المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تفسير معجزة شفاء الأعرج اع3


hany1982
06-22-2010, 11:30 PM
شفاء الأعرج باسم يسوع الناصري


"كانت عجائب وآيات كثيرة تُجرى على أيدي الرسل" (أع ٢: ٤٣).


لم تتم العجائب والمعجزات بطريقة عشوائية، ولا لاستعراض إمكانيات الرسل، وإنما كانت هادفة نحو جذب كل نفسٍ للتمتع بأعظم أعجوبة؛ حب الله الفائق المُعلن على الصليب. ولم يسرد لنا سفر الأعمال إلاَّ أمثلة قليلة هادفة عبر كل الأجيال ليدرك الكل إمكانيات كنيسة الله لملكوت إلهي على الأرض.
"وصعد بطرس ويوحنا معًا إلى الهيكل،

في ساعة الصلاة التاسعة". [1]
كان القديسون بطرس ويعقوب ويوحنا، الجماعة المختارة من الرسل لمرافقة السيد المسيح في كثير من الأحداث، يُحسبون أعمدة (غل 2: 9). وحدهم رافقوا السيد المسيح في تجليه (مر 9: 20)، وكانوا أقرب من غيرهم في بستان جثسيماني (مر 14: 33).


مع اختلاف طبع القديس بطرس عن القديس يوحنا لكنهما ارتبطا بعلاقة صداقة عجيبة. كان الأول يتسم بالغيرة والاندفاع، والثاني بالهدوء والحب. أنكر الأول السيد المسيح ثلاث مرات أثناء محاكمته، بينما رافق الثاني السيد حتى الصليب. ومع هذا نجد السيد يختارهما كرفيقين يُعدان له الفصح (لو 22: 8). هذا وواضح من سفر الأعمال أن التصاقهما ببعضهما البعض تزايد بالأكثر بعد قيامة السيد المسيح وصعوده إلى السماء. وكانا عضوي البعثة التي بعثها الرسل لتسليم أهل السامرة الإيمان والعماد (أع 8: 14). وكانا في صحبة عند زيارتهما لقبر السيد المسيح (يو 20: 2).
كان لكل من القديسين بطرس ويوحنا أخ من بين التلاميذ، ومع هذا فإن ارتباطهما معًا أقوى بكثير من ارتباط كل منهما بأخيه حسب الجسد. هكذا كثيرًا ما تكون الصداقة في المسيح يسوع وفي العمل الروحي أقوى من الرباط الدموي.


لا يوجد علاج مؤثر لشفاء الأوجاع مثل الصديق الصادق الذي يعزيك في ضيقاتك.


 بحق ليكن لك صديق يُدعى "نصف نفسي".
 لا توجد صداقة حقيقيّة ما لم تجعلها كوصلة تلحم النفوس، فتلتصق معًا بالحب المنسكب في قلوبنا بالروح القدس.
وصعد بطرس ويوحنا معًا إلى الهيكل"،


فقد كان بناء الهيكل مرتفعًا قليلاً عن بقية المدينة، لذلك قيل: "صعد". قد سبق فرأينا التزام التلاميذ والرسل بالعبادة بانتظام في الهيكل (أع ٢: ٤٦).


"في ساعة الصلاة التاسعة": كان اليهود يمارسون ثلاثة سواعي للصلاة: الثالثة والسادسة والتاسعة. يقول داود النبي: "مساءً وصباحًا وظهرًا أشكو وأنوح، فيسمع صوتي" (مز ٥٥: ١٧). وقد التزم دانيال بهذا في أرض السبي (دا 6: 10)


. وقد ظلت الكنيسة الأولى محافظة على كل طقوس العبادة اليهودية والاشتراك في الصلوات في الهيكل في المواعيد المحددة، ولكن بفكرٍ مسيحيٍ جديدٍ ومفاهيمٍ جديدةٍ.


 وقت الساعة التاسعة، فنصلي كالرسل... وهو وقت تسليم الرب (روحه) على الصليب.



"وكان رجل أعرج من بطن أمه يُحمل،
كانوا يضعونه كل يوم عند باب الهيكل،
الذي يُقال له الجميل،
ليسأل صدقة من الذين يدخلون الهيكل ". [2]



قصة شفاء أعرج من بطن أمه هي معجزة من بين كثير من المعجزات التي وهبها الروح القدس للرسل ليتمموها باسم يسوع المصلوب، لكن الروح اختارها لتحمل معنى خاصًا.


تمت المعجزة على أيدي بطرس ويوحنا، في هذه القصة المختصرة يتكرر اسمي الرسولين ثلاث مرات لتأكيد أن الاسمين يحملان معنى رمزيًا يمس حياة الكنيسة وحياة كل مؤمن صادق يود التمتع بعمل الروح القدس في أعماقه.


الأول يمثل الإيمان حيث كلمة بطرس معناها "صخرة"،


ويوحنا يمثل الحب الذي به نتعرف على الرب ونراه، إذ وحده بين التلاميذ عرفه عند بحر طبرية، وقال لبطرس: "هو الرب" (يو 21: 7). وكأن عمل الروح يتجلى في الكنيسة خلال الإيمان العامل بالمحبة.


كان الشخص أعرج من بطن أمه، وكأن عمل الروح هنا أشبه بالخلق، فهو يجدد الطبيعة البشرية، ويهبنا "خلقة جديدة" قادرة على السير في الطريق، أي في المسيح، لنعبر إلى حضن الآب. أما الإشارة إلى أنه أعرج من بطن أمه، ففيه تأكيد أن المعجزة ليس فيها أي نوع من الخداع، فهو أعرج منذ ولادته، ويُحمل إلى الهيكل، ويعرفه كل سكان أورشليم.

كان الأعرج يُحمل ويُوضع عند باب الهيكل، الذي يُقال له الجميل، يطلب صدقة. فهو عاجز عن الحركة، يحتاج إلى من يحمله؛ وُضع خارجًا في فقرٍ يستعطي.باب الجميل: هو الباب الرئيسي المؤدي إلى رواق النساء ورواق إسرائيل ورواق الكهنة، فيعبر به كل الشعب اليهودي من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، كما يعبر به الكهنة واللاويون، فالشهادة للسيد المسيح موجهة لكل الداخلين إلى الهيكل لممارسة صلاة الساعة التاسعة، بلا تمييز بينهم.


جمال الهيكل لا يعيبه وجود أعرج فقير يستعطي، فإن الحب الذي يقدمه المصلون وروح العطاء هو جزء لا يتجزأ من جمال بيت الله.

ليكن في كل أسرة موضع يختفي المسيح فيه في أشخاص الجائعين والعطشى الغرباء.

"فهذا لمّا رأى بطرس ويوحنا مزمعين أن يدخلا الهيكل،
سأل ليأخذ صدقة". [3]

غالبًا لم يكن الأعرج يعرف الرسولين بصفتهما الشخصية، لكن الرسولين حتمًا كانا ينظرانه كلما دخل قبلاً إلى الهيكل للعبادة.

"فتفرس فيه بطرس مع يوحنا وقال:
أنظر إلينا". [4]

عادة يتطلع طالب الإحسان إلى القادمين يستعطفهم لينال منهم شيئًا، أما أن يقف الرجلان يتفرسان فيه، فهذا ما لم يتوقعه قط: ماذا يطلبان منه؟ هل يريدان أن يسألاه شيئًا أو يوبخانه، والكل يعلم عجزه عن العمل منذ ولادته؟

لقد تفرس فيه الرسولان قبل صنع المعجزة؛ كما يتطلع إلينا الله بعيني الحنو والاهتمام الشخصي. هكذا الحب يسبق العطاء. قدما حبهما واهتمامهما به قبل اعطائه الشفاء باسم يسوع المسيح الناصري. إنهما لم يفعلا مثل كثيرين يقدمون بأيديهم العطاء أما قلوبهم فمنصرفة عن المحتاجين.

والعجيب أن الاثنين تفرسا فيه دون سابق اتفاق، فإن الروح الواحد عمل فيهما ليتطلعا إليه بقلبيهما كما بأعينهما.

قال بطرس: "انظر إلينا"، فقد اشتاق أن يتطلع الأعرج فيرى فيهما شخص السيد المسيح الساكن فيهما والعامل بروحه فيهما وبهما.


إن أعطيت شيئًا لمحتاجٍ، ليسبق وجهك البشوش عطيتك، مع كلمات رقيقة، ومساندة لآلامه.
إن فعلت هذا فإن السرور الذي يشعر به في ذهنه بعطيتك يكون أعظم من احتياج جسده.

فلاحظهما، منتظرًا أن يأخذ منهما شيئًا". [5]
"فقال بطرس:
ليس لي فضة ولا ذهب،
ولكن الذي لي، فإيّاه أُعطيك،
باسم يسوع المسيح الناصري قم وامشِ". [6]

تفرس بطرس ويوحنا في الأعرج، وطلب بطرس منه أن ينظر إليهما. هكذا تلاقت النظرات معًا، ليحمل هذا تلاقٍ داخلي لحساب ملكوت الله. فالرسولان وقد حملا روح الأبوة بعمل الروح القدس يشاركان الله تطلعه نحو كل نفسٍ عاجزةٍ ومحتاجة، يتطلعان بروح الحق الفائق والحنو، لكن ليس بروح العجز واليأس، وإنما بروح القوة خلال إمكانيات الروح القدس.

حقًا ما أحوج الكنيسة إلى نظرات رعاة قلوبهم مثل قلب الله الكلي الحب والحنو في أبوةٍ صادقةٍ مع حكمة وقدرة،‍لقد اختبر ذلك في القديم ارميا النبي الذي في حنوه كان يصرخ: "أحشائي، أحشائي، توجعني جدران قلبي، يئن فيَّ قلبي. لا أستطيع السكوت" (إر 4: 19).

وفي شوقه لخلاص اخوته كان يصرخ: "أليس بلسان في جلعاد؟ أم ليس هناك طبيب؟ فلماذا لم تُعصب بنت شعبي؟" (إر 8: 22)

إذ تطلع الأعرج إليهما منتظرًا أن ينال صدقة أخبره بطرس عن إفلاسهما من مقتنيات العالم، لكن ما ورثاه هو اسم يسوع المسيح الناصري، وهو أفضل لهما وله، قادر أن يهبه الشفاء، فيقوم كما من الموت، ويمشى كما في طريق ملوكي. وكما يقول المرتل: "أرسل كلمته فشفاهم" (مز ١٠٧: ٢٠).

تحرك قلب بطرس بالإيمان الحي باسم يسوع المسيح طبيب النفوس والأجساد، وصِدق وعده الإلهي: "إن سألتم شيئًا باسمي فإني أفعله" (يو 14: 14).

من يرغب أن يقتني الحكمة يقول: "ليس ليّ فضة أو ذهب، ولكن الذي لي إياه أعطيك، باسم يسوع الناصري قم وامشِ".
إذ لم يكن يملك فضة اقتنى عطية عمل المحبة في اسم المسيح. لذلك يُقال لكم أيضًا: "اسحبوا الحكمة إلى الأماكن الداخلية" (راجع أي 28: 18)، "إنها محجوبة عن عيني كل حي، ومتوارية عن طير السماء" (أي 28:21 الطبعة الكاثوليكية، دار المشرق ببيروت). لا يعرف البشر أين كانت، ولا الملائكة، لأنهم طيور السماء، الذين قيل عنهم: "رأيت ملاكًا طائرًا في وسط السماء" (رؤ 14: 6).


 ليس باسمه الخاص به بل باسم المسيح. لكن كلمة "قم" هي أمر... حالة من يثق في حقه، وليس حال من هو في عجرفة بسلطانٍ ما

وأمسكه بيده اليمنى وأقامه،
ففي الحال تشددت رجلاه وكعباه". [7]

أمسكه القديس بطرس بيده اليمنى، التي تشير إلى القوة التي صارت له في المسيح يسوع. وفي إقامته لطابيثا: "ناولها يده وأقامها" (أع 9: 41).

وفي إتمام كثير من الأسرار الكنسية يمد الأسقف أو الكاهن يده ليعلن مدْ السيد المسيح يمين قوته ليهب نعمةً خاصة. ففي سيامة الكاهن يضع الأسقف يده على رأس المرشح للكهنوت، وفي نوال الحل في سرّ الاعتراف يضع الكاهن يده على رأس المعترف، وفي سرّ الزواج يضع الكاهن يديه على رأسي العروسين.

"فوثب ووقف وصار يمشي،
ودخل معهما إلى الهيكل،
وهو يمشي ويطفُر ويسبح اللَّه". [8]

لم يعد بعد محتاجًا إلى من يحمله، فقد حملته الأذرع الأبدية، ولا من يتكئ عليه فقد أقامه الرب ليحيا بروح القيامة وبهجتها!

معروف أن المشي عند الإنسان يحتاج إلى فترة تدريب طويلة، سواء بالنسبة للطفل بعد ولادته، أو بالنسبة للذين أصيبوا بمرض أو حادَث عاقهم عن المشي لمدة طويلة، فإنه لا يمكن أن يسيروا بعد شفائهم مباشرة. أما هذا ففي لحظات وقف وصار يمشي. لم يتمتع الأعرج بالشفاء فحسب، وإنما نال قوة فائقة، صار يعَّبر عنها بسرعة الحركة والانتفاضة من حالة العجز التي كان عليها. وكما قيل: "يعطي المعيي قدرة" (إش 40: 29)، "حينئذ يقفز الأعرج كالآيل، ويترنم لسان الأخرس" (إش 35: 6).
إنه منظر مبهج ملأ الحاضرين رهبة وعجبًا وبهجة. يرون الأعرج يثب متهللاً، ويمشى ويطفر.
لم يكن ممكنًا للأعرج أن يكتم مشاعره، فقد وثب كمن لا يريد أن يعيش في حالة العجز الكامل التي تقترب إلى الموت. إنه لأول مرة يتحرك بقدميه، فيقدم بكور هذه الحركة لحساب الله، فيدخل إلى الهيكل، يقدم ذبيحة الشكر والتسبيح للطبيب السماوي.


إنه لأمر عجيب أنه آمن هكذا سريعًا، فإن الذين شفوا من أمراض مزمنة بصعوبة يصدقون حتى أعينهم. ما أن شُفي حتى التصق بالرسولين، شاكرًا الله... لاحظوا كيف أنه لم يسترح، ملتهبًا بالبهجة، مبكمًا أفواه اليهود.

"وأبصره جميع الشعب وهو يمشي ويسبح اللَّه". [9]

تحركت قدما النفس إذ شُفيتا، فسار في طريق الخلاص، يسبح الله ويمجده على أعمال محبته. لم نسمع عنه أنه قدم شكرًا للرسولين، ولا وقف يمدح عملهما، لكن تسبيحه لله فرّح قلب الرسولين.

"وعرفوه أنه هو الذي كان يجلس لأجل الصدقة على باب الهيكل الجميل،
فامتلأوا دهشة وحيرة مما حدث له". [10]

هذا الذي كان يُحمل ليُوضع عند الباب الرئيسي للهيكل، بالكاد يزحف لمد يده يستجدي إحسان الناس، وقد صار منظره مألوفًًا لكل شعب إسرائيل والكهنة والفريسيين والصدوقيين... الآن يروه يثب متهللاً، يسبح ذاك الذي صلبوه. ‍

صارت دهشة إذ لم يستطيعوا إنكار الحق، وقد سلكوا في الباطل وظنوا إنهم كتموا الحق ودفنوه، إذا بالحق يتجلي، وصارت الشهادة له لا تُقاوم. أصيبوا بدهشة وبحيرة، لا يعرفون ماذا يفعلون، هوذا دم يسوع المسيح يصرخ في القلوب. لم يكن ممكنًا مقاومة هذا العمل الإلهي للأسباب التالية:



يعاني الأعرج من هذا المرض منذ ولادته، أي لمدة ٤٠ عامًا (أع ٤: ٢٢).




لم يكن الأعرج محتالاً، لأنه كان يُحمل إلى هذا الموضع العام أمام الجميع، وقد عرفه كل شعب أورشليم.




لا يمكن أن تكون هناك علاقة بينه وبين الرسولين، لأنه عند شفائه لم ينطق بكلمة شكر أو مديح لهما، بل كان يسبح الله، وإن كان قد صار ملتصقًا بهما لا يريد مفارقتهما.

 كان الأعرج نفسه مقتنعًا أن ما حدث معه هو من الله.

ولم تزل كلمة الرب تنمو وتزداد وتكثر فى هذه الكنيسة وكل كنيسة من الان وإلى الابد أمين