دراسة في الذبائح

تابع دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس – تابع المقدمة – أهمية الذبيحة وشمولها – لمحة تاريخية سريعة (2)

دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس
الذبيحة טֶבַח– ط ب ح ؛ θυσίας σΦάζω
Sacrifice 166 – Sacrifices 142 – Sacrificing 12
تابع (1) مقدمـــــــــــــــة عامة [ الجزء الثاني ]
ثالثاً: أهمية الذبيحة وشمولها – لمحة تاريخية سريعة

إن نظرة استطلاعية للكتاب المقدس تجعلنا ننتبه لأهمية الذبيحة وشمولها. فهي تملأ كل جوانب التاريخ:

(أ) البشرية الأولى

تابع دراسة في الذبائح والتقدمات في الكتاب المقدس - تابع المقدمة - أهمية الذبيحة وشمولها - لمحة تاريخية سريعة (2)(1) – التقدمة – أول مرة نقرأ عن الذبائح هو ما جاء عن هابيل وقبول الله لذبيحته ” وقدم هابيل أيضاً من أبكار غنمه ومن سمانها” (تك4)، وكان تقديم الذبيحة كبكر من نتاج العمل وذلك للشكر والعرفان بالجميل واسترضاءٍ لوجه الله، والله قبلها بسبب قلب مقدمها وليس من أجل نوعها كما هو الظن السائد والمعروف – كما رأينا سابقاً: ” بالإيمان قدم هابيل لله ذبيحة أفضل ( أعظم ) πλείοναθυσίαν – more excellent sacrifice من قايين. فيه شهد أنه بار، إذ شهد الله لقرابينه. وبه وإن مات يتكلم بعد… ولكن بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه ” (عب11: 4و6 )، وهنا سرّ قبول الذبيحة (بل قبول أي تقدمة من أي نوع) هو الإيمان التي تسنده الأعمال البارة.
وتقول الدسقولية (تعاليم الرسل) : [ أن الله ليس بمحتاج للقرابين لأنه فوق كل احتياج بطبيعته، … بل أن المُحب لله الأول هابيل ونوح وإبراهيم والذين جاءوا بعدهم … لما تحركت ذواتهم من جهة الناموس الطبيعي (وقلبهم الشاكر) أن يقرَّبوا لله، لم يفعلوا ذلك بتكليف – هكذا أعطى الله موضعاً للعبرانيين بأن يصنعوا هذا ولم يأمرهم، لكن سمح لهم أن يكون ذلك منهم إذا أرادوا هم؛ وسُرَّ بقرابينهم إذ قدَّموها بضمائر مستقيمة ] ( دسقولية 33: 64 )
__________

(2) – المحرقة – ثم نقرأ عن نوح عقب خروجه من الفُلك: ” وبنى نوح مذبحاً للرب ( وهذه أول مرة يُذكر فيها المذبح على صفحات الكتاب المقدس ) وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد ( صعيده ) محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا ( وهذه أول مرة يُسمع فيها عن رضا الله ) ” ( تك8: 20و21)؛ ونلاحظ هنا أن ذبيحة هابيل سماها الكتاب ” قرباناً أو تقدمة ” أما هنا سُميت ” صعيده محرقة للرضا “، وهذا كما جاء أيضاً في ذبيحة المحرقة في سفر اللاويين هكذا: ” ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة وقود رائحة سرور للرب ” ( لا1: 9 ) وكما يدعوها أيضاً ” محرقة للرضا ” ( لا1: 3و13 ) وكان ذلك تعبيراً عن منتهى خضوعه الكلي لله وشكره العميق وتعبده لله ملتمساً رضاه بعد أن أغضبه البشر بشرورهم حتى أنه ندم أنه خلق الإنسان، كما أنه أراد أن يعبَّر عن اعترافه بفضل الله الذي خلصه من الموت، فكان نوح هنا نائباً عن البشرية في هذا الموقف العظيم حينما أصعد محرقاته المعبَّرة عن شكره وامتنانه وخضوعه والتماسه لرضا الله وهكذا ” صار وارثاً للبرّ الذي حسب الإيمان ” ( عب11: 7 )
ونلاحظ أن ثمرة ذبيحة نوح التي قدمت كإعلان للطاعة والخضوع: ” فتنسم الرب رائحة الرضا وقال في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضاً من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أُميت كل حي كما فعلت ” ( تك8: 21)، وأن كان نوح وهو من البشر قد قدم ذبيحة ردت غضب الله وجعله لا يلعن الأرض أبداً، فكم تكون ثمرة ذبيحة المسيح له المجد ” الذي أسلم نفسه لأجلنا قرباناً وذبيحة لله رائحة طيبة ” ( أف 5: 2 )،” الذي بروح أزلي قدَّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي ؟! ” ( عب9: 14 ) [ الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة على الصليب عن خلاص جنسنا، فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة ] ( رفع البخور – اعتراف الشعب ]
__________

(3) – العهد مع إبراهيم ونسله – ثم من بعد نوح نصل لإبراهيم، ونجد أنه لم يقدم ذبائح في أور الكلدانيين أو في حاران، وطبعاً السبب واضح جداً في الكتاب المقدس، لأن الله أعطاه أمر ليخرج من وسط الجو الذي يعيش فيه المفعم بعبادة الأوثان، لأن الله مستحيل يُعبد وسط أوثان أو في وجود الخطية وتحت سلطانها الذي يعمل بالموت في أبناء المعصية: ” هكذا قال الرب إله إسرائيل، آباؤكم سكنوا عَبر النهر منذ الدهر، تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور وعبدوا آلهة أخرى، فأخذت إبراهيم أباكم من عَبر النهر وسرتُ به في كل أرض كنعان وأكثرت نسله وأعطيته اسحق… فلآن أخشوا الرب واعبدوه بكمال وأمانة وانزعوا الآلهة الذين عبدهم آباؤكم في عبر النهر وفي مصر واعبدوا الرب ” (يش24: 2و3و14)، ومن هذا الجو الذي عاش فيه أبرام جاءت الدعوة الإلهية ليترك كل شيء ويتبع الله وهو لا يعلم إلى أين يذهب: ” و قال الرب لإبرام أذهب (أرحل) من أرضك و من عشيرتك و من بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك ” (تك12: 4)،فنجد أن إبراهيم أطاع الله وترك بسهولة وسار وفق الدعوة الإلهية: ” بالإيمان إبراهيم لَّما دُعيَّ أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي ” (عب11: 8)
وعندما تمم خروجه الكامل ووصل إلى شكيم عند بلوطة مورة ( نسبة لأصحاب الأرض الأصليين ) وقف هناك يُصلي فظهر له الرب فـ ” بنى هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له ” (تك12: 8). وعندما انتقل إلى بيت إيل ” بنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب ” ( تك12: 8 )؛ ولما عاد إلى ” مكان المذبح الذي عمله هناك أولاً دعا هُناك باسم الرب ” (تك13: 4)، وعندما نقل خيامه: وأتي وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون، بنى هناك مذبحاً للرب ” (تك13: 8)، وطبعاً لم يذكر هنا كلمة ذبيحة، ولكن من الصعب إقامة مذبح بلا ذبيحة !!!

ونجد أول ذكر لمواصفات ذبيحة أمر بها الرب عندما أقام الرب مع إبراهيم ميثاقاً بعد أن ” آمن بالرب فحسب له براً، وقال له أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها؛ فقال أيها السيد الرب بماذا اعلم إني أرثها، فقال له خذ لي عجلة ثلثية وعنزة ثلثية وكبشا ثلثيا ويمامة وحمامة، فأخذ هذه كلها وشقها من الوسط وجعل شق كل واحد مقابل صاحبه وأما الطير فلم يشقه… فأخذها وقدمها ذبيحة للرب … حيث قطع الرب مع إبرام ميثاقاً – عهداً בְּרִית” (أنظر تك15 : 9 – 18)، وهذه تعتبر ذبيحة عهد، وهي أول ذبيحة يأمر بها الرب بمواصفات خاصة مع شقها من الوسط، كعلامة إبرام عهد ملزم بالتنفيذ المؤكد، لأن الله هو المسئول عن التنفيذ .

+ – طاعة الإيمان، الامتحان لإظهار الإيمان الحي لتعليم الأجيال ما هو الإيمان ومدى الثقة في الله – ثم نقرأ عن أول مرة يطلب الله من إنسان أن يقدم له ذبيحة في تكوين 22، والغريب أن الطلب فيه ما هو غريب وهو ذبيحة بشرية، كما لم يحدث قط أن يطلب الله ذبيحة بسفك دم بشري، لأنه يمقت كل تصرفات الأمم الوثنية الذين قدموا البشر ذبائح لآلهتهم وبذلك جبلوا على أنفسهم غضب الله، فالله لا يمكن أن يقبل سفك دم إنسان تحت أي مبدأ أو عذر، ولكن هناك قصد من وراء هذا الطلب الذي يعتبر غريب عن الله جداً !!!
فكل الذبائح التي رأيناها سابقاً – عدا ذبيحة عهد الله مع إبراهيم – كان يقدمها رجال الله باختيارهم الحرّ، ويقدمونها من الحيوانات الطاهرة، وكان ذلك تعبيراً عن اعترافهم بفضل الله في وجودهم وحياتهم وخضوعهم وتعبُّدهم وشكرهم له بقلب يشعر بفضل الله وإحسانه…
أما الآن يطلب الله من إبراهيم ذبيحة محرقة محدده الوصف: ” خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق … وأصعده محرقة ” ( تك22: 2 )، وطبعاً السبب واضح في بداية الكلام: ” وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم “، وحينما أطاع إبراهيم الله ونفذ ما طُلب منه ” هناك ناداه ملاك الرب من السماء … لا تمد يدك إلى الغلام.. فرفع إبراهيم عينية ونظر وإذا كبش وراءه ممسكاً في الغابة بقرنية فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضاً عن ابنه ” ( تك22: 11 – 13 )، وبذلك تبرر إبراهيم بالإيمان (رو4: 3) وتبرر أيضاً بالأعمال (كثمر لإيمانه الحي بالله) (يعقوب2: 21) التي أظهر بها صدق إيمانه بالله.
فـ ” بالإيمان قدم إبراهيم إسحق .. الذي قَبِلَ المواعيد وحيده.. إذ حسب أن الله قادر على الإقامة من الأموات أيضاً، الذين منهم أخذه أيضاً في مثال ” (عب11: 17 – 19) [ بالإيمان قدم إبراهيم ابنه الوحيد ذبيحة عندما امتحنه الله، قدمه وهو الذي أعطاه الله الوعد وقال له: بإسحق يكون لك نسل، معتبراً أو حسب (بالإيمان) أن الله قادر أن يُقيم من الأموات. لذلك عاد إليه ابنه إسحق وفي هذا رمز – (حسب ترجمة الجامعة الأنطونية من النص العبري) ] ، وطبعاً ذلك رمز واضح كمثال حي لعمل الفداء الحقيقي والعظيم حين قدم ابن الله نفسه – باختياره وسلطانة حسب التدبير – كفارة: [ الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله (رو 3 : 25)، وهو كفارة لخطايانا ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً (1يو 2 : 2) ، في هذه هي المحبة ليس إننا نحن أحببنا الله بل انه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا (1يو 4 : 10) ]

(4) إسحق – يبدو أن لإسحق كان مذبح دائم في بئر سبع، يُقدم عليه ذبائح تعبيراً عن شكره وتعبده لله الذي قوَّاه وشدَّده مقابل مضايقات مقاوميه ( من رعاة أبيمالك الذين نازعوه على كل بئر يحفرها )، ” ثم صعد من هناك إلى بئر سبع. فظهر له الرب في تلك الليلة و قال أنا إله إبراهيم أبيك لا تخف لأني معك وأباركك وأكثر نسلك من أجل إبراهيم عبدي. فبنى هناك مذبحا ودعا باسم الرب ونصب هناك خيمته وحفر هناك عبيد اسحق بئرا ” (تك26: 25)، ولم يُذكر نوع الذبيحة التي قدمها لله، بل يتم استنتاج تقدمة ذبيحة – مع أنه غير معلوم نوعها – بسبب بناءه للمذبح، وربما تكون تقدمات من أي نوع …

(5) يعقوب – نجده عندما ظهر الله له في حلم ووعده بالبركة لهُ ولنسله كتجديد العهد الذي أعطاه لجده وأبيه: ” بكر في الصباح وأخذ الحجر الذي وضعه تحت رأسه وأقامه (نصبَهُ) عموداً وصب زيتاً على رأسه ( ليكرسه للرب )، وسمى ذلك الموضع بيت إيل ” ( تك 28: 18و19) ، وبعد أن قطع عهد سلام مع خاله لابان: ” ذبح ذبيحة، ودعا إخوته ليأكلوا طعاماً ” ( تك31: 54)؛ كما أقام مذبحاً في شكيم ” وأقام هناك مذبحاً ودعا إياه (باسم) إيل إله إسرائيل ” ( تك33: 20)؛ وعندما عاد إلى بيت إيل: بنى هناك مذبحاً ” ( تك35: 7)، وعندما وصل لبئر سبع، في طريقة إلى مصر ” ذبح ذبائح لإله أبيه وإسحق ” (تك46: 1) ملتمساً الإرشاد والمشورة الإلهية، لذلك سمع صوت الله في رؤيا الليل ” يعقوب، يعقوب … أنا الله إله أبيك، لا تخف من النزول إلى مصر، لأني أجعلك أُمة عظيمة هناك: أنا أنزل معك إلى مصر وأنا أُصعدك أيضاً…” (تك46: 2-4)

(6) الفصح פֶּסַח ( انتهاء العبودية والدخول لعهد الحرية بدم الحمل ) – بنو إسرائيل في مصر تحت المذلة وقسوة العبودية – بلا أدنى شك قد شاهد بني إسرائيل المصريين يقدمون الذبائح لآلهتهم، فعندما طلب موسى من فرعون أن يُطلق الشعب ليعيدوا في البرية ” ونذبح لرب إلهنا ” (خر5: 1-3 ؛ 7: 16)، لم يندهش فرعون عندما سمع عن الذبائح، بل سأل موسى ” من هم الذين يذهبون ؟ ” (خر10: 8)؛ ولما أراد فرعون أن تبقى الغنم والبقر، قال له موسى: ” لا يبقى ظلف، لأننا منها نأخذ لعبادة الرب إلهنا ” (خر10: 26)
وبعد ذلك – وفي آخر الضربات – ذبحوا الفصح פֶּסַח، حسب أمر الرب: ” وكلم الرب – يهوه יְהוה – موسى وهرون في أرض مصر قائلا: هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور هو لكم أول شهور السنة. كلما كل جماعة إسرائيل قائلين في العاشر من هذا الشهر يأخذون لهم كل واحد شاة بحسب بيوت الآباء شاة ( لكل بيت ) للبيت. وإن كان البيت صغيراً عن أن يكون كفوا لشاة (أو اقل من أن يأكلوا شاة) يأخذ هو وجاره القريب من بيته بحسب عدد النفوس كل واحد على حسب أكله تحسبون للشاة (فليُشارك فيه جاره القريب من منزله حتى يجتمع عليه عدد من النفوس يكفي لأكل خروف). تكون لكم شاة صحيحة ذكراً ابن سنة تأخذونه من الخرفان أو من المواعز. ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية. ويأخذون من الدم ويجعلونه على القائمتين والعتبة العليا في البيوت التي يأكلونه فيها. ويأكلون اللحم تلك الليلة مشويا بالنار مع فطير على أعشاب مرة يأكلونه. لا تأكلوا منه نيئا أو طبيخا مطبوخا بالماء بل مشويا بالنار رأسه مع أكارعِهو جوفه. ولا تبقوا منه إلى الصباح، و الباقي منه إلى الصباح تحرقونه بالنار. وهكذا تأكلونه:أحقاؤكم مشدودة و أحذيتكم في أرجلكم و عصيكم في أيديكم وتأكلونه بعجلة هو فصح للرب. ” (خروج12: 1 – 11)
وبعد ذلك ذبحوا الفصح – حسب أمر الرب – ورشوا الدم على القائمتين والعتبة العُليا، فعبر الملاك المهلك عنهم حسب وعد الرب: ” فأرى الدم وأعبر عنكم ” ( خروج12: 13)

كلمة ” فصح פֶּסַח ، وباليونانية πασχα (بصخة)، معناها عبور أو تجاوز، ومعناها الذي نستشفه من كلام الله حسب قصده من هذه الكلمة (هو فصح للرب )، بمعنى أنه ليس مجرد وليمة عادية للأكل والشرب، يشترك في أكلها مقدموها، ولكن هذا الحمل المذبوح يخص الرب الذي سيجتاز في أرض مصر تلك الليلة، ويضرب كل بكر فيها من الناس والبهائم؛ ودم هذا الحمل ( فصح الرب ) المرشوش على بيوت بني إسرائيل هو العلامة التي يراها الرب في اجتيازه فيعبر عنهم ويُخلّصهم من ضربة الهلاك والموت. فهو عبور أو فصح للرب الذي نجاهم من الموت وصار سبب حريتهم …

