الصوم عند آباء الكنيسة القديسين لا يُسمى صوم الجسد ، أي مجرد الامتناع عن بعض الأطعمة واختيار أطعمة بديلة ، كأن هذا هو الخير والصلاح المطلوب من الإنسان كنوع من أنواع الفرض الإلهي ، بل الصوم هو أعظم وأعمق من مجرد امتناع عن الأطعمة ، " لأن ليس ملكوت الله أكلاً و شربا بل هو بر و سلام و فرح في الروح القدس " (رو 14 : 17)
وتسمية الصوم عندهم لم يكن لها اسم صوم الجسد ، بل يطلقون عليه : صوم النفس ، أو صوم العقل ، أو صوم القلب ، وهو صوم الفكر والمشاعر ، وهذه هي أعظم درجة في الصوم من صوم الجسد كمجرد الامتناع عن بعض الأطعمة رغم من أنها الصورة الخارجية للصوم !!!
ويقول الأب تيؤناس :
[ ولكن سلطان الأسفار المقدسة لا يسمح لنا بأن نُعلَّم بأن الصوم صالح والأكل شر . وإذا كانت غايتنا من الصوم هي أن نعمل الصلاح واعتبرنا الأكل شراً ، نكون بذلك قد اعتبرنا أن الأكل هو ارتكاب شرّ ، أو سقوط في خطية . وبالتالي لا نكون – في حقيقة الأمر – قد تقدمنا بالامتناع عن الطعام ، بل تدنسنا بذنب عظيم ، وسقطنا في خطية عدم الإيمان التي قال عنها الرسول : " يمتنعون عن أطعمة قد خلقها الله لكي تؤكل بالشكر مع المؤمنين وعارفي الحق لأن كل خليقة الله جيدة ولا يرفض شيء إذا أُخذ مع الشكر " ( 1 تيموثاوس 4: 3 – 5 )
ويقول الرسول أيضاً : " إني عالم ومتيقن في الرب يسوع أن ليس شيئاً نجساً بذاته ، إلاَّ الذي يحسب أن شيئاً نجساً فقد صار له هو نجساً ( رو 14 : 14 ) ، لذلك لا تذكر الكتب الإلهية إن إنساناً ما قد حُكِمَ عليه كخاطئ أو أُدين لأه أكل ، وإنما لأن شيئاً آخر قد أُضيف إلى الأكل أو حدث بعد الأكل يستوجب الدينونة ] ( مجلد 11 من مجموعة آباء بعد نيقية فصل 13 ص 508 )
عموماً ، أي ما نمارسه في حياتنا ، سواء من أطعمة أو زواج أو غيره من الأشياء التي وهبها لنا اله ونمارسها بالشكر في تقوى ، أن نفذناها فنحن خاضعين لله ونشكره على ما أعطانا ولا يوجد علينا ملامة أو حكم أو دينونة ، وان امتنعنا عنه فهو لا يَضَّر أو حتى يصبح مجال دينونة أو حتى محل مديح !!!
والصوم الحقيقي يشرحه القديس أثناسيوس الرسولي قائلاً :
[ تأملوا أيها الإخوة ، ماذا يُحقق الصوم ، حسب الوصايا الخاصة بالصوم . مطلوب منا أن لا نصوم فقط بالجسد ، بل نصوم بالنفس .
وصوم النفس هو في التواضع ، عندما لا نتبع الآراء الشريرة ، بل نتغذى بالفضائل الحسنة ؛ لأن الرذائل والفضائل هي طعام النفس . وتستطيع النفس أن تأكل أيهما كطعام ، وأم تميل إلى أي الطريقين :
طريق الفضيلة أو طريق الرذيلة حسب إرادتها . فإذا مالت النفس إلى الفضيلة ، فإنها تتغذى بفضائل البرّ مثل الاحتمال والوداعة والثبات كما يقول بولس : " تتغذى بكلمة الحق " ( 1 تيموثاوس 4: 16 ) ، وهكذا كان حال ربنا الذي قال : " طعامي أعمل مشيئة أبي ... " أمَّا إذا لم يكن هذا هو حال النفس وبدأت تنحدر وتسقط إلى أسفل ، فأنها لا تتغذى بشيء آخر سوى الخطية . وهكذا وصف الروح القس الخطاة وطعامهم مشيراً إلى الشيطان عندما قال : " سوف أجعله طعاماً لأهل الحبشة " ( مز 74 : 14 ) ، لأن الشيطان هو طعام للخطاة ، أما ربنا يسوع المسيح مخلصنا فهو " الخبز السماوي " وطعام القديسين حسب ما قال : " أن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي " ( يو 6 : 53 ) ، بينما الشيطان هو طعام النجسين والذين لا يسلكون حسب النور ، وإنما يعملون " أعمال الظلمة " .
ولذلك لكي نبتعد عن الرذائل يوصينا الرب أن نتغذى بطعام الفضائل ، أي تواضع الفكر والانسحاق ، واحتمال التحقير والاعتراف بأن أي شيء فينا هو من الله ، لأن هذا الصوم ، لا يطهر نفوسنا فقط ، بل يحفظها مقدسة ويؤهل القديسين ، ويرفعهم إلى فوق ، إلى ما هو فوق الأرض ] ( عن مجموعة آباء نيقية فقرة 5 : صفحة 508 )