الخدمة

سر الكرازة النبوية في الكنيسة – رؤية للخدمة الصحيحة حسب التقليد الكنسي – رسالة خاصة للخدام

الكنيسة ليست مؤسسة اجتماعية دينية مثل أي مؤسسة أخرى عملها أن تُنادي للكل أن يتخلق بعدة مبادئ أخلاقية وسلوكية ليصبح إنساناً صاحب مبدأ وأخلاق مثل باقي الناس الطبيعيين من الجهة الإنسانية، ولأن كثيرين (والكلام بدون تعميم) اليوم من الخدام والخادمات وأمناء الخدمة وخلافه بل والشعب … الخ … لا يروا الكنيسة في حقيقة كرازتها النبوية، وبدت ولو كانت كأنها مؤسسة اجتماعيه مثلها مثل مؤسسات الدولة، وفيها من هو عظيم ومن هو الأعظم، ومن هو الأكرم ومن هو المبجل، ومن هو المستحق ومن غير مستحق، ومن هو متعلم ويستحق الصدارة ومن هو جاهل من يستحق أن يكون آخراً … الخ، مع أنه مكتوب صراحة من فم الرب نفسه: [ كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه ] (يوحنا 5: 44)…

فكثيرين لا يروا الواجب الحقيقي الموضوع على الكنيسة، لأن واجبها أن تُقدم رسالة الكرازة بالحق الإلهي من جهة خلاص وتجديد العالم، والقاعدة التي تنطلق منها الكرازة الحقيقية هي الإفخارستيا، لأن الرب نفسه هو الذي سلم هذه القاعدة التي تنطلق منها الكنيسة، وبدونها مستحيل أن تكون هناك كرازة سليمة أو خدمة حقيقية لأي خادم فيها، بل وتبطل كل خدمة وكل كهنوت وكل كلمة لأنه ستكون كاذبة لأنها لم تنطلق مما أسسه الله بذاته، وما هي يا ترى هذه القاعدة الأساسية التي تقوم عليها كرازة الكنيسة وكل خدمة حقيقية !!!
وبالطبع لن نقول تأمل خاص أو نضع رأياً شخصياً أو فكرياً أو كلام معقد فلسفي يصعب فهمه، بل نضع ما قاله الرب بذاته كما هو وبفمه الطاهر، وهو لا يحتاج لتعليق لأنه واضح كشمس النهار، فهو يقول الآتي : [ لأنكم في كل مرة تأكلون من هذا الخبز وتشربون من هذه الكأس تبشرون بموتي وتعترفون بقيامتي وتذكروني إلى أن أجيء ] (1كورنثوس 2: 26)، وطبعاً نجد هذا التعبير موجود في كل قداس يُرفع ويستحيل أن يخلو منه في العالم أجمع !!!

سر الكرازة النبوية في الكنيسة - رؤية للخدمة الصحيحة حسب التقليد الكنسي - رسالة خاصة للخدامومن هذا المنطلق تكرز الكنيسة وجميع خدام المسيح الأمناء فيها بـ : [ توبوا وآمنوا بالإنجيل ]، وطبعاً التوبة والإيمان بالإنجيل، إنجيل بشارة يسوع الذي يخبر بموت الرب وقيامته، أي انتهاء سلطان الخطية وتجديد الحياة وإعطاء خليقة جديدة في المسيح بقيامته، لا تأتي إلا على أساس الدخول في سر المسيح الكلمة المتجسد بالاتحاد به على مستوى الواقع في الإفخارستيا !!!

فالكرازة يا إخوتي – وعلى الأخص الخدام – لا تأتي بمجرد الكلام أو وضع مبادئ أخلاقية أو التأكيد على أن العطاء أو كل الفضائل الظاهرة هو أساس المسيحية، بل تنطلق من سرّ الإفخارستيا، لأن حتى التوبة لا تكتمل بغفران حقيقي إلا بدم المسيح الذي يطهر ضمائرنا من أعمال ميتة لنخدم الله الحي: [ ان اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم (1يوحنا 1: 9) – ولكن أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض و دم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية (1يوحنا 1: 7) ]، ودخولنا الملكوت لا يعتمد إلا على دم المسيح فقط، المقدم لنا في الإفخارستيا والذي رُش على قلوبنا بالإيمان بيسوع حمل الله رافع خطية العالم [ فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع (عبرانيين 10: 19) ]
فباطلة كل خدمة لا تقوم على أساس إفخارستي حي، لأن الإفخارستيا هي برهان على الحق والشاهد الأمين على موت الرب وقيامته، وهذه هي أساس الكرازة ومبدأها، لأننا نبشر بموت الرب ونعترف بقيامته في إفخارستيا حيه بشخص المسيح الحي الذي يعطي ذاته بذاته لنا، يُعطي بسر عظيم لا يُدرك ويُفحص على مستوى العقل وحدود الفكر، إنما يُدخل إليه عن طريق المشاركة والأكل والشرب، لذلك الإفخارستيا هي الملتقى الأساسي لحياة الكنيسة، فهي مركز العبادة والشركة بين الإنسان الذي يتوب ويؤمن باستمرار، والله الذي يتحد بنا ويشدد ويؤكد الاتحاد فينا بالاشتراك في جسد يسوع الذي يتحد بنا بسرّ عظيم بفوق الفحص، سرّ لا ينطق به ومجيد، وأيضاً الإفخارستيا سر وحدتنا الحقيقية في كنيسة الله، وبدونها يستحيل أن نتحد ونكون واحد فعلاً لأن هذا هو مطلب الله [ وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما إننا نحن واحد ] (يوحنا 17: 22)

فإن أردنا حقاً أن نكون خدام حقيقيين على مستوى التقليد الحي، وأن نكرز ونخدم في كنيسة الله، فلابد من أن يكون لنا شركة مع الله واتحاد حقيقي به على مستوى السر بالتوبة والإيمان العامل بالمحبة، فلننطلق من المذبح الناطق السمائي، الذي أمامه ينطق الكاهن ليقول ما لا يهتم به أحد: [ أرفعوا إلى فوق قلوبكم (وهي الأصح في النداء) – أو أين هي قلوبكم ] ويرد الشعب (والبعض يرد كذباً) قائلاً [ هي عند الرب ]، فنداء الكاهن خطير وهام للغاية وهو نداء لنرتفع أمام الله بالروح لنقف أمام المذبح السمائي الناطق، ويقول القديس أثناسيوس [ المذبح المنصوب قدام الرب في السماوات هو الروح القدس، ينطق ويتكلم وهو يعرف الذي يخدمه ] ( من قوانين القديس أثناسيوس ال 107 المختصة بالمذبح والكنيسة )
ويقول القديس إيرينيئوس : [ إن مشيئته أن نقدم قرباننا أمام المذبح كثيراً وبدون توقف. والمذبح هو في السماء ” لأنه ينبغي أن نوجه صلواتنا وقرابيننا تجاه هذا المكان “، والهيكل هو هناك كما يقول يوحنا ” وانفتح هيكل الله في السماء ” (رؤيا 11: 19)، وخيمة الاجتماع أيضاً ” هوذا مسكن الله مع الناس وسيسكن الله معهم ويكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم ” (رؤيا 21: 3) ]

عموماً ، نقول في الختام :
رسالة المسيحيين الحقيقية – تلاميذ الرب – هي كشف المسيح الرب الكنز المخفي في الأسفار النبوية والكرازة به لجميع الأمم، بموجب موهبة استنارة معرفتهم وفهمهم بالروح والخبرة لصليب المسيح المُحيي في سر الألم والقيامة. وهذا هو المضمون العالم ” للكرازة بالحق ” كما يُسميها القديس إيرينيئوس …
فيا أحبائي فلنكف اليوم عن أن نعلم مجرد مبادئ وشوية أخلاق وكلام معسول ومديح الناس ومجرد أبحاث وأفكار عقلية جدلية فكرية، ونقدم اليوم وكل ساعة شخص المسيح الكلمة المتجسد الذي نحيا به متحدين قائلين على مستوى الخبرة والفعل والعمل [ آمين آمين آمين بموتك يا رب نبشر وبقيامتك المقدسة وصعودك إلى السماوات نعترف نسبحك نمجدك نشكرك يا رب ونتضرع إليك يا إلهنا ]، ومن هذا المنطلق ستتبدد الظلمة من حياتنا ونتخلق بأخلاق المسيح الإلهية بفعل عمله في قلوبنا بسر المحبة المتدفقة بالروح القدس في قلوبنا أن أردناها فعلاً، ومن هنا ندرك سر التوبة وفاعليتها، لأن التوبة ليست فكرة ولا نظرية ولا كلام طويل ومعقد، أو موضوع يوجد فيه 50 بند يشرح كيف نبطل خطية بأعمال وجهادات متكلين على قدراتنا، وأنا حقيقي أُذهل جداً واقف حائراً أمام هذه الموضوعات من كثرة البنود والتي أجدها مكتوبة في موضوعات عن التوبة والتي توضح أنه مستحيل بها أحد أن يخلص !!!
مع أن التوبة أبسط من هذا كله لأنها مقدمة بدم حمل الله رافع خطية العالم والذي يعمل في داخلنا بروحه القدوس في سر ما قدمه لنا لنحيا به ونتحرك ونوجد فعلاً وعلى مستوى الإيمان الحي الذي يرى ويبصر مجد الله بوجه مكشوف كما في مرآة لنتغير لتلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح …

يا إخوتي اليوم أكلمكم بأسرار إلهية كاشفاً لكم سرّ ضعف الخدمة وعدم تأثيرها والأنشقاقات التي فيها وسعي الناس للكرامة بكبرياء ذات منتفخة وقبول الناس مجد من بعضهم البعض ناسيين أو متناسين الله الحي ومجده لا يطلبونه في قلبهم، كاشفاًُ لكل من يدخل لهذا الموضوع بروح الصلاة قارعاً باب تعطفات الله ليعطيه انفتاح ذهن واستنارة، مظهراً لكم سرّ إيمان الكنيسة كلها وقوة كرازتها الحقيقية، لأن هذا هو سر خدمتنا ومحور بشارتنا وفعل عبادتنا وقوة سجودنا بالروح والحق …. مجداً للثالوث القدوس الإله الواحد آمين

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى