المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شرح معنى الثالوث لنيافة الأنبا موسى أسقف الشباب


Stray sheep
10-15-2009, 04:42 PM
إن كلمة "أرثوذكس" مكونة أصلاً من مقطعين
"أرثو = استقامة"، "ذكسا= مجد".
أى أن معناها "الطريقة المستقيمة فى تمجيد الله".
ليس فقط من حيث استقامة التعليم، بل أيضاً من حيث استقامة الحياة والسلوك.

من هنا ندرك ضرورة أن يربط التعليم الأرثوذكسى بين العقيدة والسلوك اليومى. ولا تشعر - حينما تستمع إلى متحدث أرثوذكسى - أنه يتجاهل العقيدة ويكتفى بالحديث الروحى، فالعقيدة هى ما انعقدت عليه الحياة. إذا تكلم الواعظ الأرثوذكسى عن الله، أعطانا فكرة عن وحدانية الجوهر وتثليث الأقانيم.

فالكنيسة الأرثـوذكسية تـرى أنه "لا حياة بدون لاهوت، ولا لاهوت بدون حياة". أى أنها ترفض أن يبقى اللاهوت مجرد أفكار ونظريات سليمة، منفصلة عن الحياة والسلوك.


وترفض أن يكون علم اللاهوت نشاطاً فكرياً محضاً، لا ينسحب على الحياة الداخلية: فتلتهب حباً فى الرب، والحياة الخارجية: فتسلك سلوكاً أميناً، والحياة الكنسية: فيتحد الإنسان بالرب يسوع رأس الكنيسة، وبأعضائها السمائيين، وبإخوته المؤمنين.

إذا تحدث الواعظ الأرثوذكسى عن الفداء، لم يكتف بالإشارة إلى دم السيد المسيح، بل أنه يشرح لاهوت الفداء، واشتراك الأقانيم فيه، ومسئولية المؤمن إزاءه. وإذا تحدث عن التجسد، لا يكتفى بالتأمل الروحى فقط، بل يغوص مع القديس أثناسيوس الرسولى، فى أبعاد التجسد الإلهى، ودوره فى خلاصنا وفدائنا، وإمكانية اتحاد الله بنا. لهذا قال القديس أثناسيوس: "لو لم يكن المسيح إلهاً، فكيف يمكن أن أصير ابناً لله؟". وقال العلامة أوريجانوس: "اللاهوتى هو الإنسان الذى يعرف كيف يصلى". وقال الآباء فى القديم: "اللاهوتى هو الشهيد"!!.

لهذا تصدت الكنيسة لكل انحراف لاهوتى أو عقيدى، لا لمجرد التمسك بالتسليم الرسولى القديم، ولكن لأن هذا الإيمان أساسى لحياتنا اليومية، وخلاصنا الأبدى. وهكذا نفهم لماذا وقفت أمام آريوس، الذى انتقص من ألوهية الرب يسوع، لأنه بذلك جعل الفادى محدوداً، والفداء ناقصاً، مما يجعلنا نخسر بركات الفداء الإلهى غير المحدود، ونهلك! كما تصدت بعد ذلك لمقدونيوس، الذى انتقص من ألوهية الروح القدس، الذى ينقل إلينا بركات الفداء. ثم تصدت لنسطور الذى فصل بين اللاهوت والناسوت خشية أن تحرمنا هرطقته من سكنى الله فينا... وهكذا.
ولعل رسائل معلمنا يوحنا تعطى أقوى مثل لأهمية اللاهوت فى تعليمنا، حينما تصدى للذين أنكروا التجسد، سر التقوى، فما أخطر أن يترفع اللاهوت عن الناسوت، ولا يحل فيه.. فهذا معناه أن الله سيرفض أن يسكن فينا.. فكيف إذن سنحيا معه فى الأبدية؟!
ورسائل معلمنا بولس، تحفل بالفكر اللاهوتى المسيحى فى بداياتها، ثم بالتطبيق العملى فى نهاياتها، وهكذا يربط بين اللاهوت والحياة.. وهذا هو المنهج الأرثوذكسى!


وهذه بعض الأمثلة الاهوتية الهامة

1- الله جوهر واحد وثلاثة أقانيم :
طبعاً الله جوهر واحد.. فهو جوهر "لا نهائى"، ليس له بداية ولا نهاية.. أصل الوجود.. الذات اللانهائية، والحكمة اللانهائية، والحياة اللانهائية!! يستحيل أن يكون هناك أكثر من ذات لا نهائية، وإلا صار كل منهم محدوداً!! والجوهر الإلهى الأزلى الأبدى يختلف عن جوهر الإنسان، حيث الإنسان له بداية (يأخذها من الله)، وحتى إن كانت له أبدية فهذه أيضاً يأخذها من الله، أو بسبب الروح العاقلة الخالدة التى أخذها من الله عند خلقه... وقال الله: "نعمل الإنسان على صورتنا، كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء، وعلى البهائم، وعلى كل الأرض.. فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهم، وباركهم الله، وقال لهم: "أثمروا، واكثروا، واملأوا الأرض، وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى كل حيوان يدب على الأرض" (تك 26:1-28).
الإنسان إذن جوهره مكون من تراب + نسمة حياة... "وجبل الرب الإله آدم تراباً من الأرض، ونفخ فى أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفساً حية" (تك 7:2). التراب صار جسماً والنفس الحية هى الروح العاقلة، النسمة الإلهية، واهبة الخلود للبشر.

كل الناس لهم بداية، وليس لهم نهاية!!

كل الكائنات الأخرى.. لها بداية ولها نهاية!!
الله وحده.. بلا بداية ولا نهاية!! أزلى أبدى!!
اللانهاية الوحيدة فى الكون، وفى الفكر، وفى الوجود!!
ولـكن هـذا الجوهر الواحد فيه ثلاثة أقانيم... - فالله الآب.. هو الأصل!! - والله الابن.. مولود منه!!
- والله الروح.. منبثق من الآب!!
وهذا الأمر يمكن أن نبسطه فى الشمس، كمثال مادى محدود، لمجرد محاولة الفهم..
قرص الشمس.. هو الأصل، ضوء الشمس.. مولود من القرص النارى، حرارة الشمس.. منبثقة من القرص النارى!!
شمس واحدة = قرص + ضوء + حرارة..
1- وكما أنه يستحيل أن ينفصل القرص عن الضوء عن الحرارة.. هكذا يستحيل أن ينفصل الآب، عن الابن عن الروح القدس.

2- وكما أن القرص والضوء والحرارة شمس واحدة، كذلك الله الآب والله الابن والله الروح القدس إله واحد.

3- وكما أنه يستحيل أن يوجد القرص بدون ضوء أو حرارة، ويستحيل أن يوجد الضوء بدون قرص أو حرارة، ويستحيل أن توجد الحرارة بدون قرص أو ضوء.. كذلك يستحيل أن يوجد الآب بدون الابن والروح القدس، ويستحيل أن يوجد الابن بدون الآب والروح القدس، ويستحيل أن يوجد الروح القدس بدون الآب والابن.. هو منبثق من الآب، ويرسله لنا الابن، ولكن الثلاثة هم فى جوهر واحد.

2- نؤمن بإله واحد :
 لذلك نهتف فى قانون الإيمان مرات كثيرة كل يوم ونقول: "نؤمن بإله واحد" ثم نشرح التفاصيل فيما بعد... فهذا الإله الواحد فى الجوهر، مثلث فى الأقانيم.
 كذلك نختم البسملة المسيحية قائلين: باسم الآب والابن والروح القدس.. إله واحد.
 كما أن الكتاب المقدس بعهديه يقول: "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (تث 4:6، مر 29:12).
 حتى الشياطين يؤمنون بإله واحد: "أنت تؤمن أن الله واحد، حسناً تفعل. والشياطين يؤمنون ويقشعرون" (يع 19:2).
عقيدة الوحدانية أمر راسخ فى المسيحية، ومن يقول بتعدد الآلهة هو - بالضرورة - يكفر بالإله الواحد!!

3- مثلث الأقانيم :
 فالله الآب هو "الحكيم".. والله الابن هو "الحكمة".. والله الروح القدس هو "روح الحكمة".. ولاشك أن الحكيم + الحكمة + روح الحكمة = واحد.
 الله الآب هو "المحب"، والابن هو "المحبة" المولودة منه، والروح القدس هو "روح المحبة" المنبثقة منه.. والمحب + المحبة + روح المحبة = واحد.
 الله الآب هو "القدير"، والابن هو "القدرة" الكامنة فيه والمولودة منه، والروح القدس هو "روح القدرة" المنبثقة منه.. والقدير + القدرة + روح القدرة = واحد.

4- الآب والابن والروح القدس :
 الابن مولود من الآب، قبل كل الدهور، نور من نور.. كولادة النور من النار.. هل هناك فرق زمنى؟ حينما أشعل شمعة، ويصدر عنها نور، من يسبق الآخر زمنياً: النور أم النار؟ لا فرق زمنى إطلاقاً.. ومن يصدر من الآخر: النور أم النار؟ طبعاً النور يصدر من النار.. دون فرق زمنى.
 كذلك دون انفصال، فمع أن النور يولد من النار إلا أنه لا ينفصل عنها، أليس كذلك؟! على نفس الطريقة الآب يلد الابن، ميلاداً أزلياً روحياً، وليس بالطبع ميلاداً تناسلياً جسدياً - كما يتصور البعض - بل هو كولادة النور من النار، أو ولادة الفكرة من العقل.. فمع خروج النور من النار إلا أنه كامن فيها، لم ينفصل عنها. ومع ولادة الفكرة من العقل، وتسجيلها على الورق، إلا أنها تظل كامنة فى العقل، ولا تنفصل عنه بالولادة.
 إن كان هذا ممكناً فى الحسيات: كالنار والعقل البشرى، فكم بالحرى فى الإلهيات؟!!
 الآب غير الابن غير الروح.. لكن الجوهر واحد.. يتمايزون كأقانيم دون أن ينفصل أحدهم عن الآخرين.
 وفى هذا يقول القديس أغسطينوس: الله الآب ليس هو الابن، وليس هو الروح، لكن الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هو الله.

5- المثلث الذهبى :

لو تصورنا مثلثاً ذهبياً (أى شريحة ذهبية) أ ب ج، متساوى الأضلاع..
1- الزاوية أ غير الزاوية ب غير الزاوية ج. لكن الزاوية أ = الزاوية ب = الزاوية ج.
2- كل من أ ، ب ، ج تساوى المثلث كله، فكل زاوية نجد أنها تشمل المثلث كله، الشريحة الذهبية كلها.
هكذا أقنوم الآب غير أقنوم الابن غير أقنوم الروح.. الآب هو الأصل، والابن هو المولود منه، والروح القدس هو المنبثق منه..

الآب هو الله.
الابن هو الله.
والروح هو الله.

ويستحيـل أن نفصـل أ عـن ب عن ج، وكذلك يستحيل أن تنفصل الأقانيم الثلاثة أحدها عن الآخر.
 الآب يخلق العالم بالابن، فى الروح القدس.
 والابن يفدى العالم بالآب، فى الروح القدس.
 والروح يقدس العالم بمشيئة الآب، وعمل الابن.
الآب والابن والروح القدس إله واحد.

سيزر الروش
11-16-2009, 01:10 AM
بجد شكرا للمعلومات الجميلة ربنا يفرحك ويباركك