ومن هنا نجد أن لهذا الفصح مكانة خاصة جداً في الكتاب المقدس، لذلك نجد أن اليهود يحتفلون بهذا العيد تذكاراً خالداً لهم، يعيدونه في كل الأجيال عيداً للرب وفريضة أبدية لتذكار خلاص الشعب من العبودية في مصر، وهذا هو أول ذكر لأول عيد يفرضه الرب للاحتفال به فريضة أبدية، لأنه عيد الحرية، وهذا العيد ليس بالعيد العادي لأن فيه تطلع إلى الخلاص على يد المسيا الآتي الذي يصنع عهد حرية حقيقي وأبدي، وهذا ما قاله الرب يسوع فصحنا الحقيقي : ” فان حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً ” (يو 8 : 36)
ويشرح القديس أغسطينوس كلمة ” فصح – بصخة ” رابطاً بينها وبين حمل الله الذي أنقذنا من سلطان الظلمة وسيادة الموت وعبر بنا إلى سلطان النور وقوة الحياة لملكوت مجد لا يزول، فيقول: [ ” بصخة ” ليست كما يظن البعض – أنها كلمة يونانية الأصل، ولكنها كلمة عبرية، ومع ذلك فإنه يوجد توافق شديد في معنى هذه الكلمة في كلتا اللغتين. فمن حيث الكلمة اليونانية παθεν التي تعني: ” يتألم “، فقد اعتقدوا أن كلمة ” بصخة ” تعني ” التألم ” ، كما لو كان الاسم قد أُشتق من الفعل يتألم . ولكن الكلمة في لغتها الأصلية – أي العبرية – بصخة تعني العبور، لأن شعب الله كان قد احتفل بالبصخة للمرة الأولى عندما عبروا البحر الأحمر في هروبهم من مصر. والآن تم الرمز النبوي وصار حقيقة عندما سيق المسيح كحمل إلى الذبح، حتى بدمه المرشوش على قوائم أبوابنا، أي بإشارة صليبه المرسوم على جباهنا يمكننا أن ننجو من الهلاك الذي ينتظره هذا العالم، مثل إسرائيل بنجاته من عبودية المصريين وإهلاكهم. وأصح عبور نعمله هو حينما نعبر من تبعية الشيطان إلى المسيح، ومن هذا العالم غير المستقر إلى ملكوته الثابت إلى الأبد. وهكذا فإننا بكل تأكيد يستحيل علينا أن نعبر إلى الله الدائم إلى الأبد ما لم نترك هذا العالم الزائل.
والرسول في تمجيده لله من أجل هذه النعمة التي أنعم بها علينا يقول: ” الذي أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته ” ( كو1: 13)

هذا الاسم ” بصخة ” الذي تكلمت عنه، يُطلق عليه باللاتينية Transitus أي عبور، ويفسره لنا الإنجيلي المبارك ( يوحنا ) عندما يقول: ” أما يسوع قبل عيد الفصح، وهو عالم أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم ( بصخة ) إلى الآب ” ( يو13: 1 ). وترون هذا أننا أمام بصخة وعبور (ينتقل). فمن أين وإلى أين نعبر ؟ – من هذا العالم إلى الآب. وهكذا أُعطي الرجاء للأعضاء في رأسهم (أي المسيح راس الكنيسة) أنهم بدون أدنى شك سوف يتبعون ذاك الذي عبر أمامهم.

وماذا عن غير المؤمنين الذين انفصلوا تماماً عن هذا الرأس وأعضائه ؟ ألا يعبروا هم أيضاً، نظراً إلى أنهم لن يبقوا هنا دائماً ؟
إنه من الواضح أنهم سيعبرون، ولكن هناك عبور من العالم، وعبور آخر مع العالم؛ فالعبور إلى الآب شيء، والعبور إلى العدو شيء آخر. فالمصريون أيضاً عبروا، ولكنهم لم يعبروا البحر إلى المملكة؛ بل عبروا في البحر للهلاك ]

ويقول الشهيد يوستين (165م): [ إن الذين خلصوا من شعب إسرائيل في مصر إنما خلصوا بدم الفصح الذي مسحوا به قوائم أبوابهم وأعتابهم، لأن الفصح كان المسيح الذي ذُبح في ما بعد!! فكما أن دم الفصح خلَّص الذين كانوا في مصر، هكذا دم المسيح يحفظ من الموت الذين يؤمنون به. ولكن هل هذا يعني أنه إذا لم تكن هذه العلامة موجوده على الأبواب كان الله يُخطئ في معرفة ( الذين له )؟ كلا، ولكن هذه العلامة كانت استعلاناً مسبقاً عن الخلاص الذي سيتم بدم المسيح الذي به يخلّص جميع الخطاة في كل الأمم عندما يتقبلون الصفح عن خطاياهم ولا يعودون يخطئون ]
ويؤكد القديس هيبوليتس (235م) نفس هذا المفهوم قائلاً: [ إن الدم عندما مُسح به كعلامة صار هو السرّ القائم في ختم دم المسيح. نعم إن هذه العلامة لم تكن هي ذات الحقيقة بعد ولكنها مثال للحقيقة الآتية: أن كل الذين يأخذون هذا الدم ينطبع على نفوسهم، كما حدق وانطبع على بيوت اليهود عندما مُسحوا به كأمر الناموس، فكل الذين ( أخذوا هذه المسحة ) يعبر عنهم الهلاك .
فالدم كعلامة هو الخلاص، كما كانت على البيوت كذلك على النفوس، لأن النفوس بالإيمان وبالروح القدس ما هي إلاَّ بيوت (هياكل) مقدسة. هذا هو سرّ البصخة العامة ( العبور ) للعالم كله ]

(7) ذبيحة الشكر وتمجيد الله – يثرون المدعو رعوئيل أي صديق إيل ( صديق الله ) – وهو كاهن مديان وحمى موسى وكان يعبد الله الحقيقي إله إبراهيم، فقد وصلت إليه أنباء انتصار شعب إسرائيل بيد الله القوية: ” فسمع يثرون كاهن مديان، حمو موسى، كل ما صنع الله إلى موسى وإلى إسرائيل شعبه، أن الرب أخرج إسرائيل من مصر … ” ( خروج18: 1)، و ” قص موسى على حميه كل ما صنع الرب بفرعون والمصريين من أجل إسرائيل، وكل المشقة التي أصابتهم في الطريق فخلصهم الرب. ففرح يثرون بجميع الخير الذي صنعه إلى إسرائيل، الرب الذي أنقذه من أيدي المصريين. وقال يثرون: مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين ومن يد فرعون، الذي أنقذ الشعب من تحت أيدي المصريين. الآن علمتُ أن الرب أعظم من جميع الآلهة، لأنه في الشيء الذي بغوا به كان عليهم. فأخذ يثرون حمو موسى محرقة وذبائح لله، وجاء هارون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاماً مع حمى موسى أمام الله – فإذا كنتم تأكلون أو تشربون أو تفعلون شيئاً فافعلوا كل شيء لمجد الله 1كو10: 31 – ” ( أنظر خروج 18: 2 – 12)
عموماً نجد أن ذبيحة يثرون كانت لتمجيد الله على خلاصه العظيم مع شعبه المختار، وتقدمة شكر وتسبيح من أجل الإنقاذ من الأعداء ومن كل الشدائد والضيقات التي أجتازها إسرائيل وخرجوا منها ظافرين .

(ب) الحقبة الموسوية

(1) ذبيحة العهد: أولاً يلزمنا أن نعرف ما معنى كلمة عهد، فكلمة عهد في العبرية בְּרית– ب ر ي ت أو بريث: معاهدة، اتفاقية، تحالف، ميثاق؛ أما في اليونانية διαθήκη – diatheke، عهد، وصية، وتُشير إلى قرار يتعذر تغييره، لا يمكن ويستحيل تبديله أو إلغاؤه …
ونلاحظ أن في اتفاقية العهد يوجد شريكان يقبلان عهود إلزامية، وهناك مادة التوثيق التي تحفظ لقراءتها وتنفيذ بنودها، وفيها شهود على بنود هذا العهد، ومن المستحيل العهد ينحل تحت أي سبب أو بند، فالعهد قانوني مُلزِم، ومن خالفه يموت، وذلك ما نراه في البركات واللعنات بالنسبة لحفظ العهد أو كسره…

عموماً كانت خدمة موسى النبي الأساسية هي إقامة العهد بين إسرائيل والله, وقد تم هذا عند جبل سيناء. وأساس هذا العهد هو الطاعة. وقد جاءت الشرائع تؤيد هذا، وتعلن أنه لا قيمة لتقديم الذبائح بدون طاعة – كما سنشرح فيما بعد ( أنظر 1صم 15: 22 )، لذلك يقول الرب لهم على فم أرميا النبي: ” لأني لم أكلم آباءكم ولا أوصيتهم يوم أخرجتهم من أرض مصر من جهة محرقة وذبيحة، بل إنما أوصيتهم بهذا الأمر قائلاً: أسمعوا صوتي فأكون لكم إلهاً وأنتم تكونون لي شعباً ” ( إر7: 21 – 22 ) وبالطبع هنا واضح شرط أن يكون الله إله إسرائيل وأن يكونون له شعب، وهو الطاعة !!!

وهذا هو البند الرئيسي في المعاهدة أو العهد الذي أقامة الله مع إسرائيل، فهذا ما نراه حدث، فقد ” جاء موسى وأخبر الشعب بجميع كلام الرب ( يهوه ) وأحكامه “، ووافق عليها جميع الشعب ” فأجاب جميع الشعب بصوتٍ واحد: ” كل ما تكلم به الرب ( يهوه ) نعمل به “، فكتب موسى جميع الأقوال ( كلام الرب يهوه ): ” فبكر في الصباح وبنى مذبحاً في أسفل الجبل، ورفع أثنى عشر عموداً بعدد أسباط بني إسرائيل، وأرسل فتيان ( شبان ) بني إسرائيل فاصعدوا محرقات ( للدلالة على الطاعة ) وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران. فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس، ونصف الدم رشه على المذبح. وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب. فقالوا: كل ما تكلم به الرب نفعل ( نعمله ) ونسمع لهُ. وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال: هوذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال ” ( خروج 24: 3 – 8 )

وواضح جداً من هذه الفقرة معنى العهد وإلزام الطاعة الذي التزم به الشعب كله، وقد أُقيم هذا العهد على دم توثيقاً له كختم لا ينحل، فالدم يحمل قوة الحياة، فالدم كالحياة يخص الله وحده. لذلك فقد حرم الله بشدة سفك دم الإنسان ( أنظر لاويين 3: 17 ، 7: 26 ، 17: 10 و11 .. الخ )، حتى دم الذبائح فكان يُرش على المذبح، كما كان محرماً شرب الدم أو أكل ذبائح مخنوقة ودمها فيها ” لحماً بحياته دمه لا تأكلوه، واطلب أنا دمكم لأنفسكم فقط… سافك دم الإنسان بالإنسان يُسفك دمه، لأن الله على صورته عمل الإنسان ” ( تك9: 4 – 6 ). نربط بين هذا وبين قرار مجمع أورشليم للرسل الذين أرسلوه للمؤمنين من الأمم بأن: ” يمتنعوا عن نجاسات الأصنام، والزنى، والمخنوق، والدم ” ( أعمال 15: 20 ).

أما بالنسبة لاستخدام الدم في توثيق عهد، فلم يوجد في أي موضع آخر في العهد القديم سوى هذا الموضوع، ثم في العهد الجديد في قول الرب يسوع المسيح ليلة العشاء الأخير، وهو يُقدم الكأس لتلاميذه قائلاً لهم: ” أشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا ” ( مت26: 27و28 )

عموماً رش الدم الحامل قوة الحياة، القصد منه توثيق وتكريس وتقديس العلاقة بين طرفي العهد. فمن خلال مشاركة الله مع إسرائيل في رش الدم الذي يُمثل الحياة، على كل من طرفي العهد ( المذبح لله، وعلى الشعب ) يتم الارتباط السري بينهما وترتفع حياة الإنسان نحو بُعدٍ جديد من العلاقة الوثيقة مع الله، لأنهم مربوطين برباط دم الصلح وإقامة عهد مقدس جداً مع الرب إلههم …

ونجد أن بعد إبرام العهد والموافقة عليه بالطاعة وتوثيقه بالدم تراءى الرب يهوه بمجده أمام الجماعة المختارة – حسب الأمر الذي أعطاه لموسى في خر 24: 1 ( ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل – خر24: 9 )، ” فرأوا الله، وأكلوا وشربوا ” ( خر 24: 11 )، وهذه هي وليمة إبرام العهد، لأن ذبائح السلامة قُدمت مع ذبيحة العهد، وذبائح السلامة تستلزم الاشتراك في الأكل منها بفرح وابتهاج أمام الرب، وذلك حسب ما أوصى الله موسى في التثنية: ” وتذبح ذبائح سلامة، وتأكل هناك وتفرح أمام الرب إلهك ” ( تث27: 7 )، لأن ذبيحة السلامة تُقدم لأجل الشكر على إحسانات الرب التي لا تُحصى ( لا7: 11و12 )، وأهمها الصلح والسلام الذي صنعه الرب مع شعبه بقبوله الدم المسفوك عن خطاياهم ورضاه بأن يرتبط معهم بعهد مقدس، ويصير لهم إلهاً وهم يصيرون له شعباً.

(2) الذبائح في خيمة الشهادة: أمر الرب موسى بإقامة خيمة الشهادة في البرية لتكون مركز العبادة لكل الشعب لتكون هي المقدس ومكان سكنى الله ومقرّ لقاؤه، أي مكان حلول الرب ليتجلى وسط إسرائيل ليقيم علاقة مع شعبه الذي أفرزه من كل الشعوب وصنع معه عهداً لا ينحل أو ينفك أبد الدهر، إلا لو تخلوا هم عنه بالعصيان ( كما سبق ورأينا في ذبيحة العهد ) فخيمة الشهادة هي البيت، بيت الرب: ” فيصنعون لي مَقْدِساً ( مسكناً مقدساً ) لأسكن في وسطهم ” ( خروج 25 : 8 )…

وكانت قيمة وعظمة وسرّ خيمة الشهادة ( أي مسكن أو بيت يهوه ) في: مجد حضور الله المهوب المخوف والمملوء مجداً، وسبب تقديس الأمة كلها، لأن بسبب مجد حضور الرب وسط الجماعة، صارت هي الأمة المقدسة: ” والآن إن سمعتم كلامي وحفظتم عهدي، فأنكم تكونون شعبي الخاص بين جميع الشعوب… وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمه مقدسة ” ( الترجمة العبرية – خروج 19: 5 و 6 )

عموماً نجد بعد أن أعطى الله مواصفات الخيمة في ( خروج من الإصحاح 25 إلى الإصحاح 39 ) وطريقة تصنيعها لموسى، أُقيمت الخيمة في اليوم الأول من الشهر الأول من السنة الثانية لخروج بني إسرائيل من مصر، حسب كل ما أمر به الرب ( يهوه ) موسى مما أدى مباشرة إلى سكناه هناك في شكل سحابة مجد عظيمة: ” وضع مذبح المحرقة عند باب خيمة الاجتماع وأصعد عليه المحرقة والتقدمة، كما أمر الرب موسى… ثم غطت السحابة خيمة الاجتماع وملأ بهاء ( مجد ) الرب ( يهوه ) المسكن ” ( أنظر خروج 40: 29 – 34 )

وحضور الله بشكل مرئي بهذا المجد العظيم في النهار وبشكل نار في المساء ( أنظر خروج 40: 34 – 38 ؛ لاويين9: 22 – 24 ؛ 16: 2 ؛ عدد9: 15 – 23 )، يتطلب قداسة الشعب وطهارته ورفع الخطية ومحو الشر من قلوبهم ووسطهم، لكي يؤهلوا لحلوله الخاص وحضوره الدائم وسطهم ويقدروا على الاقتراب منه والشركة معه، لذلك ينبغي أن يحافظوا على طهارتهم ويكونوا قديسين: ” إني أنا الرب ( يهوه ) إلهكم فتتقدسون و تكونون قديسين ( فتقدسوا وكونوا قديسين )لأني أنا قدوس ولا تنجسوا أنفسكم… إني أنا الرب الذي أصعدكم من أرض مصر ليكون لكم إلها ( لأكون إلهاً لكم ) فتكونون قديسين لأني أنا قدوس ” (لا 11 : 44 – 45)

ومن أجل ذلك ” دعا الرب (يهوه) موسى وكلمه من خيمة الاجتماع ” ( لاويين 1: 1 ) وأعطاه تعليمات مفصلة ودقيقة بخصوص الذبائح المختلفة التي يجب تقديمها للرب في الخيمة وكانت للتكفير عن نفوسهم ” لأن نفس الجسد هي في الدم ، فأنا أعطيتكم إياه ( جعلته لكم ) على المذبح للتكفير عن نفوسكم. لأن الدم يُكفَّر به عن النفس ” ( لاويين 17 : 11 )

والذبائح الرئيسية التي أمر بها الرب موسى هي بحسب ترتيبها الإلهي، تبدأ بما يختص بمجد الله ومتطلباته الخاصة من الشعب من جهة الطاعة ليستمر لهم إلهاً، وتنتهي بحاجة الإنسان من التقديس والطهارة ليؤهل للتقرب من الله، لذلك تبدأ بذبيحة المحرقة وتنتهي بذبيحة الإثم ( أنظر لاويين 1 : 1 إلى لاويين 6 : 7 )؛ وهذا ما سوف نراه بتدقيق وتفاصيل شديدة من خلال بحثنا فيما بعد …
ولنلاحظ بالطبع، أن العهد القديم تمهيد وإشارة للعهد الجديد الذي صنع بدم ابنالله الحي، فكم تكون قداستنا ولقاؤنا معه في سر تجسده العظيم وصليبهالمحيي، لأنه بذبيحة نفسه صار لنا قداسة وطهارة: ” الآن قد أُظهر مرة عندانقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه ” ( عب 9: 26 )

ومن المستحيل على الإطلاق على مستوى العهدين ( القديم وبالأكثر الجديد) أن يقترب أحد من الله بطبع غريب عنه، الذي هو الشر والفساد،لأن الله مطلق القداسة ولا يتعامل مع شبه شر، فكم ينبغي أن نكون مؤهلين للاقتراب منه، لذلك دعانا للمجد والفضيلة للقداسة ” كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة ” ( 2بط1: 3 )، ” كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة ” ( أف1: 4 )، ” فلستم إذاً بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ” ( أف 2: 19 )، ” وأما الزنى وكل نجاسة أو طمع فلا يسم بينكم كما يليق بقديسين ” ( أف5: 3 )، ” بل نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم أيضاً قديسين في كل سيرة ” (1بط1: 15)، ” لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس ” (1بط 1: 16 )، وذلك بغرض أن نقرب إليه ويكون لنا شركه معه في النور، لذلك نسمع القديس يوحنا الرسول ينبهنا وينذرنا قائلاً :
” وهذا هو الخبر الذي سمعناه منه ونخبركم به أن الله نور وليس فيه ظلمة البتة. إن قلنا أن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة نكذب ولسنا نعمل الحق، ولكن أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية، أن قلنا انه ليس لنا خطية نضل أنفسن اوليس الحق فينا. أن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم ” ( رسالة يوحناالأولى1: 5 – 9 )

( جـ ) عصر القضاة والملوك

” فصعد جميع بنو إسرائيل وكل الشعب وجاءوا إلى بيت إيل وبكوا وجلسوا هناك أمام الرب وصاموا ذلك اليوم إلى المساء واصعدوا محرقات وذبائح سلامة أمام الرب ” ( قضاة20: 26)، ” في ذلك اليوم قدس الملك وَسَط الدار التي أمام بيت الرب. لأنه قَرَّبَ هُناك المحرقات والتقدمات وشحم ذبائح السلامة لأن مذبح النحاس الذي أمام الرب كان صغيراً عن أن يسع المحرقات والتقدمات وشحم ذبائح السلامة ” ( 1ملوك 8: 64 )

(د) عصر ما بعد السبي

” ولما استهل الشهر السابع وبنو إسرائيل في مدنهم اجتمع الشعب كرجلٌ واحد إلى أورشليم وقام يشوع بن يوصاداق وإخوته الكهنة وزربابل بن شالتئيل وإخوته وبنوا مذبح إله إسرائيل ليصعدوا عليه محرقات كما هو مكتوب في شريعة موسى رجل الله، وأقاموا المذبح في مكانه… واصعدوا عليه محرقات للرب. محرقات الصباح والمساء وحفظوا عيد المظال كما هو مكتوب، ومحرقة يوم فيوم بالعدد كالمرسوم أمر اليوم بيومه وبعد ذلك المحرقة الدائمة… ولجميع مواسم الرب المقدسة… ابتدأا من اليوم الأول من الشهر السابع يصعدون محرقات للرب وهيكل الرب لم يكن قد تأسس ” ( عزرا 3: 1 – 6 )

_________________________

+ عموماً نجد من كل ما سبق أن الذبيحة عموماً تُضفي على حياة الفرد والجماعة إيقاعاً خاصاً، ونجد أن أيوب على المستوى الشخصي، كان يقدم باستمرار ذبائح عن أولاده قائلاً: ” ربما أخطأ بنيَّ وجدفوا على الله في قلوبهم. هكذا كان أيوب يفعل كل الأيام ” ( أيوب 1: 5 )
وكان غرضه هو التكفير عن أي خطية محتملة، وهنا تظهر التقوى الشخصية والحفاظ على الأسرة في مخافة الله.
ونجد أيضاً أمر الرب لأصدقائه في تقديم محرقات: ” الرب قال لأَلِفَازَ التيماني: قد احتمى غضبي عليك وعلى كِلا صاحبيك لأنكم لم تقولوا فيَّ الصواب كعبدي أيوب والآن فخذوا لأنفسكم سبعة ثيران وسبعة كباش واذهبوا إلى عبدي أيوب واصعدوا محرقة لأجل أنفسكم وعبدي أيوب يُصلي من أجلكم… وذهب أليفاز التيماني وَبِلدد الشوحي وَصُوفَرُ النعماني وفعلوا كما قال الرب لهم … ” ( أنظر أيوب 42: 7 -9 )
ونلاحظ قصة ملكي صادق الغريبة ” وملكي صادق ملك شاليم أخرج خُبزاً وخمراً وكان كاهناً لله العلي ” ( تكوين 14: 18 )
حيث يعرض التقليد وليمة ذبائحية، ونشاط ليتورجي ” فأخذ يثرون حمو موسى محرقة وذبائح لله وجاء هارون وجميع شيوخ إسرائيل ليأكلوا طعاماً مع حمى موسى أمام الله ” ( خروج 18: 12 )

ونجد خارج شعب الله المختار، تُعبَّر الذبيحة عن التقوى الشخصية والجماعية، ونجد هذا في سفر يونان حينما تكلم برسالة الله للتوبة لشعب نينوى: ” فخاف الرجال من الرب خوفاً عظيماً وذبحوا ذبيحة للرب ونذروا نذوراً ” ( يو1: 16 )

ومن كل ذلك نجد أن كل كتبة العهد القديم، عندما يرسمون، بخطوط عريضة لوحة التاريخ، لا يتصورون حياة دينية بدون ذبيحة، وبالطبع العهد الجديد سيُحدد هذا الإحساس بدقة ويقره بصورة فريدة.

______________________________

رابعاً: مصدر تشريع الذبائح

تقدم الكثير من الفقرات في العهد القديم المغزى الواسع النطاق الذي بلغته الذبيحة في إسرائيل، والذي يتدرج من أول سقوط الإنسان إلى التشريع الموسوي، والذي أظهر الذبيحة كتشريع – بأمر إلهي – لتنظيم علاقة الشعب مع الله بالطاعة والتقوى ومخافة الله واحترامه وتقديره: ” فقال الرب لموسى هكذا تقول لبني إسرائيل. أنتم رأيتم أنني من السماء. تكلمت معكم. لا تصنعوا معي آلهة فضة ولا تصنعوا لكم آلهة ذهب. مذبحاً من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقاتك وذبائح سلامتك غنمك وبقرك. في كل الأماكن التي فيها أصنع لاسمي ذكراً آتي إليك وأباركك. وأن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنِهِ منها منحوتة. إذا رفعت عليها أزميلك تُدنسها. ولا تصعد بدَرَج إلى مذبحي كي لا تنكشف عورتك عليه ” ( خروج 20: 22 – 26 )، ( أنظر لاويين من 1 – 7 ، 16)

” وأما أقداسك التي لك ونذورك فتحملها وتذهب إلى المكان الذي يختاره الرب… أحفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خيرٌ إلى الأبد إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك ” ( تثنية 12: 26 و 28 )

وممكن الرجوع لحزقيال من الإصحاح 40 إلى الإصحاح 48، لنجد شمول أكثر في التشريع والتنظيم الإلهي بدقة والارتكاز على التوبة واتقاء الرب والخضوع بدقة لكل تعليماته ليعود الشعب إليه ويحيا في خوف اسمه العظيم ويقدم العبادة التي تليق بالله الحي القدوس…

__________________________________________

خامساً : مواقع العبادة وتقديم الذبائح

كان تقديم الذبائح يتم – دائماً – في أماكن العبادة أمام الرب بكل تقوى وخشوع، والتي كانت تتمركز على المذبح، فينبغي إقامة مذبح مخصص لتقديم الذبيحة، لأنه لا تقدم الذبيحة بإهمال في أي مكان أو على الأرض، بل على المذبح المكرس للرب، وبكل وقار ومهابة …

عموماً نجد – عبر التاريخ – أن الآباء بنوا مذابحهم الخاصة وقدموا تقدماتهم – قديماً – قبل الكهنوت وتنظيمه حيث أنهم اعتبروا رؤساء الكهنوت قديماً وآباء بطاركة مثل: نوح ” وبنى نوح مذبحاً للرب. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح ” ( تكوين 8: 20 )

إبراهيم : ” واجتاز إبرام في الأرض مكان شكيم إلى بلوطة مورة. وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض. وظهر الرب لإبرام وقال لنسلك أعطِ هذه الأرض. فبني هناك مذبحاً للرب الذي ظهر له. ثم نقل من هنالك إلى الجبل شرقي بيت إيل ونصب خيمته. وله بيت إيل من المغرب وعاي من المشرق. فبنى هناك مذبحاً للرب ودعا باسم الرب… فنقل إبرام خيامه وأتى وأقام عند بلوطات ممرا التي في حبرون. وبنى هناك مذبحاً للرب… فلما أتيا إلى الموضع الذي قال له الله بنى هناك إبراهيم المذبح ورتب الحطب… ” ( تكوين 12: 6 – 18 ، ؛ 13: 18 ؛ 22: 9 )

إسحق : ” فظهر له الرب في تلك الليلة وقال أنا إله إبراهيم أبيك. لا تَخف لأني معك وأباركك وأكثر من نسلك من أجل إبراهيم عبدي، فبنى هناك مذبحاً ودعا باسم الرب. ونصب هناك خيمته وحفر هناك عبيد اسحق بئراً ” ( تكوين 26: 24 – 25 )

يعقوب : ” ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان. حين جاء ( عاد ) من فدَّان آرام ( سهل آرام ). ونزل ( خيم ) أمام المدينة. وابتاع ( أشترى ) قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم بِمَئة قسيطة ( مئة من الفضة ) وأقام هناك مذبحاً ودعاه إيل ، إله إسرائيل… ثم قال الله ليعقوب: قم أصعد إلى بيت إيل وأقم هناك واصنع هناك مذبحاً لله الذي ظهر لك حين هربت من وجه عيسو أخيك . فقال يعقوب لبيته ولكل من كان معهُ: اعزلوا الآلهة الغريبة التي بينكم وتطهروا وأبدلوا ثيابكم. ولنقم ونصعد إلى بيت إيل. فاصنع هناك مذبحاً لله الذي استجاب لي ( أعانني ) في يوم ضيقتي وكان معي في الطريق الذي ذهبت فيه. فأعطوا يعقوب كل الآلهة الغريبة التي في أيديهم والأقراط التي في آذانهم. فطمرها يعقوب تحت البطمة التي عند شكيم. ثم رحلوا وكان خوف الله على المدن التي حولهم. فلم يسعوا وراء بني يعقوب. فأتى يعقوب إلى لوز التي في أرض كنعان وهي بيت إيل. هو وجميع القوم الذين معه. وبنى هناك مذبحاً ودعا المكان إيل بيت إيل. لأنه هناك ظهر له الله حين هرب من وجه أخيه ” ( تكوين 33: 20 ؛ 35 : 1 – 7 )

موسى: ” فبنى موسى مذبحاً للرب ودعا اسمه يهوى رايتي ” ( خروج 17: 15 )

ونجد عموماً أن المذابح كانت تُصنع من الأرض: ” مذبحاً من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقاتك وذبائح سلامتك غنمك وبقرك. في الأماكن التي فيها أصنع لاسمي ذكراً آتي إليك وأباركك. وأن صنعت لي مذبحاً من حجارة فلا تبنه منها منحوتة. إذا رفعت عليها أزميلك تُدنسها ” ( خروج 20: 24 – 25 )

ونجد أن إيليا بنى مذبحاً على جبل الكرمل من أثنى عشر حجراً غير مكسور تمثل الأثنى عشر سبطاً: ” ثم أخذ إيليا اثني عشر حجراً بعدد أسباط بني يعقوب الذي كان كلام الرب إليه قائلاً: إسرائيل يكون اسمك. وبنى الحجارة مذبحاً باسم الرب وعمل قناة حول المذبح تسع كيلتين من البذر، ثم رتب الحطب وقطع الثور ووضعه على الحطب ” ( 1ملوك 18: 31 – 32 )

وأيضاً بنى يشوع مذابح وجدعون وداود: ( أنظر يشوع 8: 30 – 31 ؛ قضاة 6: 24 – 31 ؛ 2صموئيل 24: 18 – 25 )

ونجد أيضاً مذبح سليمان لذبائح المحرقة وكان 20 ذراعاً مربعاً، و 10 أذرع ارتفاعه ومكانه في القاعة الداخلية ( أنظر 1ملوك 8: 22 ، 54 ، 64 ؛ 9: 25 ؛ 2أخبار 4: 1 )، وهكذا نتعرف على مكان العبادة وشكل المذبح منذ بناءه من تراب وحجر إلى خيمة الاجتماع وهيكل سُليمان…

‫2 تعليقات

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى