المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإيمان كسر وحياة (4) ما الذي يجعل هذا الإيمان مُمكناً


aymonded
10-05-2010, 03:36 PM
سلسلة الإيمان كسرّ وحياة
4 - ما الذي يجعل هذا الإيمان مُمكناً
ليصير خبرة حياة مُعاشة في حياتنا اليومية
للعودة للجزء السابق أضغط هنــــــا (http://www.orsozox.com/forums/f173/t58725/)




إذا كان الله – موضوع الإيمان – طبعه نار آكله ، وقدوس مطلق ، ولا يراه أحد ويعيش ، فهو يختلف عن طبعنا الضعيف ويفوق كل فكر وتصور ومعرفة وشعور ورغبة ، فهذا يعني أنهُ لا يُمكنني أن أكتشفه من تلقاء ذاتي ، لأن الله ليس مثله شيء لكي أعرفه أو اقارنه بشيء يقرب لي الصورة أو المفهوم : [ الله لم يره أحدٌ قط ... ] (يو1: 18)
[ فقال (موسى) ارني مجدك. فقال أُجيز كل جودتي قدامك وأُنادي باسم الرب قدامك، وأتراءف على مَنْ أتراءف ، وارحم من أرحم . وقال لا تقدر أن ترى وجهي لأن الإنسان لا يراني ويعيش ] (خروج33: 18 – 20)
ويقول القديس باسيليوس الكبير : [ اجعلوا غير المنطوق به (الثالوث القدوس) معبوداً في صمت ] (عن الروح القدس 18: 44)

فمن المستحيل على الإنسان – مهما كان وضعه – أن يكتشف الله من تلقاء ذاته أو بذكائه الخاص أو بمعرفته العقلية المحدودة ، بل كل ادّعاء من أي إنسان أنه قادر على أنه يعرف الله من ذاته أو يشرحه حسب فكره وفلسفته ويُخبِّر عن الله ، فهو – بكل يقين – كاذب ، لأن المسيح الحق المطلق قال : [ الآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي [ قد شهد لي ] لم تسمعوا صوته قط ولا أبصرتم هيئته ] ( يو5: 37)

إذن فالإنسان عاجز تماماً عن معرفة الله ورؤيته في طبيعته الفائقة ، والوحيد – فقط – الذي يُعلن ويُخبِّر عن الله في حقيقة جوهره هو شخص المسيح الكلمة المتجسد ، فهو الذي يُعلن ذاته بالإيمان لكل من يُريد ، فهو يقول بفمه الطاهر :
[ وأنا ما سمعته منه فهذا أقوله للعالم ] (يوحنا 8: 26)
[ وأنا إنسان (الله الظاهر في الجسد) قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله (الآب) ] (يوحنا 8: 40)
[ أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عند أبي ] (يوحنا 10: 32)
[ لو كنتم عرفتموني لعرفتم أبي أيضاً ، ومن الآن تعرفونه وقد رأيتموه ] (يو14: 7)
[ لأني أعلمتكم ما سمعته من أبي ] (يو 15: 15)
[ لا أكلمكم أيضاً بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية ] (يوحنا 16: 25)
ولنُلاحظ الأفعال : أقوله – كلمكم بالحق – أعلمتكم – أخبرتكم
فالابن الوحيد الكائن في حضن الآب فيه اُستُعلِن الله مرئياً ومسموعاً :
[ الذي رآني فقد رأى الآب ] (يوحنا 14: 9)
[ الكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني ] (يوحنا 14: 24)
فموسى وكل الشخصيات العظيمة والمُقربة لله على مدى العهد القديم كله ، لم يَحظَ أحد منهما – قط – برؤية الله رؤية حقيقية ، إنما كان كله بالشبه أو المثال ، وبالتالي تكون كل توصيات ووصايا العهد القديم هي حتماً : شبه السماويات وظلها ...
وحتى الإنسان نفسه – كل إنسان – فهو مخلوق أصلاً على شبه الله وصورته .

ولكن الآن وفي المسيح – له المجد – ليس الأمر كذلك ، لأنه هو الصورة الحقيقية لله ، بل هو الحق في ذاته وفي أقواله ، وهو في ذاته ملء النعمة والحق : [ (ابن) وحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً . الابن الوحيد (الإله) الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر ] (يوحنا 1: 14 و18)

والله يُحبنا بشدة بما يفوق الشرح والوصف : [ هكذا أحب الله العالم ... ] (يوحنا 3: 16)، ولذلك أراد أن يكشف ذاته لنا = لي ولك شخصياً ، وذلك لأن المحبة تدفع المُحب أن يكشف ذاته للمحبوب ، حسب قول الرب : [ أنا أحبه وأُظهر له ذاتي ] (يوحنا 14: 21)

فلو لم يأخذ الله مبادرة كشف ذاته للإنسان ، لِما كان الإيمان ممكنناً ، لأن الإيمان عبارة عن : جواب الإنسان على دعوة شخصية ، يكشف له فيها كل من الآب والابن والروح القدس عن ذاته : شخصاً حياً وحضوراً مُحيياً .


وفي هذه الحالة فقط يأتي جواب الإنسان على الدعوة :
فأمام هذا الإعلان الحي والحضور المُحيي ، الذي فيه تأتي دعوة الله المحب ، للاتحاد والالتصاق ، يتجاوب الإنسان بإلقاء ذاته في حضن الآب في المسيح بالروح القدس ، ليغرق ويرتوي حباً من بحر حضور الله كما كشف هو ذاته في المحبوب يسوع ...


فالله في كشف ذاته يُخاطب الإنسان مُظهراً لهُ ذاته ، وداعياً إياه لحياة الشركة بالحب معه ، في شخص الكلمة الابن الوحيد الذي اتحد بنا اتحاد غير قابل للافتراق بتجسده ...
ودعوة الله للإنسان للإيمان به ليحيا معه في سر الحب تأتي بالوسائل الآتية :
- من خلال آثاره في الخليقة وفي قلبه الذي في داخله سرّ صورة الله
- بالوحي الإلهي وتاريخ الخلاص الذي بلغ ذروته بتجسد ابن الله
وتلك هي الطرق – وان أتعددت مظاهرها – ليأتي إليَّ ويقرع باب قلبي ، حتى إذا سمعت صوته وفتحت قلبي [ والقلب معناه في لغة الكتاب المقدس هو مركز شخصية الإنسان ، يلتقي فيه العقل والشعور والإرادة ] فإذا فتحت له قلبي هذا :
اختبرته وتذوقته بأعماق كياني كحضور شخصي يملأ كياني : [ والكلمة صار جسداً وحل بيننا (فينا في الأصل اليوناني) ] (يوحنا 1: 14) ، وهو حضور يفوق كل تصوراتي ورغباتي وإمكانياتي ، ولكنه يُنير عقلي ويستقطب شعوري ويشدني بقوة ويجذبني ويدخلني في دائرة محبته ، وهذا الحضور الفائق لا أمتلكه ، ولكنني به ومنه وله أحيا . وهذا هو فعل الإيمان الحقيقي وقوته ...


فالإيمان المسيحي الحقيقي ، ليس تحليلاُ فكرياً ، أو معرفة عقلانية أو فلسفية ، ولا هو تحضير درس أو قراءات للمعرفة والفحص والدراسة للمعرفة والحفظ ، أو معرفة للمصطلحات اللاهوتية [ رغم أهميتها للذي يؤمن فعلاً ] ، إنما الإيمان المسيحي الأرثوذكسي (المستقيم) الحي ، هو دخولنا في دائرة محبة الثالوث القدوس واستعلانه والامتلاء من حياته على قدر قامة كل واحد فينا ، وبعد ذلك يُمكننا أن نحفظ ونخدم ونبحث كيفما شئنا ...


وعنواننا القادم ( علامة الإيمان )

اشرف وليم
10-05-2010, 09:55 PM
موضوع جميل جدا كعادتك
الرب يبارك حياتك

aymonded
10-06-2010, 12:14 AM
ويبارك حياتك يا محبوب الله ويسعدك بغنى مجد نعمته
أقبل مني كل حب وتقدير ؛ النعمة معك كل حين

ريم الخوري
10-06-2010, 10:15 PM
[ الذي رآني فقد رأى الآب ] (يوحنا 14: 9)
كم هي عظيمة محبة الله الاب لنا حتي ارسل لنا ابنة الوحيد وكم هو عظيم سر اتحادنا بة
ودخولنا في دائرة محبة الثالوث القدوس واستعلانه والامتلاء من حياته على قدر قامة كل واحد فينا
مرسي ليك استاز ايمن الرب يحفظك

aymonded
10-06-2010, 10:53 PM
ويحفظ حياتك في خوف اسمه العظيم
ولنصلي بعضنا من أجل بعض بشدة
أقبلي مني كل تقدير لشخصك الحلو
النعمة معك كل حين