س، ج

سؤال عن الحساب والعقاب

أتى سؤال في إحدى المنتديات كالتالي: لماذا يكون عذاب الانسان في جهنم الى الأبد مقابل قرارات اتخذها في فترة محدودة من حياته؟ لماذا لا يعذب فقط عن ما ارتكبه من خطايا لمده محدودة على قدر محدودية ما ارتكبه ؟؟ أنا بصراحة لا ارى ذلك عادلاً !!

الإجابـــــــة

المشكلة عند الغالبية العُظمى من الناس أن تصورهم عن الله منذ البداية خاطئ لأنهم يتعاملون مع الله على أساس العقوبة والمكافئة، الصواب والخطأ، لأنهم يتعاملون على مستوى العبيد، وفي فكرهم ترسخ اعتقاد الشرطة والقضاء، حتى أنهما اسقطوهم على الله..

لكن لكي نفك اللبس الحادث ما بين التعامل القضائي والتعامل مع الله، أولاً علينا أن نعي ونُدرك أن الله لا ينتظر أعمال الإنسان نتاج إمكانيات جهده المبذول لكي يكافئه عليها ويعطيه الحياة الأبدية على سبيل استحقاقاته الشخصية لأن الأعمال هي أعمال الإيمان وهبة الله وليست أعمال تخص الإنسان لأنه مكتوب: [ لأننا نحن عمله (هوَّ) مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها ] (أفسس 2: 10)، يعني الأعمال أعدها لنا الله وليست من إعدادنا ولا اختراعاتنا…

والحياة الذي يُريد أن يعطيها لنا الله هي حياته الخاصة التي لا يستحقها أحد قط، لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد، وبدونه وخارج عنه الموت، حتى لو كنت أحيا في هذا العالم بلا خطية، فالله يُريد أن يعيد لنا الحياة بنعمته الخاصة بدون ان ينتظر منا استحقاق، لذلك علينا أن ننظر للموضوع من ناحية البنوة وليست العبودية ولا من ناحية أفكار الإنسان المشوشة عن الله لأن الإنسان بانطراحه بعيداً عن الله الحي لم يعد قادراً على معرفته وفهم طريقه الصحيح، ولا يستطيع أن يعي معاملاته مع الإنسان والإنسانية فيضعها في إطارها القانوني البشري فيُخطأ ويضل عنه ويُلقي فكره الخاص على اله الذي لا يعرفه…

عموماً لو تعاملنا على أساس أننا عبيد فأن العبد مُهدد بالعزل والطرد عند أول خطأ أن لم يعترف لسيده بدموع متوسلاً أن يُبقيه في البيت لكي لا يُطرد للخارج أو يُشرد، لكن الابن يبقى إلى الأبد مع أبيه ويصير وارث لكل شيء، فمهما ما ضعف أو سقط في خطأ فأبوه يأدبه ولكنه لا يطرده أو يعاقبه كعبد بل يأدبه كأبن، وذلك لأن الابن مربوط بوالده واسمه ملتصق به ويستحيل أن ينفك أو ينفصل عنه إلا لو الابن رفض بإصرار أن يكون ابناً له وترك البيت بإرادته وذهب بعيداً رافضاً كل نصيحة لأبيه، بل اختار الموت وهو مدركاً لذلك، عالماً أنه لو ابتعد عن ابيه سيهلك..

فالله ينظر إلينا جميعاً على أساس إيماننا الحي به ودخولنا في سرّ البنوة الإلهية التي قصدها في المحبوب يسوع ربنا، فلو قبلنا أن نؤمن قابلين أن نكون له ابناء فهو يشهد في قلوبنا بروحه أننا أولاداً له لأن مكتوب [ وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه ] (يوحنا 1: 12) [ الروح نفسه أيضاً يشهد لأرواحنا إننا أولاد الله ] (رومية 8: 16)، وحينما نكون ابناء فاننا ورثة مع المسيح [ اسمعوا يا إخوتي الأحباء أما اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه ] (يعقوب 2: 5)، بمعنى أننا نبقى في بيته إلى الأبد [ والعبد لا يبقى في البيت إلى الأبد أما الابن فيبقى إلى الأبد ] (يوحنا 8: 35)، ولذلك أيضاً قال الرسول [ فلستم إذاً بعد غرباء ونزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ] (أفسس 2: 19)، والله لا يطرد أهل بيته على الإطلاق، لذلك يوحنا الرسول قال: [ أنظروا أية محبة أعطانا الاب حتى نُدعى أولاد الله من أجل هذا لا يعرفنا العالم لأنه لا يعرفه ] (1يوحنا 3: 1)

يا إخوتي، الله لا ينظر للإنسان أنه فعل خطية أم لم يفعل، وهل يستحق العقوبة والا المكافأة؛ المشكلة الآن في قلبه هل يُريد الله أم لا يُريد؛ هل يختار الحياة في المسيح أم يختار الموت منفصلاً عن الحياة ويحيا بلا مسيح أجنبي عن الله وأهل بيته ولا يريد توبة الحياة الجديدة في المسيح يسوع ويحيا ميت عن الله؛ فهل يريد أن يصير ابن ومشتاق لهذا وأن يمكث معه للأبد ويحيا منذ الآن في شركة معه، أم يُريد أن يصير كعبد تحت قانون حرام وحلال وفعلت خطأ والا لم أفعل، ويشعر أنه مهدد ويخاف على مصيره ناسياً الواهب نفسه الحياة، وهذا هو السؤال الأهم الذي ينبغي أن نهتم به، ولا ننظر لله من جهة المحاكم والقضاء، لأن الله أعلن لنا ابوته في البنوة التي ظهرت بظهور مخلصنا القدوس الصالح وحده، التي أعلنها الروح القدس في قلوبنا سراً بشهادة صادقة أننا أولاد الله.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى