الارشاد الروحى

بداية النضوج الروحي

[ والآن يا أخوتي بما إنكم أنتم شيوخ في شعب الله وبكم نفوسهم منوطة، فانهضوا قلوبهم بكلامكم حتى يذكروا أن آباءنا إنما ورد عليهم البلاء ليمتحنوا هل يعبدون إلههم بالحق. فينبغي لهم أن يذكروا كيف امتحن أبونا إبراهيم وبعد أن جُرب بشدائد كثيرة صار خليلاً لله. وهكذا اسحق وهكذا يعقوب وهكذا موسى وجميع الذين رضي الله منهم جازوا في شدائد كثيرة وبقوا على أمانتهم. فأما الذين لم يقبلوا البلايا بخشية الرب بل أبدوا جزعهم وعاد تذمرهم على الرب. فاستأصلهم المستأصل وهلكوا بالحيات. وأما نحن الآن فلا نجزع لما نقاسيه. بل لنحسب إن هذه العقوبات هي دون خطايانا ونعتقد أن ضربات الرب التي نؤدب بها كالعبيد إنما هي للإصلاح لا للإهلاك. ] (يهوديت 8: 21 – 27)

أن علامة بداية نضوج المؤمن الحي بالله هو اعتمادة على خبراته التراكمية مع الله ونمو إيمانه بواسطة كلمة الله التي تُسلم له خبرات الآباء القديسين على مر العصور، وأيضاً تعتمد على تذكر قوة يد الله القوية في أوقات كثيرة أنقذه منها، لأن الله في بداية الحياة يُعطي رؤى وإعلانات خاصة متنوعة بطرق مختلفه تختلف من شخص لآخر، لا لكي يفرح بها فقط، بل لكي تكون – في الأساس – خبرات متراكمة في الداخل مثل البناء الذي يتم وضع أساسه ثم وضع طوبة فوق طوبة ليعلو ويُبنى…

وهذه الخبرات كلها وجميع الأقوال والكلمات التي تأتي للإنسان المؤمن الحي بالله ينبغي أن ينتبه إليها ويحفظها متفكراً بها في قلبه [ وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها ] (لوقا 2: 19)، وذلك لكي تكون هي الذخيرة الحية التي يواجه بها ساعة الدخول في ظلمة الضيقات والآلام الشديدة التي تأتي عليه والتي تُسمى حسب الكتاب المقدس (وادي ظل الموت).

فبداية الدخول في هذه الخبرة أحياناً كثيرة جداً تجزع أمامها النفس وتُريد أن تهرب، ولكن حينما تكون الخبرات الروحية السابقة أمام عين الإنسان في ذاكرته عالماً بمن آمن (إذ قد دخل في سرّ الإيمان الحي) وأن من معه أقوى من كل شيء – عن خبرة سابقة تذوقها  “أن كان الله معنا فمن علينا” (رومية 8: 31) – فأنه يدخل إليها مطمئناً بالرغم من شعور الضيق والألم الذي ينتابه، بل قد يبحث عن مهرب لكي يفلت منها، لكن قوله في النهاية لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض هو أساس الطمأنينة والثقة في الله الحي الذي معه لا يفارقه، فيبدأ يغصب نفسه على التحمل من أجل ثقته في يد الله القوية، وذلك لأن رجاءه غير مبني على وهم بل على خبرة تذوقها في شركة عالماً قوة يد القدير التي تمسك به وانها انقذته كثيراً في السابق وكانت واضحة أمام عينيه، لكنه الآن لا يشعر بأي رؤية أو إعلان واضح من الله [ إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لانك أنت معي عصاك وعكازك هما يُعزيانني ] (مزمور 23: 4)

وبذلك تبدأ النفس التي عرفت الله تدخل في النضوج الروحي، وهذا إذا استسلمت وخضعت تحت يد الله القوية بدون أن تتذمر وتفكر في طفولتها التي كانت في عزاء مستمر، لأن الطفل لا يُريد ان يبذل الجهد والتعب، بل يُريد أن يحيا ويعيش في لعب ومرح وضحك مستمر، بل ويأتيه أحد ليضع اللقمة في فمه، لكن الله الحي يتدرج بالإنسان ويربيه في التقوى وحياة القداسة، ويدخله في سرّ شركة موته ليبلغ كمال قوة قيامته إذ يستمر في هذه الخبرة طوال حياته على الأرض، صاعداً من درجة إلى درجة، باستمرار الموت والقيامة مع مسيح القيامة والحياة: [ لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهاً بموته ] (فيلبي 3: 10)

لذلك سيظل صوت الرسول ينادي للكل بوضوح قائلاً: [ فاشترك انت في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح ] (2تيموثاوس 2: 3)
والرب يقول [ ومن يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية فسأُعطيه سلطاناً على الأُمم…؛ من يغلب فسأُعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه…؛ من يغلب يرث كل شيء وأكون له إلهاً وهو يكون لي ابناً ] (رؤيا 2: 26؛ 3: 21؛ 21: 7)

وطبعاً [ شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح ] (1كورنثوس 15: 57)، [ لأن كل من ولد من الله يغلب العالم وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا ] (1يوحنا 5: 4)، فينبغي أن نعلم ان الرب هو الغالب فينا [ وخرج غالباً ولكي يغلب ] (رؤيا 6: 2)، هذا لو استسلمنا وخضعنا ليده وتواضعنا [ فاخضعوا لله قاوموا إبليس (قاوموه راسخين في الإيمان) فيهرب منكم ] (يعقوب 4: 7)، [ فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه ] (1بطرس 5: 6)..

أمين هو الرب الذي سيثبتكم ويحفظكم من الشرير (2تسالونيكي 3: 3)
وهو قادر أن يحفظكم غير عاثرين ويوقفكم أمام مجده بلا عيب في الابتهاج (يهوذا 24)
كونوا معافين باسم الثالوث القدوس الله الواحد الحي آمين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى