الارشاد الروحى

رسالة محبة رسالة الكنيسة

أيها الإخوة الأحباء في جسم الكنيسة النابض بالحياة الإلهية، يا من صرتم رعية مع القديسين وأهل بيت الله، لأنكم وأن كنتم غرباء عن هذا العالم وهو لا يعرفكم ولا يقدر أن يفهم من أنتم لأن صار لكم طابع جديد بسبب ولادتكم الثانية، لكنكم لم ولن تكونوا غرباء عن كنيسة الله الحي لأنكم فيها أعضاء مقدسين في الحق تسعوا كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله (2كورنثوس 5: 20)، ليفيض عليكم بغنى سلام الله القدير ونعمته بالمسيح يسوع ربنا بروح الحياة الساكن فيكم والذي يقودنا في كل أيام غربتنا على الأرض، لأنه هو من يُعلمنا ويُذكرنا بكل ما قاله الرب ويشرح لنا مقاصده في قلوبنا سراً، فيُغيرنا إليه ويدخلنا في سرّ الأعمال الصالحة بنعمته، ويلح علينا بالتوبة ويشدنا نحو خلاصنا، ويستمر يعمل فينا سراً بالمحبة الفائقة حتى نصير أكثر طاعة لله ولوصاياه محققين كل مقاصده بوعي أولاد الله الذين يعيشون في الحرية الحقيقية كأبناء الطاعة في الإيمان الحي العامل بالمحبة التي لا تُقبح ولا تظن السوء، وتصدق كل شيء من الله…

في الحقيقة يا إخوتي والواقع المسيحي الاختباري، فأن المحن والمشقات تُثَبِتْ المؤمن الحي بالله، وتزيد إيمانه صلابة وإصراره على تتميم وصايا الله حبيبه الخاص، فيظهر تواضعه في كل شيء بلا تبجح، وفي وداعة يُعطي بسخاء كسيده غير منتظراً أن يأخذ من أحد شيئاً، ويُريد بكل لهفة أن يُجَمِّع كسيده لا أن يُفرق، ليكون الكل واحد حسب أمر مخلصنا الصالح يسوع [ ليكونوا واحداً كما نحن ] (يوحنا 17: 11 و22).

ومن هنا أولاد الحق ظاهرون وأولاد الباطل مفضوحون، لأن من ثمارهم تعرفونهم، فأولاد الحق يحافظون على كلمة سيدهم محفورة بدقة في قلوبهم عاملين بها في واقعهم اليومي المُعاش، وآلامه الخلاصية في رجاء القيامة ماثلة أمام أعيُنهم، لا يجزعون من شيء قط، ولا يحزنون على أي خسارة في العالم حتى لو كانت مباني عبادتهم، بل دائمي الشكر بمسرة ورغبتهم ان يكونوا شهوداً لله في المسيح بأعمال حسنة تمجد أبيهم السماوي من الجميع، لأننا في الحقيقة المسيحية قد صرنا منظراً أمام الملائكة والناس، وبسبب طاعتنا لروح الله في المسيح، تمتلئ قلوبنا سلاماً غائراً، ويثمر فينا شوق وطوق غامر لفعل الخير حسب مسرة مشيئة الله وقصده، وحينما نُطيع هذا الشوق المتولد فينا نمتلئ بالروح وتصير إراداتنا دائماً مستقيمة، فنعمل أعمالنا بغيرة حسنة في أمانة التقوى، فنرفع أيدينا نحو القدير بمحبة وشكر ونسأله أن ينظر إلينا بعين رعايته ليُنقينا داخلياً أن كان هناك ميلاً باطلاً لا يُرضي صلاحه، وأن يغسلنا من اقتراف أي خطية ارتكبناها عن دون قصد منا، لأن صلاتنا إليه دائماً: [ اختبرني يا الله واعرف قلبي، امتحني واعرف أفكاري. وانظر أن كان في طريقٌ باطل واهدني طريقاً أبدياً ] (مزمور 139: 23 و24).

أما أولاد الباطل هم المملوئين من كل وشاية وضغينة لا يقبلون الوحدة والاتحاد في المسيح بحجة الغيرة الغاشة على عمل الله الحي والحِفاظ على الإيمان القويم، فبكل حيلة وعمى بصيرة أصابهم بها الشيطان يقسمون الجسد الواحد ويجزئونه، ويفرحون حينما ينحاز إليهم الناس ويقبلون آرائهم، وبكل سخط الغيرة المُرة تتقلب نفوسهم في عدم راحة وتشتعل أحشائهم حقداً على كل من يخالفهم الرأي ويرفض مشورتهم، ويتحوَّلون عن هدوئهم المصطنع ويصيروا مثل الأسود التي تتربص لفرائسها، لينقضوا بلا شفقة عليهم ويفتكوا بهم لأنهم يفضحون غيرتهم الغاشة ومكيدتهم ضد كنيسة الله الحي، لذلك فأن خطيئتهم باقية لا تُغفر أمام الله الذي عيناه كلهيب نار تفحصان استار الظلام، لأنها ضد كنيسته التي اشتراها بدمه، وقدسها وبررها وجعلها لحمه وعظمه، لذلك الويل وكل الويل لمن يمس وحدتها ويحاول أن يجرحها موطد فيها الانقسام ويسعى إليه ويثبته، وسعيه أن يحرم إخوته ويقطعهم من جسد المسيح الرب، فأن لم يتب سريعاً جداً كل من يفعل هذا بكنيسة الله الحي فهو يدخل نفسه تحت الدينونة والخطية العُظمى لأنه ضد مشيئة الله في أن يكون الجميع واحد…

فيا إخوتي الأحباء في كنيسة الله القدوس، أن علامة المؤمن الحي بالله هي في قلبه بساطة الإيمان في الحق وعدم الضغينة الظاهر في سرّ المصالحة مع إخوته في كل مكان، وكل ما يزعجه بشدة ويؤرق نفسه جداً ويرعبه هو الشقاق والانقسام، وما يجرح نفسه هو بُعد الناس عن المُخلِّص وسعيهم نحو الموت، فيذرف الدمع على خطايا قريبه (الذي هو أي إنسان وكل إنسان) ويحسب زلاته هي زلته الخاصة ليقدم صلاة محبة لله في المسيح وباسمه لكي ينال قريبه سرّ المصالحة مع الله الحي ويفرح حينما ينتقل من ظلمة الموت إلى نور الحياة.

لذلك يا إخوتي لا يجب أن يراودنا أي شبه ندم على خير فعلناه أو نفعله بالمحبة مع من هو غير مستحق، بل يجب علينا دائماً أن نضع صليب مخلصنا الصالح أمام أعيننا وننظر لما فعله للبشرية التي جحدته وللناس التي رفضته، وننال من محبته محبة فوق محبة، حتى تصير حياتنا مُزينة بالفضيلة والكرامة، وأعمالنا كلها تصير مُتمَّمة بتقوى الله، ووصايا الرب وأحكامه مدوَّنة على قلوبنا ونتفكر فيها دائماً بأذهاننا المتجددة باستمرار ودوام بسبب إشراق نور النعمة من وجه المخلِّص الذي يشرق علينا بكلمته وفي صلواتنا الدائمة إليه.

إخوتي الأحباء في الله الحي، إن رسالتي إليكم اليوم ليست سوى تحذير لنفسي ولكل من يحب ربنا يسوع في عدم فساد، لئلا نغترّ في أنفسنا ونظن أننا وصلنا إلى الكمال فنطعن أنفسنا بالأوجاع دون أن ندري، فننتفخ ونقع في أعظم الخطايا شراً ورأسها الذي هو الكبرياء، لأن الكبرياء هو الشيطان عينه، أن لبسه أحد فقد قتل نفسه وانتفخ وارتفع فوق وصية الله بغباوة حتى انه يصير مقاوماً لها باسم التقوى كما فعل الشيطان نفسه في التجربة حينما تكلم بكلمة الله لكي بمكر يخدع ربنا يسوع دون أن يدري أنه يقاوم رب الحياة نفسه مصدر الوصية والنبع الحي المتدفق بالحياة الأبدية، هكذا كل من هو من الشرير، يذبح أخاه بالوصية لأنه يغش كلمة الله وبكل مكر يستخدمها حتى أنه يخدع البسطاء فيضلهم عن الحق لمصلحة ذاته.

لذلك يا إخوتي لنحذر من الكبرياء والتعالي على الآخرين، لئلا نُصاب بالعمى ونضل عن الحق، فنطعن أنفسنا بأوجاع كثيرة ويقاومنا الله بشدة لأنه مكتوب: [ يقاوم الله المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة ] (يعقوب 4: 6)، فالمسيح الرب هو نصيب النفوس المتضعة الذين لا يتعالون على قطيعة، أو أن يفرقوه بالخصام والعداوة والوقيعة فيما بينهم وبين بعضهم البعض، هذا القطيع الصغير الذي مسرة الآب أن يُعطيهم الملكوت.

أن كل قلب له آذان مدربة على سماع صوت الروح يستطيع ان يميز أقوال الله ويحيا في سلام، نعمة ربنا يسوع المسيح معكم ومع كل مختاري الله الذين دعاهم إليه بالمجد والفضيلة في كل مكان وزمان ليقدسهم مخصصاً إياهم آنية كرامة ومجد لمدح اسمه العظيم القدوس الذي به نرفع لجلاله بفرح في تواضع ووداعة: المجد والعزة والعظمة والإكرام والمدح الدائم بأناشيد البهجة والخلاص التي لنا، الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور كلها آمين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى