الارشاد الروحى

مابين البساطة والسذاجة والجهل وتأثيرهم على حياة الإيمان والتعليم الصحيح

هناك فرق كبير جداً بين البساطة و( السذاجة والجهل ) !!!
السذاجة والجهل هي عمى البصيرة وهي ليست من القداسة، ولا من روح الله وعمله في داخل النفس !!!
وما يُقصد بالبساطة في هذه الأيام – للأسف الشديد – هو الجهل بشكل عام وتسطيح الأمور، وعدم معرفة الحقائق الإلهية في عمق البحث والفهم الروحي المُمَيِز للأمور بشكل خاص، في روح التقوى والصلاة ومعرفة الله حسب إعلانه هو عن نفسه !!
” أيها الإخوة لا تكونوا أولادا في أذهانكم بل كونوا أولادا في الشر وأما في الأذهان فكونوا كاملين” (1كو 20:14).

مابين البساطة والسذاجة والجهل وتأثيرهم على حياة الإيمان والتعليم الصحيح+ من أخطر الأمور على كنيسة المسيح هو الجهل !!!
الجهل بالكتاب المقدس ووحدة آياته، والجهل بقوانين الكنيسة وكتابات الآباء القديسين، وتمييز الأمور المتخالفة بروح الإفراز والتدقيق والسعي المتواصل بالجهاد في الصلاة الدائمة والالتصاق بالرب يسوع في المخدع والاتحاد به في سر الإفخارستيا، ويقودنا هذا الجهل الذي هو عينه عمى البصيرة لمزالق خطرة وبعد تام عن الله والكنيسة، فنكون فيها من جهة الشكل مقبولين أما من جهة الجوهر فلا يوجد إلا فراغ وبعد تام عن عمل الله الحقيقي، ويقود ايضاً لتقديس الأشياء الترابية والغفلة عن حياة التقوى ببذل الذات وروح الاتضاع وتسليم الحياة كلها للمسيح الرب الذي هو مصدر الخيرات ونبع البركة …

ومشكلة الجهل أنه يقود حتماً للتشدد وقلب ما هو ترابي كأنه مقدس والدفاع المستميت عنه، ويقود في النهاية للتعصب الأعمى وعدم تمييز الحق وعدم القدرة علي السلوك في معرفة الله كما قصدها المسيح بشخصه، وبالتالي يقود لهرطقات وكلمات ليست من روح المسيح والكنيسة التي هي جسده !!!

فأينما يوجد تعصب يوجد الانحياز لرأي الناس والتصلب والتشنج ورفض الآخر، بل ويصل الإنسان لرفض الحق كله بكل كبرياء وعناد قلب وإصرار على الرأي الأوحد الذي له معتقداً أن هذا هو الحق كله !!!

وحيثما يوجد تعصب وانحياز للناس، لا بد من وجود جهل بتعاليم المسيح، وطالما يوجد جهل بتعاليم المسيح لا يبقى سوى الانشقاقات والتحزب وأنا لبولس وأنا لأبلوس والانقسام والكبرياء والتعالي وفقدان البساطة التي في المسيح وسقوط قوة الإيمان ليصبح شكلاً لا جوهر !!!

واليوم – للأسف – نمجد الجهل والسذاجة ونسميها بساطة ونعظمها جداً، فمن يعلم بيننا بالجهل وعدم المعرفة نسميها بساطة؛ ومن يلتزم بتسطيح الأمور والحياة التي بحسب الجهد الخاص والتأملات الشخصية التي بحسب الانفعالات الخاصة وحركات النفس التي لا تعرف المسيح حسب الحق، نعتبره قديس وله كل الحق في أن يعلم ويشجع على حياة الجهل وعدم المعرفة الحقيقية حسب حق المسيح المعلن في الكتاب المقدس وكتابات الآباء العظام … والطامة الكبرى في أن نتخذه مرشداً ونخلع عليه روح القداسة، بل وقد يصل الأمر بأن يحيطه البعض بهالة خاصة ويَدَّعوا أن له معجزات وخوارق لا تعد ولا تحصى !!!

وللأسف بلغ التعليم والمعرفة عند البعض إلى مستوى مريع من الانهيار وكل من يعترض يقولون له “لا تدينوا لكي لا تدانوا”، غير عالمين أن الكنيسة أن لم تدين تعاليم أريوس ونسطور وغيرهما كانت ستبقى مشتركة في هرطقاتهم وأعمالهم الشريرة ولم تستند في دفاعها على القول لا تدينوا لكي لا تدانوا !!!

+ يقول لنا هوشع النبي، “قد هلك شعبي من عدم المعرفة لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لي ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضا بنيك” (هو 6:4) .
من العجيب جداً في هذه الأيام أننا نفهم البساطة في الإيمان بشكل معكوس تماماً، لأن الحقيقة هي كلما كان الإنسان أكثر معرفة لله كشخص حي وحضور محيي كان أكثر بساطة واتضاع وانسحاق ووعي وإدراك بشكل واضح مملوءاً محبة من الروح القدس روح المعرفة والفهم والمشورة؛ بينما نجد الإنسان الساذج جاهل وليس له حكمة ونجده إنساناً سطحياً ومعقداً، وبقوده جهله في النهاية للكبرياء في أعماق قلبه من الداخل، فلا يقبل الحق ويتمسك باعتقاده المغلوط، ولا يُريد أن ينمو لا في معرفة ولا في الحق حسب الإنجيل، ويكون مكتفي بما عنده من فهم ومعرفة وبركة يحتفظ بها، ويحيا في اضطراب بل يصير في حالة من التغرب حتى عن نفسه ويدافع مستميتاً عن فكرة متمسكاً بشكل التقوى الخارجي، وليس له إلا أن يثبت ذاته مهما إن كانت على خطأ، بل ويستخدم كل الوسائل كي ما يثبت أنهُ على حق بكافة الطرق حتى لو اضطر أن يدعي معجزات ورؤى إلهيه، هذه التي يعززها له الشيطان الذي يستطيع ان يُغير صورته لشكل ملاك نور لكي يضل الإنسان عن الحق ويجعله يبتعد عن الله وأن يظن انه كامل امام الله فلا يبحث عن نقاوة قلبه لأن عنده معجزات وقوة البركة، وأحيانا كثيرة جداً ينفعل ويصبح في حالة من العصبية الشديدة والهياج على الآخرين إن اختلفوا معه أو صححوا له التعليم، بل يرفضهم تماماً ويقاومهم ويظهر أنهم أناس فاسدي الذهن غير مقبولين عند الله والناس !!!

ليتنا اليوم نُعيد النظر في مفاهيمنا، ونزيل منها الأعشاب المسممة الضارة ونطلب نعمة الاستنارة فنعيد فلاحة قلوبنا بكلمة الحق، ونتأصل في ربنا يسوع وعمق الكنيسة الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية التي تعلمنا من خلال عبادتها وفي عمق كلمات صلواتها وكتابات الآباء الأطهار الذي أساس كلامهم حياة التقوى وكلمة الله .
“جربوا أنفسكم هل انتم في الإيمان، امتحنوا أنفسكم، أم لستم تعرفون أنفسكم أن يسوع المسيح هو فيكم إن لم تكونوا مرفوضين” (2كو 13: 5).

فلنتب ونحيا حياة التقوى، ونتشبع بكلمة الله، فنحيا بالتعمق في معرفة الحق لنثمر بالبر ثلاثين وستين ومائة. ولا ننسى قول الكتاب المقدس: “هلك شعبي من عدم المعرفة”

ملحوظة هامة جداً
الإنسان ممكن يكون غير متعلم أو عارف لغة أو غير متبحر في البحث والمعرفة، ولكن له عمق العلاقة مع الله فيعطي له الله معرفة إلهية عميقة على مستوى الروح، فيستنير بالنعمة ولا يكون جاهلاً بطرق الله، ولا ننسى أن الأنبا أنطونيوس غير متعلم علم موسوعي، ولكن تعلم من الله ونال معرفة وحكمة عميقة ولنا أن نلقي نظرة على رسائله العميقة والمحببة جداً لكل نفس تريد أن تعرف الله بالروح والحق …

أقول لكم ما قاله القديس مقاريوس الكبير : [ أعرف أيها الإنسان سموك وكرامتك وشرفك عند الله، لكونك أخاً للمسيح، وصديقاً للملك، وعروساً للعريس السماوي، لأن كل من استطاع أن يعرف كرامة نفسه، فإنه يستطيع أن يعرف قوة وأسرار اللاهوت. وبذلك يمكنه أن ينسحق ويتضع أكثر، ففي ضوء قوة الله يرى الإنسان خطورة حالته الساقطة. وكما أنه ( المسيح ) عبر الآلام والصليب قبل أن يتمجد ويجلس عن يمين الآب، هكذا ينبغي لك أن تتألم معه. وتُصلب معه، وبذلك تصعد معه وتتحد بجسد المسيح، وتملك معه إلى الأبد في ذلك العالم، ” إن كنا نتألم معه لكي نتمجد أيضاً معه ” (رو8: 17) ] ( عظة 27: 1 للقديس مقاريوس الكبير عن حالة النعمة وحرية الاختيار )

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى