المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية


أبو يونان
02-04-2009, 02:18 AM
إن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية هي شقيقة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية ولهما عقيدة إيمانية واحدة مشتركة وهاتين الكنيستين اللتان بقت على المعتقد المستقيم الذي وضعه آباء الكنيسة الأولين من العصور الأولى للكنيسة .
وكانت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية هذه تشمل قسمين، شرقية وغربية وذلك باعتبار الجهة الواقعة هي فيها جغرافيا.
فالشرقية كانت تحت حكم الفرس وكانت مشتملة على بلاد الجزيرة أو ما بين النهرين والعراق ويسمى أهلها بالسريان المشارقة، وكان مركزها الديني أولاً المدائن حتى أواخر القرن الخامس، وفي هذا القرن لما أعلن نسطور بطريرك القسطنطينية تعليمه المخالف لعقيدة الكنيسة الجامعة، انفصل عنها وأتباعه واستقلوا بذاتهم، واستحدثوا لهم مركز رئاسة خاصة في المدائن ثم نقل إلى بغداد عام 762م ومنهم تفرع الكلدان الكاثوليك سنة 1553 وسميت بطريركيتهم ببطريركية بابل للكلدان عام 1713.
أما الكنيسة الجامعة فنظراً للأحداث السياسية والمذهبية نقلت مركز رئاستها من المدائن إلى تكريت في القرن السابع ثم الموصل وضواحيها في القرن الثاني عشر ويتولى إدارتهم الروحية أسقف عام دعي جاثليقا ثم مفرياناً وكان خاضعاً لبطريرك أنطاكيا، وهكذا تفرّعت كنيسة المشرق إلى:
1- الكنيسة السريانية الأرثوذكسية.
2- الكنيسة السريانية النسطورية.
3- الكنيسة السريانية الكلدانية.
أما الغربية فكانت تحت حكم الروم ومشتملة على البلاد الواقعة غربي الفرات وهي سوريا وفلسطين وآسيا الصغرى وبلاد الشام ويعرف أهلها بالسريان المغاربة ويرئسها بطريرك أنطاكيا مباشرة، وهذه أيضاً بحكم الزمان والأحداث السياسية والمكانية والمذهبية تفرعت في عام 451 وعلى أثر انعقاد المجمع الخلقيدوني إلى القائلين بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح بعد الاتحاد وهم اللاخلقيدونيون: السريان الأرثوذكس وكانوا الأغلبية الساحقة، وإلى القائلين بالطبيعتين للسيد المسيح بعد الاتحاد وهم الباقون من السريان الذين انضموا إلى الروم الخلقيدونيين فأطلق عليهم في النصف الثاني من القرن الخامس، إخوانهم السريان الأرثوذكس بلغتهم السريانية اسم الملكيون، والملكائيون، والملكانيون جمع ملكي وملكائي، وملكاني باسكان اللام مطلقاً وذلك لأنهم تركوا إيمان الآباء والأجداد السريانيين وقالوا بمقالة مرقيان ملك الروم، كما سموهم أيضاً روماً نسبة إلى الدولة الرومانية التي كانت تأخذ بالعقيدة الخلقيدونية، وسموهم أيضاً يونانيين نسبة إلى سكان القسطنطينية عاصمة الدولة التي كان أهلها يتكلمون باللغة اليونانية، غير أن التسمية ( الملكية ) عمَّ استعمالها، وفي عهد البطريرك أفرام الدخيل 528+ شمل اسم الملكيين جميع المعتقدين بالمجمع الخلقيدوني في البطريركيات الثلاث أنطاكية والإسكندرية والأورشليمية دون التميز بين العنصرين السرياني واليوناني، ويسمون اليوم الروم الأرثوذكس، وعنهم تفرع الموارنة في القرن السابع والروم الكاثوليك عام 1724.
وتفرّع عن السريان الأرثوذكس في أواسط القرن السابع عشر السريان الكاثوليك، وبهذا تصبح الكنيسة السريانية اليوم تشتمل على سبع كنائس وهي:
1- السريانية الأرثوذكسية الأم.
2- النسطورية.
3- الكلدانية.
4- الروم الأرثوذكس.
5- الموارنة.
6- الروم الكاثوليك.
7- السريان الكاثوليك.
يقول الفيكونت طرازي ( بعد تشعّب الكنيسة الأنطاكية السريانية إلى ملل عديدة وعلى كرّ الزمان اصبح اسم السريان علماً خاصاً بملة مسيحية من أصل الملل المذكورة، وبهذه التسمية الرسمية عرفتها السلطتان الدينية والمدنية شرقاً وغرباً، وتتألف هذه الملة من طائفتين إحداهما السريانية الأرثوذكسية، والثانية السريانية الكاثوليكية التي انفصلت عنها في القرن السابع عشر، وبعد القرن السابع عشر أضيف إلى السريان في تركيا لفظة القديم أو القدماء فيقال سريان قديم للسريان الأرثوذكس الذين هم الأصل تمييزاً عن السريان المتليتنين، وإذا قيل سريان فالمقصود بهم السريان الأرثوذكس لا غير كقول يوسف داود (اليعاقبة الذين يقال لهم السريان على سبيل الغلبة والنساطرة المعروفين بالكلدان والموارنة المنتسبين إلى دير مار مارون ) وكثيراً ما يستعيض يوسف داود عن كلمة يعاقبة بلفظة سريان كقوله: ( فاللغة السريانية هي لغة ثلاث طقوس شرقية أي طقس الكلدان وطقس السريان وطقس الموارنة ).أما من حيث الطقس الكنسي، فقد كان طقس جميع هذه الكنائس في الأصل واحداً وهو طقس كنيسة أنطاكيا السرياني، وكانت اللغة واحدة هي اللغة السريانية ولا تزال خمس من هذه الكنائس ملتزمة باللغة السريانية في طقوسها وهي السريان الأرثوذكس، السران الكاثوليك، الموارنة، والنساطرة، والكلدان، والكنائس الثلاث الأولى تستعمل طقوسها باللهجة السريانية الغربية الرهاوية والكنيستان الأخريان تستعملان اللهجة الشرقية، ولا فارق بين اللهجتين سوى اللفظ، أما الكنيستان الباقيتان، الروم الأرثوذكس، والروم الكاثوليك فكانوا يمارسون الطقس الأنطاكي فترة من الزمن طويلة، وظلت اللغة السريانية معروفة لديهم مستعملة في كنائسهم حتى القرن السابع عشر، بيد أنهم في أواخر القرن الثامن بدأوا ينزعون الرداء السرياني ويتخذون بدلا عنه رداء آخر هو الرداء البيزنطي، وأول خطوة لهم كانت عندما استبدلوا طقسهم الأنطاكي في القرن التاسع والعاشر بالطقس البيزنطي لأسباب معيّنة واستخرجوه من الأصل اليوناني إلى السرياني متبقّين فيه بعض عبارات طقسية يونانية، ومما هو جدير بالذكر أنهم (الملكيون) ظلوا يستعملون في طقوسهم الكتاب المقدس بحسب ترجمته السريانية المعروفة بالبسيطة حتى القرن السادس عشر دون أن يترجموه ترجمة جديدة من اليونانية كما فعلوا في سائر أجزاء الطقوس الأخرى، يبرهن على ذلك أنهم أثبتوا في كلندارهم وفقاً لها ذكراً للسبعين رسولاً لو10: في 4 كانون الثاني ولم يثبتوهم اثنين وسبعين طبقاً للنسخة اليونانية، وعلاوة على ذلك كله فقد اعتبروا تلك النسخة السريانية اعتباراً عظيماً حتى أنهم حرّجوا على الشماس خادم القداس في آخر الصلاة الربية العبارة التي خصَّت بها الترجمة السريانية خلافاً لسائر الترجمات وهي (لأن لك الملك والقوة والمجد إلى أبد الآبدين) مت6: 13 فقررّوا أن لا يرتلها إلا الأسقف أو الكاهن المقدس، وكانوا في القرن الثاني عشر يقدسون بليتورجية مار يعقوب أخي الرب، كما نقلوا كثيراً من التصانيف اليونانية إلى السريانية، وفي المكتبات العالمية شرقاً وغرباً مئات المخطوطات السريانية تشتمل على طقوس السريان الملكيين من الكتاب المقدس، والليتورجيات والصلوات القانونية، والاشحيم، والكلندار، وفي عهد بلسمون البطريرك الملكي 1195+ اليوناني الأصل الذي كان ساكناً في مدينة القسطنطينية، نقلت ليتورجيتا القديسين مار باسيليوس الكبير ومار يوحنا فم الذهب إلى السريانية، وأمر البطريرك بلسمون بالكف عن استعمال ليتورجية مار يعقوب، وجزم أنه لا يجوز التقديس إلا بتينك الليتورجيتين الخاصتين بالكنيسة القسطنطينية، وقيل أن بيعة الروم في القدس تستعمل في القداس إلى اليوم ليتورجية مار يعقوب أخي الرب باليونانية مرة في السنة في عيد العنصرة.
مما لا شك فيه أن الطقس الأنطاكي أقدم من الطقس اليوناني لا من حيث الليتورجيات فحسب بل في الصلوات القانونية أيضاً التي تحوي الشيء الكثير من مصنفات الآباء الذين عاشوا في القرن الرابع والخامس مثل مار أفرام السرياني، ومار رابولا الرهاوي، ومار اسحق الأنطاكي، ومار يعقوب السروجي أما الطقس البوزنطي أو طقس بيعة القسطنطينية فقد نشأ في القرن الخامس وأن صلوات الطقس البيعة اليونانية من قلم يوحنا الدمشقي في القرن الثامن ومنها ما أنشئ في القرن التاسع والعاشر، وحيث أن القسطنطينية كانت تعتبر نفسها أم جميع كنائس المشرق فرضت طقسها على جميع الكنائس التابعة لها، لذلك فإن هذا الطقس لا يجوز أن يسمى طقساً شرقياً تسمية مطلقة لوجود طقوس شرقية أخرى أقدم منها زماناً، بل يجب أن يسمى الرومي أو البيزنطي أو اليوناني أو القسطنطيني.
إن السريان الملكيين ولئن غيروا الطقس الأنطاكي بالبوزنطي غير أن اللغة السريانية كانت اللغة الطقسية في سوريا وفلسطين حتى القرن السابع عشر، وكان بلسمون البطريرك الملكي 1195+ قد أذن للملكيين الجاهلين باليونانية أن يحافظوا في طقسهم على لغتهم الأصلية أعني السريانية ذلك لأنه إلى عهده لم يكن يخطر ببال السريان الملكيين أن يبدلوا كتبهم السريانية الطقسية أو ينقلوها إلى اليونانية أو العربية، ولما انتخب فاخوم الأول 1359-1386 بطريركاً لم يوقع الأساقفة انتخابه إلا بالسريانية فقط وهكذا مرت الحقب تلو الحقب والسريان الملكيون يحافظون محافظة أمينة على لغتهم السريانية في طقوسهم حتى عهد السيد أفتيموس الثاني 1635+ المشهور بابن كرمه، فأخرج حين أسقفيته في مدينة حلب جميع كتب الطقوس الروحية إلى العربية، ومع هذا كله فقد صرّح خلفه مقار الثالث 1647-1672 بقوله: (إننا نستعمل اللسان اليوناني والسرياني في كنائسنا ومنازلنا).
إن الطقوس التي يمارسها الملكيون اليوم ليست مترجمة عن اليونانية رأساً لكن من السريانية، تجد ذلك واضحاً كقول العلامة يوسف داود (ما يوجد في طقس بركة الزيجة في أحد الكتب أن الآية المأخوذة من المزامير لترتَّل قبل الرسالة تسمى بلفظة سريانية ( زومُرُا ) زومورو.
مع أن الطقس المذكور هو كله عربي وليس فيه لفظة سريانية، وكذلك الآية المزمورية التي قبل الإنجيل تعرف بلفظة هلليلويا السريانية، كما أنهم أبقوا ألفاظاً سريانية بحتة نحو باعوث ( طلبة ) رشم ( رسم ) زيح ( بجل ) الخ.
أما في طقس كنيستنا السريانية الأرثوذكسية، فقد ذكر أن أول قداس بالعربية كان سنة 912، قال أبو نصر يحيى بن جرير التكريتي في كتابه الموسوم بالمرشد (في تلك السنة 912، قلَّد مطران تكريت الأسقفية رجلا ديِّناً من قوم من العرب النصارى فكان يقدس لهم بالعربية، ومن بعد القرن السابع عشر وما بعده شرع قوم بنقل القدّاسات إلى العربية، وقد ترجم البطريرك أفرام الأول برصوم 1957+ ثماني ليتورجيات سنة 1910 وكذلك الحوسايات، وفي طقوس العماد والأكليل ترجمت الصلوات والحوسايات إلى العربية، أما القالات فبقيت على سريانيتها، وترجم البطريرك يعقوب الثالث 1980+ طقس الجناز، والمعذعذان إلى العربية بالنسبة للصلوات والحوسايات أيضاً، أما الطقوس الأخرى كالاشحيم والفناقيث فظلّت على سريانيتها خلا المزامير التي تتخللّها.
هذه لمحة تاريخية عن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الأنطاكية أرجو أن وفقت في نقلها لكم والرب يبارك حياتكم
من كتاب كنيستي السريانية لنيافة الحبر الجليل مار سيويريوس اسحق ساكا
النائب البطريركي للدراسات العليا

aymonded
02-04-2009, 06:16 AM
حقيقي اشكرك على اللمحة التاريخية الجميلة جداً
والتي نحتاج إليها ، وقد نقل الموضوع لهذا القسم مؤقتاً
إلى أن نفتتح قسم التاريخ والوثائق التاريخيـــــــــــــــــ ـــة
أقبل مني كل تقدير وتحية خاصة لأجل هذا الموضوع الرائع
غنى النعمة ووافر السلام لشخصك الحلو يا محبوب الله الحلو

pola2
02-10-2009, 01:39 AM
شكرا موضوع رائع
ممكن استأذنك فى نقله لمنتدى آخر؟