aymonded
12-11-2007, 11:39 PM
محبة تضارع الاستشهاد
من روائع السلوك المسيحي
في الكنيسة الأولى
انتشر وباء الطاعون في معظم أرجاء الإمبراطورية الرومانية العظمى في ما بين 249 – 263 م ، ففي روما نفسها يقال أن خمسة آلاف شخص ماتوا في يوم واحد . أما في الإسكندرية ، فقد كان الوباء اشد فتكاً بسكانها . ويروي لنا القديس ديونيسيوس البابا الإسكندري أن مدينته قد ضاقت بالمجاعة . ثم تلى ذلك سلسلة من الاضطرابات والعنف ، حتى قيل أنه كان أكثر أماناً لأي شخص أن يسافر من أقصى العالم المعروف آنئذ إلى أدناه ، من أن يسير من شارع إلى شارع آخر في مدينة الإسكندرية .
أما الكارثة العظمى فقد كانت عندما زاد على هذه الشدائد وباء الطاعون ، الذي تفشى ، حتى لم ينجُ منه ولا بيت واحد ، ولم يخلُ منزل واحد من ميت ينوح عليه أهله ويبكونه . أما الأموات فقد أُهملوا دون أن يُدفنوا ، حتى صار الهواء محمَّلاً بالميكروبات المختلطة بالأبخرة الموبوءة المتصاعدة من مياه نهر النيل .
وعند هذا الحد بدا التوحش على الأحياء بسبب رعبهم الشديد خوفاً من الموت ، حتى بدت التصرفات اللا إنسانية تظهر على المواطنين الوثنيين ، فما كانوا يسمعون عن شخص وقد لحق به المرض ، إلا وأسرعوا بإلقائه خارج الديار ، مهما كانت درجة قرابته لهم ، حتى اكتظت الشوارع بهم ، ومن على بُعد سُمع صوت أنينهم .
وهنا تجلّت المسيحية وظهر سمو أخلاق المسيحيين ، وأعطوا أروع أمثلة الحب والبذل والفداء . ففي أثناء هذه الأحداث ، كان اضطهاد الأباطرة داكيوس وغاللوس وفاليريان شديداً على المسيحيين ، حتى أنهم هربوا من المدينة واختبئوا في السراديب ، أو في مراكب في بحر أو في سجون .
ولكن أنىَّ للسراج ، سراج المحبة أن يوضع تحت المكيال ، فعاد المسيحيون بسرعة من أماكن اختبائهم ، وهبُّوا عائدين إلى المدينة – غير هيَّابين اضطهاد الأباطرة المستعمرين – وقاموا بعناية المرضى من إخوانهم الوثنيين ، وواسوا العائلات ، وعزُّوا الذين على شفا الموت ، وأغمضوا عيون الأموات ، وحملوهم على سواعدهم ، وغسَّلوا أجسادهم ، وحملوها ليدفنوها خارج المدينة ، وهم يعلمون أنهم بسبب العدوى سيلاقون نفس المصير .
وهنا الكلام للقديس البابا ديونيسيوس الكبير :
[ وكثيرون من الذين طبَّبوا المرضى سقطوا صرعى بنفس المرض ، حتى مقدَّمي الإخوة في الكنيسة كانوا أول من رقدوا بسبب شهامة المحبة غير الهيَّابة للموت ، وكان منهم قسيسون وشمامسة وعلمانيون من أعلى المراكز الاجتماعية .
إن هذا الموت مع الإيمان الذي صحبه إنما يبدو أقل بصورة بسيطة جداً عن مجد الاستشهاد ]
أما الكنسية الرومانية العظيمة ، وقد تمسَّكت جداً بكلمات هذا البابا المصري العظيم ، فقد رفعت درجة هؤلاء الذين هم صرعى المحبة إلى درجة الاستشهاد ، حيث تُعيَّد لهم في الثامن والعشرين من شهر فبراير . وتختتم سنكسارها عنهم بتساؤلها للمؤمنين :
[ إن هؤلاء أظهروا المحبة ، بأن ضحوا بحياتهم لينجو أعدائهم من المرض ومن الموت ، فبماذا سنجيب أمام عرش الديان – نحن الذين نقول عن أنفسنا أننا مسيحيون – عن إخواتنا من المرضى والفقراء والمذَلَّين والمتألمين ، والذين هم ليسوا أعدائنا بل مسيحيون مثلنا ؟ ]
يا إخوة ، هذا هو المسيح ، وهذه هي المسيحية ...
وهكذا تكون المحبة ... !
_________
عن قصص مسيحية من واقع الحياة
إصدار دار مجلة مرقس
من روائع السلوك المسيحي
في الكنيسة الأولى
انتشر وباء الطاعون في معظم أرجاء الإمبراطورية الرومانية العظمى في ما بين 249 – 263 م ، ففي روما نفسها يقال أن خمسة آلاف شخص ماتوا في يوم واحد . أما في الإسكندرية ، فقد كان الوباء اشد فتكاً بسكانها . ويروي لنا القديس ديونيسيوس البابا الإسكندري أن مدينته قد ضاقت بالمجاعة . ثم تلى ذلك سلسلة من الاضطرابات والعنف ، حتى قيل أنه كان أكثر أماناً لأي شخص أن يسافر من أقصى العالم المعروف آنئذ إلى أدناه ، من أن يسير من شارع إلى شارع آخر في مدينة الإسكندرية .
أما الكارثة العظمى فقد كانت عندما زاد على هذه الشدائد وباء الطاعون ، الذي تفشى ، حتى لم ينجُ منه ولا بيت واحد ، ولم يخلُ منزل واحد من ميت ينوح عليه أهله ويبكونه . أما الأموات فقد أُهملوا دون أن يُدفنوا ، حتى صار الهواء محمَّلاً بالميكروبات المختلطة بالأبخرة الموبوءة المتصاعدة من مياه نهر النيل .
وعند هذا الحد بدا التوحش على الأحياء بسبب رعبهم الشديد خوفاً من الموت ، حتى بدت التصرفات اللا إنسانية تظهر على المواطنين الوثنيين ، فما كانوا يسمعون عن شخص وقد لحق به المرض ، إلا وأسرعوا بإلقائه خارج الديار ، مهما كانت درجة قرابته لهم ، حتى اكتظت الشوارع بهم ، ومن على بُعد سُمع صوت أنينهم .
وهنا تجلّت المسيحية وظهر سمو أخلاق المسيحيين ، وأعطوا أروع أمثلة الحب والبذل والفداء . ففي أثناء هذه الأحداث ، كان اضطهاد الأباطرة داكيوس وغاللوس وفاليريان شديداً على المسيحيين ، حتى أنهم هربوا من المدينة واختبئوا في السراديب ، أو في مراكب في بحر أو في سجون .
ولكن أنىَّ للسراج ، سراج المحبة أن يوضع تحت المكيال ، فعاد المسيحيون بسرعة من أماكن اختبائهم ، وهبُّوا عائدين إلى المدينة – غير هيَّابين اضطهاد الأباطرة المستعمرين – وقاموا بعناية المرضى من إخوانهم الوثنيين ، وواسوا العائلات ، وعزُّوا الذين على شفا الموت ، وأغمضوا عيون الأموات ، وحملوهم على سواعدهم ، وغسَّلوا أجسادهم ، وحملوها ليدفنوها خارج المدينة ، وهم يعلمون أنهم بسبب العدوى سيلاقون نفس المصير .
وهنا الكلام للقديس البابا ديونيسيوس الكبير :
[ وكثيرون من الذين طبَّبوا المرضى سقطوا صرعى بنفس المرض ، حتى مقدَّمي الإخوة في الكنيسة كانوا أول من رقدوا بسبب شهامة المحبة غير الهيَّابة للموت ، وكان منهم قسيسون وشمامسة وعلمانيون من أعلى المراكز الاجتماعية .
إن هذا الموت مع الإيمان الذي صحبه إنما يبدو أقل بصورة بسيطة جداً عن مجد الاستشهاد ]
أما الكنسية الرومانية العظيمة ، وقد تمسَّكت جداً بكلمات هذا البابا المصري العظيم ، فقد رفعت درجة هؤلاء الذين هم صرعى المحبة إلى درجة الاستشهاد ، حيث تُعيَّد لهم في الثامن والعشرين من شهر فبراير . وتختتم سنكسارها عنهم بتساؤلها للمؤمنين :
[ إن هؤلاء أظهروا المحبة ، بأن ضحوا بحياتهم لينجو أعدائهم من المرض ومن الموت ، فبماذا سنجيب أمام عرش الديان – نحن الذين نقول عن أنفسنا أننا مسيحيون – عن إخواتنا من المرضى والفقراء والمذَلَّين والمتألمين ، والذين هم ليسوا أعدائنا بل مسيحيون مثلنا ؟ ]
يا إخوة ، هذا هو المسيح ، وهذه هي المسيحية ...
وهكذا تكون المحبة ... !
_________
عن قصص مسيحية من واقع الحياة
إصدار دار مجلة مرقس