والقواميس ، ولكن ينبغي أن لا نعرف اللوغوس إلا في يسوع المسيح له المجد ، فمستحيل على العالم أو المصنوعات العظيمة التي في العالم التي تنطق بلاهوت صانعها توصلنا إلى معرفة الله والحياة الأبدية والخلاص الأبدي المعد للإنسان بحب الله وحنانه الفائق كل تصورات البشر . ولكن الذي عرفناه بيقين المعرفة هو أن يسوع المسيح وحده فقط هو الذي يُعرفنا بالله أبيه وبالحياة الأبدية والخلاص …

وكما هو مكتوب :
” فأن الحياة أُظهرت و قد رأينا و نشهد و نخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب و أُظهرت لنا ” (1يو 1 : 2)
” الذي رأيناه و سمعناه نخبركم به لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا و أما شركتنا نحن فهي مع الآب و مع ابنه يسوع المسيح ” (1يو 1 : 3)

___________
ممكن الرجوع إلى هذه المراجع لمزيد من البحث والتدقيق :
+ المدخل لشرح إنجيل القديس يوحنا – دراسة وتحليل للقمص متى المسكين من ص 185 إلى ص 195
+ اللوغوس – مفهوم الكلمة في كتاب العهد الجديد الجزء الأول – للدكتور موريس تاوضروس من ص 60 إلى 95
+ المعجم الفلسفي عربي – إنجليزي – فرنسي – ألماني – لاتيني تأليف دكتور عبد المنعم الحفني ص294
+ القاموس الموسوعي للعهد الجديد – يشتمل على المفرادات اللاهوتية لكلمات العهد الجديد في لغته الأصلية ( اللغة اليونانية ) من ص 400 إلى ص 404 كلمة رقم 3364

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى